رسالة إلى رئيس الجمهورية

Sunday 20th of October 2019 06:36:38 PM ,
العدد : 4529
الصفحة : آراء وأفكار ,

القاضي سالم روضان الموسوي

قانون الانتخابات والاستفتاء الشعبي

السيد رئيس الجمهورية المحترم إنك رئيس الدولة واعتبرك الدستور رمز وحدة الوطن ومكلف بالسهر على ضمان الالتزام بالدستور والمحافظة على استقلال العراق، وسيادته، ووحدته، وسلامة أراضيه،

وفقاً لأحكام الدستور وهذا ما نصت عليه المادة (67) من الدستور كما إنك وعند توليك المنصب أقسمت بالله العلي العظيم بأن تسهر على سلامة نظام العراق الديمقراطي الاتحادي، وعلى وفق القسم الوارد في المادة (50) بدلالة المادة (71) من الدستور، وهذه المهمة الجسيمة لابد من تحمل عناء الالتزام بتنفيذها لأنك تحت القسم وذلك عبر الآليات الدستورية والقانونية، ومنها أن يكون الالتزام بالدستور هو الهاجس الأول والأخير والهدف الأسمى، لأن من أهم المبادئ الدستورية التي وردت في الدستور النافذ أن يكون النظام السياسي في العراق جمهوري نيابي ديمقراطي، على وفق ما جاء في ديباجة الدستور والمادة (1) منه، وحيث إن مجلس النواب هو حجر الزاوية في تشكيل وتكوين الدولة لأن من عباءته يخرج رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والحكومة وسائر المناصب المفصلية في الدولة وتحت كنفه تكون الرقابة والمحاسبة، لذلك فإن الدستور الذي حظي بقبول الشعب عند الاستفتاء عليه قد أكد على أن مجلس النواب يتكون من أعضاء يمثلون الشعب العراقي وهذا ما نصت عليه الفقرة (أولا) من المادة (49) من الدستور، وهذا المجلس النيابي ينتخب من قبل الشعب بالاقتراع السري المباشر، ومنح الدستور الصلاحية إلى مجلس النواب لإصدار قانون ينظم العملية الانتخابية بكل مفاصلها وجزئياتها بما فيها آلية الترشح والانتخاب، وفعلا ًأصدر مجلس النواب قانون انتخابات مجلس النواب رقم 45 لسنة 2013 المعدل، لكن ما جرى كان على خلاف غاية الدستور وهدفه إذ أنتج هذا القانون بعد تعديله وقبل ذلك، مجلس نواب ما زال محل جدل كبير لأنه كان يمثل الكتل والأحزاب ولا يمثل عموم الشارع العراقي، وقد ظهر ذلك جلياً في انتخابات عام 2018 ولاحظنا العزوف الكبير للعراقيين والامتناع عن التصويت والمشاركة فيها وكانت نسبة الممتنعين أكبر بكثير من المصوتين، فضلاً عن التعقيدات التي رافقت تلك العملية الانتخابية وشبهات التزوير التي طالتها، وهذا القانون قد أتى بآليات للتصويت والاحتساب معقدة وغير واقعية وإنها تمثل المصالح الضيقة لبعض الفئات المهيمنة على المشهد في العراق، والدليل على ذلك مرور أكثر من دورة انتخابية ولم تتغير مراكز القوى في الحياة السياسية أو البرلمانية، وإن عدداً محدوداً هو من يتحكم بأمور البلد وان دور النواب يكون تابعاً أو مكملاً لرؤية هذه الدائرة الضيقة، وعندما تحصل بعض الشخصيات المستقلة على مقعد فإنها تنضوي تحت لواء كتلة أو جهة سياسية معينة، وإن وصلت إلى موقع المسؤولية فإنها غير قادرة على التصدي لمشاريع الفساد القائمة، لأنها منفردة ولا تشكل أغلبية برلمانية تعينها على إصلاح الأمور أو تطبيق رؤيتها الإصلاحية، وهذا الحال أدى إلى نتائج كارثية تسببت في إراقة دماء العراقيين الذين أقر لهم الدستور بالحق في الحياة والأمن والرفاهية والحياة الحرة الكريمة، لذلك فإن مطلب الجماهير أصبح ينحصر في تعديل قانون الانتخابات الحالي ومنهم من ارتفع منسوب مطالبه إلى تعديل الدستور وتغيير شكل النظام السياسي القائم وأنا على يقين بأن ذلك كان محل ملاحظتكم ومتابعتكم المتواصلة للمشهد السياسي، والسبب الرئيس يكمن في قانون الانتخابات النافذ، لذلك نحن بحاجة إلى قانون جديد يضمن وصول الممثل الحقيقي للشعب وهو الفائز الذي يحظى بأعلى الأصوات وليس من يدخل في حيز القائمة المغلقة كلياً أو نسبياً لأن ذلك الأسلوب القائم على وفق قاعدة سانت ليغو أو غيرها أدت بنا إلى ما نحن عليه الآن من أزمات تتوالد بعضها من بعض، ومما تقدم وحيث إنكم تملكون صلاحية تقديم مشاريع القوانين وعلى وفق أحكام الفقرة (أولاً) من المادة (60) من الدستور أطلب من جنابكم الموقر الآتي :

