احتجاجات الشباب ترسم الملامح والخطوط الرئيسة لعراق الغد

Monday 21st of October 2019 07:58:18 PM ,
العدد : 4530
الصفحة : آراء وأفكار ,

د. أحمد عبد الرزاق شكارة

بكل ثقة وإيمان بقضيتهم الإنسانية في الجوهر والصميم إتجه الشباب العراقي لقيادة ثورة شعبية عارمة يمكننا تعريفها بإنها "ثورة شبابية عفوية حية وداينمية" تجسد مرحلة مفصلية تاريخية جديدة بدأت مابعد الأول من أكتوبر ل 2019

وتستمر معنا لمرحلة إنتقالية قد تأخذنا نحو مرحلة جيوسياسية – اقتصادية – إجتماعية نابعة من عمق المعاناة الشبابية – الشعبية. إن الاعلان الصريح للثورة الشبابية التي غطت بغداد وعدداً من محافظات الوسط والجنوب تمحورت حول الاهتمام بضرورة استعادة بلادهم (العراق) ممن بيده مفتاح الحل والعقد من كتل سياسية لبست لبوس الطائفية – العرقية – العشائرية وغيرها على حساب اللباس المدني الاجتماعي الاقتصادي الديمقراطي الحقيقي المعروف في أصقاع العالم . عملية ترسم لنا بشكل جلي بعض الملامح والخطوات الانتقالية نحو نظام سياسي بديل عن نظام سياسي عقيم قائم على مايعرف ب"المحاصصة الدينية – الطائفية ، القومية – العرقية – العشائرية – القبلية ، والجهوية – المناطقية وتحكم أحزاب وتكتلات دينية –سياسية " . 

إن نظاماً مثل كهذا لم ينتج للشعب العراقي بخاصة شبابنا الذين يشكلون أكثر من 40- 50% من مجموع السكان (البالغ عدده مايقارب ال40 مليون نسمة) سوى الخراب والدماروضياع أحلى وأجدى سنوات عمرهم دون عمل منتج مثمر متمثلاً بصور عدة مهمة منها : تخريج جيل من جيوش العاطلين عن العمل من الصعب استيعابهم في مرافق ومؤسسات الدولة الحكومية ولايجدون انفسهم في القطاع الخاص الذي أهمل حقيقة منذ أعوام طويلة قطاع من المفترض أن ينهض في تأسيس وتفعيل برامج التنمية الانسانية الشاملة والتي من ضمن أولويتها تشغيل العمالة . الهم الأكبر للشعب العراقي تكريس ظاهرة الفساد من قبل من هم في قلب السلطة ولا أقول ثقافة الفساد لأن للثقافة معنى إيجابياً أفتقده العراقيون من خلال بناء دولة مواطنة مدنية الجوهر تتيح فرص العمل للجميع معيارها الاساس الكفاءة وليس المحسوبية والمنسوبية . 

يضاف لذلك إفتقاد وجود دولة مؤسسات حقيقية تعنى ببناء عراق جديد قوي الشكيمة يتمتع بالهيبة و القوة بمعناها الشامل أوعلى الاقل دولة تهتم كثيراً بهموم وشؤون المواطن وقريبة من نبض قلبه وعقله دون أهمية لإرتباطها بشخوص سخروا مناصبهم ومواقعهم السياسية – الاقتصادية والاجتماعية للارتقاء بانفسهم وعوائلهم واقربائهم ومعارفهم وكل من وفر الولاء لهم على حساب الاعلاء من المصلحة الوطنية للدولة. كما فضل عدد منهم الارتباط بالخارج أيا كان من يمثل الخارج. 

أخيرا وليس أخراً إنهيار المنظومات البنائية – المؤسسية - المادية والبيئية –الاجتماعية بالتواز مع ضمور نسبي للروح المعنوية-الاخلاقية – القيمية ما أخر كثيراً السعي بإتجاه أحترام وتثبيت المضمون الرئيس لحقوق وحريات الإنسان الاساسية بل وحتى قيمة السيادة الوطنية التي هي الأخرى مفتقدة في الداخل وعلى صعيد المحيطين الاقليمي والدولي. ما يقود في النهاية إلى تردي مستوى وجودة الحياة للغالبية من السكان أمر مؤسف ولاشك ويستدعي الانتباه بقصد التصحيح وإعادة البناء الحقيقي . 

