قطع الانترنت يعرقل التحشيد في المحافظات ويضع السلطة في حرج توقيت التظاهرات

Monday 7th of October 2019 08:12:58 PM ,
العدد : 4522
الصفحة : سياسية ,

 بغداد/ وائل نعمة

تبدو حركة الاحتجاجات في مدن الوسط والجنوب عفوية للغاية وبدون تنسيق مسبق، إذ فرض قطع خدمات الانترنت العودة الى النهج القديم في التحشيد للتظاهرات

الذي يعتمد على اللقاءات المباشرة بين الجمهور في المناطق السكنية والاتفاق بعد ذلك على تفاصيل الاحتجاج.

ورغم ان هذا الاسلوب قلل من زخم الاحتجاجات، الا انه ايضا صعب مهمة السلطات التي تجهل في اغلب الاحيان مكان وزمان الاحتجاجات وبوصلة المتظاهرين.

وظهرت تداعيات هذا الاسلوب في محافظة ذي قار على سبيل المثال، إذ صارت حركة الاحتجاجات بين مد وجزر، تارة تتصاعد ثم تخفت وتارة اخرى تشتد وتتحول الى مصادمات مع القوات الامنية وتنتهي بحرائق لمقار حزبية كما حدث مساء السبت الماضي.

10 مبانٍ في الناصرية حرقت حتى الآن على اقل تقدير، بحسب مصادر (المدى) في المدينة، من بينها مقرات تابعة لتيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم، وحزب الدعوة جناح نوري المالكي، بالاضافة الى مكتبين احدهما لسرايا الخراساني، أحد فصائل الحشد الشعبي، والثاني لنائبة عن الفضيلة، فيما طالت الحرائق الاخرى مبانٍ لاذاعات محلية ومكاتب لفضائيات.

واستنادا لنعمان الابراهيمي، عضو اللجنة الامنية في ذي قار، فان "الافعال غير المنضبطة" لبعض المتظاهرين في الناصرية سببها "انسحاب تشكيلات من القوات الامنية واستبدالها بقوات مكافحة الشغب التي فقدت السيطرة على الأوضاع".

وكانت شدة الاحتجاجات في الناصرية تساوت وتفوقت في بعض الاوقات على التظاهرات في بغداد، منذ انطلاق الحركة الاحتجاجية الثلاثاء الماضي، فيما تسبب تذبذب قوة التظاهرات في فرض حظر تجوال بشكل متقطع، لم يدم مجموع اوقاته اكثر من 48 ساعة.

استثمار الأزمة 

يقول الابراهيمي في اتصال مع (المدى) امس ان "جماعات مجهولة تحاول استثمار الاحتجاجات لحرق مقار حزبية وحرف مسار التظاهرات الى العنف"، مؤكدا في الوقت نفسه انه "لم تتعرض اي مؤسسة حكومية او رسمية الى اضرار".

وحتى نهار امس الاحد، وصل مجموع القتلى في تظاهرات الناصرية الى 21 قتيلا، بينهم 4 من القوات الامنية، بحسب الابراهيمي. وبين المسؤول الامني في المحافظة ان عدد "الجرحى من الطرفين وصل الى 337 مصاباً".

بالمقابل تواصلت مساعي مجلس المحافظة والمحافظ عادل الدخيلي والعشائر هناك في محاولة لنزع فتيل الازمة في ذي قار. وقال المسؤول المحلي "وصلتنا بعض المطالبات التي تطالب بالخدمات ورفع المستوى المعيشي والتوظيف، لكنها ليست كل المطالب".

وتعد ذي قار من افقر المحافظات العراقية، بحسب احصائيات وزارة التخطيط العام الماضي، فيما يقول نعمان الابراهمي ان "المحافظة لم تحصل في السنوات الخمسة الماضية على ميزانيتها"، فضلا عن عدم وجود منافذ للمحافظة.

ويقول المسؤول المحلي: "نجد صعوبة في معرفة مطالب المتظاهرين، لان الجزء الكبير من حركة الاحتجاجات يرفض الجلوس على طاولة المفاوضات".

وكان مجلس المحافظة قد تعامل في السنوات الماضية مع حركات احتجاجات متعددة، لكنها تختلف هذه المرة بعدم وجود "تنسيقيات" يمكن التواصل معها ومعرفة مطالب المتظاهرين.

وهذه الحالة هي مشكلة عامة تواجه اغلب المسؤولين منذ اندلاع التظاهرات الاخيرة، حتى في مجلس النواب الذي شكك عدد من اعضائه بهوية الـ100 شخصية التي قال رئيس البرلمان محمد الحلبوسي اول امس، بعد اجتماعه بهم في داخل مبنى مجلس النواب، انهم يمثلون المتظاهرين.

