تشيخوف في النقد الأدبي الروسي قبل الثورة

Saturday 12th of October 2019 06:59:21 PM ,
العدد : 4526
الصفحة : عام ,

د. ضياء نافع

 

تشيخوف في النقد الادبي الروسي قبل ثورة اكتوبر 1917 - مصطلح سوفيتي بحت كان سائدا في ستينيات القرن العشرين , عندما كنت طالبا آنذاك في القسم الروسي لكلية الفيلولوجيا ( اللغات وآدابها ) بجامعة موسكو .

وكانت هناك خلاصة عامة مستقرّة حول هذا المصطلح تقول , ان كل هؤلاء النقاد قبل الثورة لم يفهموا بشكل صحيح ومتكامل خصائص الاديب الكبير تشيخوف وابداعه , وان هذا الفهم العلمي والحقيقي لنتاجاته على اسس فكرية ماركسية حدث فقط بعد ثورة اكتوبر1917. لم نسمع باسماء النقاد والباحثين هؤلاء, و لم نطلع على كتاباتهم حول تشيخوف , وانما كنّا , نحن الطلبة , نكرر ما يقول الاساتذة لنا حول ذلك ليس الا . 

اثناء الدراسات العليا في جامعة باريس شعرت بضرورة الاطلاع على هذا النقد الادبي بشكل موضوعي معمق , اذ ان التحدث عن ذلك الرأي السوفيتي حول النقد الادبي عن تشيخوف في مرحلة باكملها دون الاطلاع المتكامل عليه هو موقف غير علمي بتاتا, ولكني اصطدمت بعدم وجود المصادر الاساسية له في المكتبات الفرنسية , اذ ان معظم هؤلاء النقاد كانوا ينشرون كتاباتهم في مجلات روسية نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين , وهي محفوظة في المكتبات الروسية فقط بالاساس . وهكذا كنت انتظر العطلة الصيفية , واسافر الى موسكو ( من اواسط حزيران الى اواسط ايلول ) للاطلاع على تلك المصادر في مكتبة لينين بالاساس , وبعد الاطلاع على تلك المصادر اصبح لديّ – بشكل عام ليس الا - تصوّر متكامل على معالم ذلك النقد الغني فعلا بافكار متنوعة عن تشيخوف , وأذكر من بينها دراسة ليف شيستوف المشهورة بعنوان – ( ابداع من لاشئ ) ( انظر مقالتنا بعنوان – تشيخوف والفيلسوف شيستوف ) .

اصطدمت خططي العلمية هذه بصعوبة الحصول على سمة الدخول ( الفيزا) الى الاتحاد السوفيتي وانا طالب الدراسات العليا في باريس , وكذلك السكن في موسكو نفسها , اذ كان كل ذلك يخضع لروتين سوفيتي محدد حسب قوانين صارمة جدا , وقد قررت ( حلّا لكل هذه الصعوبات ) ان احاول الالتحاق بقسم الدراسات العليا بجامعة موسكو ( عن بعد) , او ما يسمى في العراق ( الدراسة بالمراسلة ) . وهكذا ارسلت وثائقي من باريس بالبريد المسجّل الى جامعة موسكو , ومضت فترة ليست بالقصيرة ( كدت انسى الموضوع برمته ) , وفجأة استلمت رسالة بالبريد المسجّل ايضا من جامعة موسكو يعلمونني فيها بالموافقة على قبولي بالدراسة العليا عن بعد , وكان هذا يعني بالنسبة لي الحصول على الفيزا السوفيتية والسكن الرسمي في القسم الداخلي بجامعة موسكو طوال أشهر الصيف , وهذا ما تمّ فعلا . طلبت مني الجامعة ان احدد موضوع الاطروحة وموافقة المشرف العلمي كخطوة اولى لهذه الدراسة , وحددت لي موعدا مع البروفيسور كوليشوف رئيس قسم ( تاريخ الادب الروسي في القرن التاسع عشر) من اجل ذلك. قابلت البروفيسور كوليشوف طبعا , وقال لي انه يتذكرني بالشكل ولكن لا يعرف اسمي , وحدثني عن انطباعاته الجيدة حول جميل نصيف التكريتي وجليل كمال الدين , ثم سألني عن الكاتب الروسي الذي اود كتابة اطروحتي عنه , فقلت له – تشيخوف , فقال لي رأسا – ( لا تقترح تشيخوف في العراق , فانا لا اوافق بتاتا على مثل هذه المواضيع , ليس لانها غير علمية , ولكن مكانها ليس هنا في قسمنا , اذ ان المشرف العلمي يجب ان يعرف اللغة العربية ايضا , وهذا اختصاص آخر لا يتوفر في قسمنا ) , فقلت له , انني اقترح موضوعا آخر وهو – ( تشيخوف في النقد الادبي الروسي ما قبل الثورة ). اندهش البروفيسور كوليشوف بشكل واضح جدا وسألني اذا كنت اعرف ولو اوليات هذا الموضوع , فحكيت له قصتي , وانني اكتب اطروحة في جامعة باريس وكيف بدأت بالاطلاع على الموضوع , فطلب منّي ان احدثه بتفصيل اكثر عن ذلك , وبعد ان استمع بانتباه الى كلامي , قال لي رأسا , انه موافق على ذلك , ولكن هذا الموضوع (الحسّاس!) يتطلب موافقة مجلس القسم , ودعاني لحضور جلسة المجلس , وقد حضرت طبعا وشاهدت النقاش الحاد حول موضوع الاطروحة تلك , وكيف دافع كوليشوف بحرارة عن تلك الفكرة ضد هؤلاء الذين عارضوها وهو يقول – آن الاوان ان ندرس هذا النقد عن تشيخوف بتفصيل وموضوعية , وقد تمّت الموافقة على الموضوع بصعوبة وبعد التصويت .

رجعت في السنة التالية الى جامعة موسكو واضطررت ان اؤدي امتحانين , الاول في اللغة الروسية المعاصرة والثاني في تاريخ الادب الروسي في القرن التاسع عشر , والتقيت عدة مرات بالمشرف العلمي وهو البروفيسور ألباتوف , ولكني عدت الى العراق بعد انهاء دراستي في باريس , وكتبت لجامعة موسكو اعتذارا حول عدم امكانية اكمال الدراسة نتيجة لظروف عملي في العراق , وقد أخبرتني السيدة ناديجدا اوكتابرسكايا مسؤولة الاجانب في الكلية بعد عدة سنوات اثناء لقاء معها , انهم تأسفوا لعدم اكمالي تلك الدراسة , خصوصا وانني قطعت مرحلة مهمة في مسيرة متطلباتها ( هكذا قالت لي ) , فاعتذرت مرة اخرى .

تشيخوف في النقد الادبي قبل الثورة يعدّ الان موضوعا طبيعيا في روسيا الاتحادية , وغالبا ما يستشهدون بافكار وملاحظات وردت في تلك المصادر , اما بالنسبة لي فهو موضوع اطروحة لم تتحقق ..