الشاعرة نجاة عبدالله.. الجسد المبلل باليباس

Monday 7th of October 2019 08:30:50 PM ,
العدد : 4523
الصفحة : عام ,

ناجح المعموري

تواجهنا قصيدة ( كلام ) للشاعرة نجاة عبد الله بالهدوء الكامن فيها والظاهر أيضاً ، وهي موزعة بين الأنين ، صوت وكلمات ،

لسان ومدونات ، هما معاً صاغا الكلام الذي تحول إلى عقبة للنصوص الإيقونية الشفافة والتي تمركزت حول وحدة حياتية مألوفة وبسيطة هي وحدة الخيبات والفشل ، الانكسار والانحدار ، وهذا ملمح بارز في هذه القصيدة . وتفضي إيقونات نجاة عبد الله إلى سطوة الذكورة وهيمنتها على الأنوثة ، حتى الورقة التي دونت عليها هي ملكية النادل ، وهي لا تملك إلا التدوين ، واعتقد بأنها ستسجل هذيان النادل وكلامات منتصف الليل ، إنها محنة الأنثى الوحيدة ، التي لم تجد في الحياة إلا النادل والورقة التي رماها ، وحتماً هي مدون عليها ما اعتاد عليه النادل . وأي مساحة ستجدها فارغة / بيضاء حتى تخط عليها علامة أو كلاماً :

أكتب على ورقة نائمة 

رماها النادل

بعد أن ثملت من بقايا الكلام 

أحبك

وانتهى على شفتي البكاء 

ورقة النادل المرمية قريباًً منها أو بعيداً عنها هي التي مكنتها من التدوين ولم تختلف عن غيرها في المدونات المستجدية للذكورة . كما قال عبد الله الغذامي بأن المرأة ورقة من أوراق الذكورة ، يكتب عليها وهو الوحيد الذي يقرأها ، أو كتبت هي عليها ، سيكون هو الوحيد أو الأول الذي قرأها وعرف كل شيء فيها . في هذه الإيقونية مع غيرها سطوة الكلام والكتابة ، والأنثى ضحية هذه الثنائية . لا تملك الأنثى ألا الاعتراف / أو البوح وتتبدّى عبر الأنين ، لأنها ضعيفة أمام الذكورة وخطابها البطرياركي. ففي اللحظة التي ثملت فيه الورقة والأنثى كتبت له : أحبــــــــــــــــــــك/ وانتهى علـــــــــى/ شفتي البكـــــــــاء

حصل الانحراف بالمعروف والتقليدي ، حيث الكلام دائماً يطلقه اللسان وتسربه الشفتين ، ولأن الإيقونات الشعرية في هذه القصيدة ، كلام ، وكتبة ، فإن الشاعرة انحرفت بالمقطع من أجل أن يحوز شعريته ، فكان البكاء هو المنتهي على شفتي الأنثى . والخيط الزمني / الداخلي غير المعلن عنه بوضوح ، مثلما أنطوى على عتبة أخيرة اتسمت بالهدوء والسكينة ، وبقايا الكلام ، حركة زمنية كامنة فيه لقد انتهى السرد وظل منه القيل جداً ، وحتماً لهذا السرد زمن خاص به كذلك الانتهاء الشاخص مدّونة على ورقة النادل ، هو دال على النهاية / التعطل ، التوقف وعلى كل ما هو كاشف عن اختراق وعزلة وهذا يومئ له المقاطع الإيقونية المكونة لقصيدة كلام، ويبدو بأن الشاعرة أكثر وعياً لتكررات / الكلام أو المدوّنة في المقاطع الإيقونية ، لذا اختارت الكلام عتبة لها ، وأجد هذه العتبة جزءاً حياً من النصوص الداخلية وتفضي نحو الداخل وتكشف بشفافية عن المعنى السري في الإيقونات وانتهى على / يذوب على رأسك الكلام / هنا تنتهي الحياة / خرجت منه الآن / المترهلة بالمنفى / واقتلع الكلمات / اقتلع يوماً / هذه المستلات كافية لتأشير وحدة الانتهاء والانطفاء والشاعرة وسط كل هواجسها وأحزانها ، ماضية نحو خيبات جديدة ، ومتراكمة والخسارات معلنة ومدونة بالكلام أو الكتابة . وثريا النص عانية ما تريده الشاعرة وبما له علاقة بالكي الأول الذي تسيدت به شهرزاد وبرعت حكياً وقصاً عن الألم والحزن الأنثوي ، الأنثى التي لم تجد في النهاية إلا الحزن والفقدان . وهذه الإيقونات محكومة في بعض منها بما يحتاجه الحكي من ناظم داخلي له ، وإذا قرأنا هذه الإيقونات قراءة فاطنة للسرد / الحكي فيها ، سنجدها متبدّية هن هذا الناظم ، لأن السرديات الظاهرة فيها وعليها ، لا بد وأن تكون حافظة للخط السببي وإن لم يكن متوالداً ، ويكفي أن تكون الحكاية قلباً للإيقونية ، كما إن هذا النوع من الكتابة الشعرية دائماً ما يتوفر على السرد المركز جداً ونهاية لا تغلق منافذ مفارقته وهذا أكثر وضوحاً في هذا النص : ىأنا أصلي لأجل أن / يذوب على رأسك الكلام/ أيها المشغــــول/ بأغنية للجارة الصينية / فعلى شباكي/ ما يستحق المطر .