أي بمعنى من المعاني يمكن القول بأن قواعد اللعبة السياسية والاقتصادية القائمة على التحكم بالشعب العراقي ومقدراته وثرواته الضخمة من قبل التكتلات السياسية التي تلبس لبوس الاسلام استمرت تفرز لنا اوضاعاً عراقية شاذة ولايمكن تقبلها خاصة وأنها اوصلتنا لطريق محفوف بالمشكلات والازمات الطاحنة التي من الصعب وليس المستحيل او من باب الاحلام إدارتها وإيجاد حلول ناجعة لها. 

من منظور مكمل يمكن القول بكل ثقة إن تصاعد حدة الأزمات الاستثنائية والعاجلة على وجه الخصوص تقتضي اللجوء لحلول استثنائية تلبي مطالب الجماهير بسقوف زمنية لايجوز تجاوزها أي ملزمة للسلطات الثلاث التشريعية (البرلمان) – القضائية والتنفيذية ممثلة بمجلس الوزراء ورئاسة الدولة والتي يفترض أن تتعاون وتنسق جهودها لخدمة شعبها بكل تواضع ومهنية وإحترام لكل قطرة دم سقطت أوستسقط لاسامح الله مستقبلاً. من هنا إذن ، من أول الأمور التي يمكن اعتبارها من الأولويات الحرجة التي يجب تلبيتها سريعاً تلك المتمثلة في محاسبة كل من تسبب في مقتل وجرح الالاف من المتظاهرين المسالمين ما يستدعي إعمال التحقق القانوني الشامل الموضوعي والسريع عن كافة مجريات الأمور التي وصلت لحدود غير مقبولة بل ومآساوية إنسانيا من أجل وضع الأمور في نصابها القانوني – الدستوري الصحيح بصورة تفرز لنا من هو المحتج أو المتظاهر السلمي والآخر "غير السلمي" أو "الاجرامي" الذي لايرينا حتى شكله "ملثم" . إنطلاقاً من ذلك لابد من وضع خطوط حمر بعدم الاعتداء على المتظاهرين الذين في غالبيتهم لايمارسون العنف بل هم سلميون وبعيدين عن أية توجهات أيدولوجية تود جهات معينة تسيس أهدافهم المطلبية او تنال من حقوقهم المشروعة .وهو أمر مرفوض من المتظاهرين انفسهم الذين ضاقوا ذرعاً بتبريرات غير مقنعة من السلطات بأن الثورة الطلابية موجهة وليست أصلية وعارمة راغبة ببناء عراق حر مستقل له ثقله الوطني إقليمياً ودولياً . 

الأمر الثاني المرتبط بمكافحة الإرهاب والذي لم ينجح العراق حتى الآن في تحجيمه وتقليل آثاره ويرتبط اساساً بتنفيذ مجدول وصارم بدءأ بمحاسبة قانونية-قضائية عادلة للرؤوس الكبيرة او مايعرف ب"حيتان الفساد" كي يكونوا عبرة لمن يعتبر. الدكتور حيدر العبادي رئيس الحكومة السابق طالب من خلال أدوات التواصل الاجتماعي بتأسيس "محكمة جنائية لمحاسبة الفاسدين" يفترض أن تنهي إجراءاتها بحدود 2020. موقف مهم ولو تم تنفيذه فعلياً. الأمر الثالث وقد نوقش في جلسة المكاشفة بين بعض المتظاهرين والاستاذ محمد الحلبوسي رئيس البرلمان العراقي تضمن مسائل متعددة مترابطة مترابطة مهمة منها الضرورات العاجلة لتوفير مبالغ مالية لكل فرد أو عائلة عراقية لاتحصل على قوت يومها أو لاتعمل أو إذا عملت فهي تعمل في مناح أو مواقع بعيدة جداً عن تخصصها وتأهلها الدراسي أو العلمي مايجعلها فئات مهمشة وضعيفة قياسا إلى ضرورة أهمية استيعابها في القطاعين العام والخاص أو مايمكن تسميته بالقطاع المشترك. من هذه الفئات المحاضرون الذين عملوا لسنوات طويلة دون أجر حيث وعد رئيس البرلمان بتعينهم على مديات أشهر معدودة على ملاك وزارة التعليم العالي وهو أمر مرحب به. كما أنه ومن سياق منطلق إستدامة العدالة الاجتماعية – الاقتصادية قرر رئيس الوزراء ان توفر مبالغ مالية وقطع سكنية للعوائل ولكنها وعلى أهميتها عملية تحتاج لموافقة رئيس الوزراء للتسريع بتنفيذ إجراءاتها وفقا للمعايير الدولية للاسكان ما سيقدم 100000 وحدة سكنية متوسطة التكلفة كما اعلن رئيس البرلمان بإعتبارها بدائل حقيقية لاتكلف كثيرا خزينة الدولة . 

