موسيقى الأحد: قصة تنويعات غولدبرغ

Saturday 12th of October 2019 07:02:49 PM ,
العدد : 4526
الصفحة : عام ,

ثائر صالح

تنويعات غولدبرغ (فهرست أعمال باخ رقم 988) واحدة أعمال باخ الشهيرة، نشرت سنة 1741 في مدينة نورنبرغ.

وهو عمل يتألف من آريا بنيت عليها 30 تنويعة (الآريا هي الأغنية في الأعمال الغنائية، هنا آريا للهاربسيكورد). وقد اشتهرت قصة مفادها أن الكونت كايسرلنغ السفير الروسي المبتعث الى بلاط ولاية ساكسونيا كان يعاني من الأرق فطلب من باخ تأليف عملٍ يهدؤه ويسرّه في نفس الوقت يستمع اليه في ساعات أرقه، ودفع له مائة قطعة ذهبية. 

كتب هذه القصة كاتب سيرة باخ المدعو يوهان نيكولاوس فوركل سنة 1802، أي بعد وفاة باخ بنصف قرن. ويشكك الكثير من المؤرخين في صحة القصة، فالتنويعات طبعت دون أي إهداء. وكان عمر العازف الماهر الذي أُطلق اسمه على التنويعات، واسمه يوهان غوتليب غولدبرغ (1727 – 1756) لا يزيد عن الرابعة عشرة زمن طباعة العمل. وكان غولدبرغ طفلاً بارعاً في العزف على الهاربسيكورد مما أثار انتباه الكونت فاهتم به. ويعتقد الباحثون أنه لربما كان قد درس الموسيقى عند باخ وهو صبي في 1737، وعند ابنه فيلهلم فريدَمان لاحقاً بحدود 1745.

القصة الأكثر إثارة هي قصة نسخ المدونة المطبوعة، فقد بقي منها 19 نسخة فقط. واحدة منها كانت موجودة في مدينة ستراسبورغ في فرنسا اكتشفها باحث فرنسي سنة 1974 وكانت تحمل تصحيحات بخط المؤلف نفسه، فهي إذن نسخة باخ الشخصية. والمثير في الأمر أن باخ كتب كذلك على الورقة البيضاء الأخيرة بخطه 14 كانوناً غير معروفة سابقا (سوى جزء صغير منها)، أعطيت لاحقاً الرقم 1087 في فهرست أعمال باخ. والكانون كلمة يونانية تعني نظام أو قانون، أخذها العرب بصيغة القانون، وهو أسلوب تأليفي قديم تعود جذوره للعصر البيزنطي يتبع فيه الخط الرئيسي خط ثانوي يقلد اللحن الرئيسي وفق قواعد معينة، لذا يسمى الخطان بالقائد والتابع. والمتتابعات الثلاثون وكذلك القوانين الأربعة عشر استندت الى خط القرار في الآريا، فهي ليست تنويعات على اللحن بل على الخط المصاحب للحن الآريا، على وجه التحديد نغماته الثمان الأولى فحسب.

كتب باخ القوانين بشكل مكثف لدرجة لا تعقل. فهو يكتب الخط اللحني، ويضع التعليمات لطريقة العزف على الخط اللحني باللاتينية والألمانية، مثل عدد الأصوات، وطريقة استنباط الخطوط التابعة اللحن القائد وغيرها من الارشادات المكثفة. من طرق الاستنباط عكس الخط اللحني (السير به من الخلف الى الأمام، وهو أبسط طرق الاستنباط)، أو قلبه (كما لو نراه في المرآة)، وتغيير زمن بداية التابع، وتتعقد الصورة أكثر بتغيير إيقاع التوابع الخ. القانون اذن هو لعبة معقدة يلعبها المؤلف بخط لحني واحد يضاعفه بمختلف الطرق بشكل ميكانيكي دون تغيير.

أحد هذه القوانين (رقم 13) هو نفس القانون المكتوب على الوريقة التي يمسك بها باخ في البورتريه الشهير الذي رسمه هاوسمان وكتب عليه "قانون ثلاثي لستة أصوات"، فالخطوط اللحنية الثلاثة تصبح ستة، ثلاثة يراها باخ وثلاثة أخرى يراها المشاهد الذي يقف في مقابل الوريقة، فيرى الورقة مقلوبة نسبة لما يراه باخ، وهذا أحد أشكال الاستنباط المذكورة سابقاً.