سكوت البصرة 

في الجنوب تعد شدة الاحتجاجات في الناصرية هي الاقوى منذ تظاهرات الصيف الماضي التي اشعلتها البصرة (انتهت بحرائق لاكثر من 20 مقرا حزبيل وحكوميا بالاضافة الى القنصلية الايرانية)، التي تبدو غائبة حتى الآن عن المشهد لاسباب غير معروفة. ويقول ناشطون في المدينة الجنوبية لـ(المدى) ان جمهور البصرة وصل الى حالة من اليأس بعد التظاهرات الاخيرة، و"بدأ يفكر بطريقة اخرى". وتستحوذ فكرة اعلان اقليم ــ استنادا للناشطين ــ او اعلان دولة كما يطرحه اكثر المتحمسين في المدينة الغنية بالنفط، على الجزء الاكبر من قناعات السكان هناك، وهي قناعة ربما لم يصلها جمهور المدن الاخرى. وكان مجلس المحافظة والمؤيدين لفكرة الاقليم هددوا بداية الصيف الماضي، بالذهاب الى بغداد ومقاضاة المسؤولين او "اسقاط الحكومة" في حال استمرار العاصمة بتجاهل مطالبهم باعلان الفيدرالية الجنوبية، وهو امر لم يتحقق حتى الآن.

رصاص في الديوانية 

اما محافظات الوسط، فمازال التوتر يخيم على مدينة الديوانية في اليوم السادس للتظاهرات. ويعتقد عباس الزاملي، النائب عن المحافظة، ان الاحتجاجات ستستمر "لحين تلبية مطالب المتظاهرين التي حددت بـ3 ملفات كبيرة". وسقط في تظاهرة مساء السبت قتيل واحد من المتظاهرين من مواليد 1991، برصاص مجهول بحسب ما قاله الزاملي. واضاف النائب في حديث لـ(المدى) أمس ان "عدد الشهداء في المحافظة وصل حتى الآن الى 6 شهداء، بينهم عنصر امني واحد، واكثر من 100 جريح من الطرفين".

واكد الزاملي وهو نائب عن تحالف الفتح، بانه على تواصل مع القوات الامنية في المحافظة، والتي اكدت له انها "لا تعلم حتى الآن من الجهات التي تطلق الرصاص على المتظاهرين والقوات الامنية"، مشيرا الى ان اغلب القتلى اصيبوا برصاص في منطقتي الصدر والرأس.

وفرض في المدينة حظر تجوال بدأ من بعد ظهر السبت واعيد رفعه امس في الساعة السادسة صباحاً، ولم تتعرض الديوانية الى اضرار مادية سوى ماحصل في اول يوم من التظاهرة عندما احرق بعض المحتجين مبنى القائممقامية والبلدية في منطقة الحمزة الشرقي.

ويقول عباس الزاملي ان مجلس المحافظة كان قد اثار غضب سكان الديوانية بسبب اقالة وتنصيب اكثر من محافظ باقل من شهر، ووجود انباء عن "شراء ذمم داخل المجلس وبيع للمناصب".

واضاف النائب ان المتظاهرين في الديوانية وعموم البلاد لن يتوقفوا الا اذا تم "حل مجلس المحافظات، وتوفير رواتب لاكثر من مليون عائلة وايجاد فرص عمل للشباب واعادة المفسوخة عقودهم من المنتسبين".

الزوار بمواقع المحتجين 

وفي النجف، لم يتسن لـ(المدى) الحصول على ارقام عن حجم الاصابات والقتلى الذين سقطوا في التظاهرات سواء من المحتجين او القوات الامنية، لكن رئيس كتلة الاحرار في المحافظة التابعة للتيار الصدري، اشار الى ان السلطات في النجف "أجهضت سيناريوهات خطيرة للاعتداء على مؤسسات حيوية".

وقال رئيس الكتلة رزاق شريف في اتصال هاتفي امس مع (المدى) ان "بعض المندسين بين المحتجين كانوا يسعون الى مهاجمة المصارف في النجف، كما عثر مع بعض المعتقلين منهم على ادوات خاصة للكسر وزجاجات حارقة".

وتواجه السلطات في النجف حرجا كبيرا بسبب توقيت اندلاع التظاهرات لقربها من زيارة أربعينية الامام الحسين، التي تعد المدينة احدى البوابات الرئيسة لمرور الزوار الى كربلاء. ويقول شريف لذلك تم التفاهم بواسطة بعض شيوخ العشائر على "تأجيل التظاهرات الى مابعد الزيارة" التي يحين موعدها بعد نحو اسبوعين.

ويؤكد المسؤول المحلي الى اغلب الساحات التي حددت للمتظاهرين في النجف قد ملئت الآن بالزائرين وبالمواكب.