تقديم مشروع قانون إلى مجلس النواب يكون بديلاً عن قانون الانتخابات النافذ، ويضمن التمثيل الحقيقي للشعب في مجلس النواب ، وذلك بجعل التصويت والترشح يكون عبر القوائم المفتوحة كلياً وليس القوائم المفتوحة نسبياً لأنها تغيير في المسمى والبقاء على المضمون، والابتعاد عن الاجتهاد في البحث عن آليات عملت بها بعض البلدان مثل سانت ليغو وغيرها وغادرتها منذ زمن لأنها لم تحقق غاية التمثيل الحقيقي للشعب، والعمل على إيجاد آليات تضمن أن يكون فائزاً في الانتخابات من يحصل على أكبر عدد من الأصوات وليس القائمة التي تحصل على أكبر عدد من الأصوات والابتعاد عن مفهوم العتبة الانتخابية لأنها وجدت لإبعاد القوائم ومن ثم سحب أصوات من صوّت لها إلى القوائم الأكبر على خلاف إرادة الناخب ووصول من ينضوي إليها إلى عضوية المجلس دون الالتفات إلى عدد الأصوات التي حصل عليها.

عدم الإلتفات إلى الأصوات التي تضع العراقيل بوجه هذا التوجه لأن هناك من يتعلل بأن ذلك سيؤدي إلى صعوبة تشكيل الحكومة ومعرفة من هي الكتلة الأكبر فإن كلامهم مردود عليهم لأن الدستور في المادة (76) لم يعتد بالقوائم الانتخابية الفائزة، وإنما بالكتلة النيابية التي تتشكل بعد أداء أعضاء مجلس النواب اليمين الدستورية وهذا ما أكدته المحكمة الاتحادية العليا في قرارها التفسيري العدد 25/اتحادية/2010 في 25/3/2010 ولاحظنا كيف اجتمع الفرقاء في ائتلافات واصطفافات لتشكيل الكتلة الأكبر على الرغم من التقاطع في الاتجاه والرؤية من أجل الظفر بمنصب رئاسة الوزراء وتشكيل الحكومة ومن ثم تقاسم المنافع والمواقع.

لضمان الحصول على التأييد الشعبي لمشروع القانون الذي ستقدمونه بعد صياغته أطلب عرضه على الاستفتاء الشعبي فإذا ما حصل على أغلبية الأصوات يرسل إلى مجلس النواب بمعية نتيجة الاستفتاء، لأن ضغط الشعب هو الوسيلة الأنسب لتمرير القانون ويقطع الحجة على من يعارضه تحت ذريعة أن مجلس النواب هو الممثل عن الشعب، فضلاً عن كون قانون الانتخابات يعد من القوانين التي تدخل في مفهوم الكتلة الدستورية، وفي عدة بلدان جعلت من شروط نفاذ قانون الانتخابات شرط الاستفتاء عليه من الشعب، وإن رئيس الجمهورية يملك كامل الصلاحية بالطلب من مفوضية الانتخابات لإجراء الاستفتاء على القانون لأنها مكلفة بتنظيم عمليات الاستفتاء بحكم المادة (1) من قانونها المرقم 11 لسنة 2007 المعدل.

كما اطلب تقييم نتائج العمل بالدستور خلال فترة تطبيقه منذ عام 2005 ولغاية الآن ومعرفة الفراغات الدستورية فيه، ومدى الحاجة إلى تعديل بعض المواد التي أصبحت تمثل المشكلة وليس الحل لأزمات البلد المتوالية، ونحن على ثقة كبيرة بان الكادر الاستشاري في رئاسة الجمهورية لديه الخبرة العالية والكفاية العلمية و المهنية في مجال القانون الدستوري ومنهم أستاذ القانون الدستوري مستشاركم القانوني الدكتور (علي الشكري) ذو المقدرة العلمية في القانون الدستوري وفي مجال العمل النيابي وكذلك ممارسته الجانب المهم في السلطة التنفيذية حينما كان وزيراً للتخطيط، مع واجبكم بحكم مسؤوليتكم تجاه القسم الذي أديتموه أمام الله وأمام الشعب بالعمل وبهمة عالية كما عهدها الشعب فيكم خلال مسيرتكم في العمل النيابي والتنفيذي على أن تبذل كل وسعك لإقناع مجلس الوزراء لاقتراح تعديل الدستور وعلى وفق ما جاء في الفقرة (أولاً) من المادة (126) من الدستور.

وفي الختام أتمنى أن تصل هذه الرسالة إلى حضرتكم وأن تحظى بالعناية والدراسة واتخاذ ما يلزم للحفاظ على دماء العراقيين أولا وأخيراً ومن ثم الحفاظ على سلامة العراق ونظامه الديمقراطي الاتحادي.