الصلاة طقس الأنثى المتوسلة بالمقدس من أجل إنقاذ الآخر وتخليصه من الحكي المتراكم في ذاكرته والذي جعله نائياً ، ويفضي هذا المقطع نحو مبالغة عن سوء وتردي العلاقة مع الآخر ، وهي علاقة متوترة ، وصمت الأنثى متوسل بوضوح تام ، لأنها – الأنثى – تدعوه مرة أخرى للتجاور معها ومغادرة أنثى أنشغل بها ، وهي أنثى صينية ، والاعتراف صريح بالايروتيكا والطاقة الكامنة في جسدها . وكأنها تذكره بذلك موظفة الرمز – الشباك – للإعلان عن استعدادها للتجديد ، الاتصال الجسدي معه ، وتحفزه صراحة بأن شباكها عليه ما يستحق المطر ، وهو رمز آخر أكثر شيوعاً وتداولاً ، إنه ماء السماء / الإله آنو أكبر الآلهة في العراق القديم وبه كثيراً ما تم تخصيب الأرض . رمز المطر من أكثر الرموز معرفة وأكثرها غوراً في الذاكرة ، مثلما يتم التعامل معه باعتباره واحداً من العناصر الأزلية في الحياة ، وكان وسيظل رمزاً بدئياً ومتعدداً بالدلائل والمعنى ،وهذا المقطع هو أكثر النصوص الإيقونية اعترافاً ، تحرك الفحل وجد الأنثى ميسورة وليس حلماً ، ومثلما قال الأستاذ عبد الله الغذامي بأن الرجل هو الذي يكتب ويقرأ ويفسر ، أي هو الذي أخضع النص للمعنى الذي أراده ، واكتفت الأنثى بوسيلة واحدة لحماية بنات نوعها من بطش الذكورية واستعباداتها . لذا تمكنت شهرزاد في الليالي من إنقاذ نفسها وبنات نوعها من القتل صباح اليوم الثاني ، بعد أن تختبر شهريار فحولته في ممارسة الجنس مع شهرزاد وهذه الثنائية الذكر / الأنثى ، شهريار / شهرزاد هي التي أخضعت العلاقة للتجربة والاختبار ، ليس الفالوس هو المعيار للطاقة الذكورية وليس الفرج هو ثورة استدعاء الرجل ، بل هو المشترك الإنساني الموجود في كل واحد من الاثنين وفيهما معاً كمشترك غير محسوس أو مدرك ، لكن لحظة المطاردة أو الملاحقة بالدم هي التي أيقظت المخفي فيهما وأعلنا عن إمكان مشترك بين الاثنين . كما قال الأستاذ الغذامي قبلت المرأة لغة الرجل فيها وارتضت أن تكون صفحة في سجل الثقافة تحمل هذه اللغة معها وتنقلها وتقدمها للآخرين بحيث صار الجسد المؤنث مادة للقراءات الثقافية بعد أن جرى تحميله تحميلاً بلاغياً ولغوياً مكثفاً من جهة ومتوتراً من جهة أخرى ، مما ضمن لهذه الثقافة القبول والاستحسان من الرجل صانع تلك الثقافة ومن المرأة بوصفها جسداً أو صفحة بيضاء تعيد تمثيل هذه اللغة في كل مرة بوصفها الجسد لمناسبة قراءته وتفسيره وفك شفراته . بالمأساة التي التمّت حولها شكوى واتسعت المحنة والخيبة في سرديات سريعة وشفافة . وبسيطة ومن يقرأ الإيقونات سيجد بأنها في منتهى البساطة والشفافية ، لكن الشعرية تبرق فيها وتحتشد أيضاً