الأمر الرابع الذي وددت التأكيد عليه أهمية الرؤية الستراتيجية التي ترتبط بأهمية تنويع مصادر الطاقة ما سينعكس إيجابا على بلورة إقتصاد قوي بقدراته ، مقدراته وإمكاناته المتنوعة والمختلفة ما سيوفر خيارات مهمة وعوائد مستقبلية إضافية لعوائد "الوقود الاحفوري" التي هي بذاتها تقدم لخزينة الدولة الشئ الكثير نسبيا مما يقتضي عمل جهد أكبر لتوفير حصص مستدامة لكل عائلة من عوائد النفط الضخمة. إن كل خطوة على الاتجاه الصحيح تتخذها السلطات الثلاث التشريعية – التنفيذية والقضائية ستنمي منسوب الثقة المتبادلة بين الشعب والنظام السياسي وبعكسه حيث لاتقدم خدمات رئيسة وملموسة لمواطنين في مختلف مناطق ومحافظات العراق ستزول الثقة سريعا بل يخشى أنها في الطريق لذلك. حيث المظاهرات الشبابية قد اوضحت فقدان الامل بصورة جلية في أي أصلاح ذا معنى . أن العراق الغني بثرواته التي تبلغ شهريا بحدود 6 إلى 7 بلايين دولار من عوائد النفط والغاز الطبيعي (تصل سنويا إلى مايقارب 100 بليون دولار أوأكثر) لقادر على تلبية كافة إحتياجات شعبه من خلال توزيع عادل للثروات ومن خلال تضيق الفجوة الواسعة بين من يملكون واولئك الذين لايملكوا قوت يومهم بل هم في حالة فقر مدقع ولكن لديهم عزة نفس وكرامة ومصرين على خلق هوية عراقية وطنية تتمتع بقيمة عليا تحترم في أرجاء المعمورة. 

إن ماينعش العراق إقتصادياً يدرج في ضرورة الاهتمام بإبناء الطبقة الوسطى المعول عليها في بناء العراق من خلال تنمية قطاعات العراق المختلفة صناعيا "اعمالا حرة" –تجارياً - زراعياً – مجتمعياً – خدميا (سكن ، صحة ، تعليم بنى تحتية الى غير ذلك) ولكنها حالياً تعاني من إهمال واستبعاد لمشروعاتها ومبادارتها التي يمكن إن أخذ بها أن تشغل اعداداً كبيرة من العاملين ما يحسن نسبيا من مستوى جودة الحياة لقطاعات من الشباب. علما بإن جزءا أخر لازال يعد من الطاقات المعطلة ومنها نخب مثقفة – متعلمة جزء رئيس منها هم خريجي الجامعات والمعاهد الدراسية الذين يمكنهم أن ينمو البحث العلمي الذي ليس له موازنة جامعية محترمة ، بل وحتى الذين وصلوا للدرجات العليا من دبلوم ـ ماجستير ودكتوراه الذين سيسهمون حقا بقيادة البلد مستقبلا من خلال كفاءآتهم وتمكينهم منذ فترات طويلة . هذا ولعل توفر صناديق للرعاية وللتنمية الاجتماعية – الصحية خاصة للفئات المحرومة مسألة لابد منها بل عاجلة أسوة بما تقوم به دول الرفاه في الدول المتقدمة صناعياً من دول الشمال إلى مواطنيها الذين تضعهم فوق رؤوسها باعتبارهم مصادر بشرية قيمة . 

العراق دولة غنية بمواردها ولكن شعبها يعاني من شغف العيش أمر غير مقبول ولا مبرر أبداً وبالتالي بحاجة لرعاية خاصة من قبل نظام سياسي مسؤول يعتمد الحكم الرشيد الناضج الذي هدفه إحقاق العدل وإحكام القانون والقضاء على الفساد بكل قوة خاصة وإنه الوجه الآخر للإرهاب ما سيؤدي مستقبلاً إن تحقق إلى رفع مكانة العراق بين أمم الأرض . آمال نعقدها إذا ما نجحت الثورة الشبابية التي عمدت ثورته أرض العراق بدم غال من المفترض أن لا يذهب هدراً بإذن الله تعالى وبجهود المخلصين المضحين للعراق بالغالي والنفيس. وللحديث بقية