فيها أسطورة 

وهي أناشيد 

الأنثى 

التي ظلت 

على فارسها 

منذ اللحظة 

الأولى 

لا يمكن أن 

أتأوه على الشجرة 

التي

تموت على مهل الآن

وأنا أنتزع عنها الأزهار جميعاً 

وأكتب على مؤخرتها 

هنا تنتهي الحياة

هل هي شجرة آدم / المذكورة

أم هي شجرة حواء

لكل منهما شجرته لكن

شجرة الأزهار هي شجرة

الأنثى والزهور باقيات 

العالم المرسوم بالدم واليأس

الأنثى حياة . وجسدها يتنوع ، مفتوح للكتابة عليه ، وهي بحاجة لذلك هذا ما قالت إيقونات نجاة علي . لكن الفجيعة حاضرة ، ماثلة في كل لحظة . فالشاعرة التي كتبت دعوتها للآخر ، كي يأتيها معلى شباكها ما يستحق المطر . هي ذاتها التي قالت عن الموت والفجيعة ، وربما ارتباطا معها بالشجرة التي تموت ببطء شديد . الشجرة حياة ما زالت حية ، والأنثى حياة ، كلاهما يشير للآخر . لكن الشجرة مثيرة للأسى لأنها ماضية نحو لحظتها الأخيرة ، وربما هي شيخوختها ، التي ظلت أمينة على إنتاج زهرها . ( تموت على مهل الآن ) وتمارس الأنثى دوراً ، هو الذي بقيّ لها وهي تراقب الغياب ، أن تلتقط معطياتها وتكتب على مؤخرة الشجرة ، هنا تنتهي الحياة . 

حازت الأنثى دوراً كان للأم الأولى الحقيقية والرمزية التي كانت الشجرة . تحولت الأنثى في نص نجاة عبد الله إلى شجرة ، بعدما كانت في الثقافة العربية الذكورية ورقة بيضاء كما قال د . عبد الله الغذامي ، والرجل وحده يكتب عليها ويقرأ ويفسر أيضاً . ويثير هذا النص إشكالية في دلالته المتشكلة في نهاية النص التي تمثل امتدادا لموت الشجرة على مهل ، وموتها محكوم بزمن الحاضر ، الآن والتحيين في النص يجعل منه باستمرار حاضراً ومحكوماً باللحظة ، أي إن النص باق ٍ بكشوفاته عن موت الشجرة / المرأة ، موت فسلجي ومعنوي وفي ذلك تبدّيات من الواقع الذي نعيش . الإشكال الخاص بالدلالة متأت من : واكتب على مؤخرتها/ هنا تنتهي الحيــــــاة

كيف استطاعت الشاعرة نجاة عبد الله تحديد الجهة التي فيها مؤخرة الشجرة المؤخرة المتغيرة بتغير حركة الإنسان واتخاذه المكان الذي سيقف عليه وينظر للشجرة ، حيث ستكون مؤخرتها ، وستتغير عند الحركة إلى مكان آخر ، بمعنى إن المؤخرة موجودة في أربع جهات والمربع أو التربيع شكل هندسي أنطوى على قداسة مبكرة وهو رمز دال على المكان مثلما كانت وظلت الدائرة رمزاً للزمن . ويتداخل المقدس بين الاثنين والشجرة . واعتقد بأن الشجرة رمز دال على الاثنين في النص وهي ضمير الصوت ، المعبر عن إحساس نفسي بالاندثار والتآكل ، لكن الأنثى لا تستطيع التكتم على ذلك ، بل صار بوحاً واعترافاً عن الكامن الداخلي في أعماق الأنثى المحبطة تماماً ، وهذا متبدّ عبر / أتأوه / وهي مفردة دالة على الخزن ومعرفة نتائج ما سيكون ، ومع كل الدلائل التي يكشف عنها هذا النص ، ظلت الأنثى مرتبطة بالحياة ومحاولة الإعلان عن روح طرية ، تواقة للاقتران مع ما تنتجه الحياة أو ينبعث عنها ، هي حالمة بالخصب الذي لم يتحقق لها إلا في لحظة اقتراب موت الشجرة التي تعلق بأغصانها ما هو منبعث منها ، الزهور التي انتزعتها .