إشكالية الدين والفساد السياسي

Saturday 26th of October 2019 06:48:16 PM ,
العدد : 4533
الصفحة : آراء وأفكار ,

 د. أحمد عاجل الربيعي

لفترات طويلة، أهملت أو لنقل تجاهلت عن عمد نظريات التنمية أي ترابط ممكن بين الدين والثقافة وتحقيق أهداف التنمية.

كما أن الفساد الذي لطالما شمل العديد من الحكام والفئات الأخرى من أصحاب المناصب العامة شكل مشكلة دائمة في أي مجتمع بشري منظم سوآءً أكان منظماً ديمقراطياً أم لا. سواء أكان غنياً أم فقيراً، متقدماً أو أقل تطوراً، قديماً أو حديثًاً، فإن الفساد تواجد في كل هذه المجتمعات وبكيفيات متعددة. تتجلى ظاهرة الفساد السياسي في بعض المجتمعات أكثر من غيرها لأسباب مختلفة. كما أن لها تأثيرات ضارة في بعض المجتمعات أكثر من غيرها. منطقة الشرق الأوسط وأجزاء أخرى كثيرة من الدول النامية ما بعد التحرر وقعت ضحية كبرى بلا شك لظواهر الفساد.

بالنظر إلى حجم الموارد البشرية والطبيعية الوفيرة في هذه البلاد النامية، فقد كان من المتوقع لها اللحاق بركب التطور والحضارة ولو بصورة نسبية، إلا أن الحالة كانت عكس ذلك. من بين عدة أمور أخرى، كان الفساد السياسي هو التحدي الأكبر الذي ابتليت به تلك البلاد وشكل أهم العقبات أمام الاندماج الوطني والتنمية. 

لكون المنطقة شهدت ازدهار العديد من الأديان التقليدية في جميع أنحائها فقد نظام معقد للأخلاق ومستويات انضباط مختلفة لمعظم فئات المجتمع. لذا أصبح هنالك اهتمام متزايد بفهم كيفية تأثير الدين على الفساد. حيث تشير العديد من الدراسات إلى أن البلدان ذات الديانات الهرمية القوية (مثل الإسلام والكاثوليكية والمسيحية الأرثوذكسية) أكثر عرضة للمعاناة من الفساد. ومع ذلك، فإن هذه النتائج تبقى مثيرة للجدل، ويرجع ذلك بشكل كبير إلى عدم الأخذ بالعديد من المؤثرات الأخرى على المجتمع لتفسير ذلك على سبيل المثال: الطاعة للسلطة، معززات الثقافة السلبية في المجتمع، وأخلاقيات الاسرة، ومستوى الثقة.

العديد من الدراسات الاكاديمية في مختلف المؤسسات العلمية المتعلقة بالتدين وعلاقته بالسلوك الأخلاقي، أشارت الى أن الدين يرتبط بشكل وثيق بمستويات مختلفة للفساد، وأن طبيعة هذه العلاقة تتوقف على وجود المؤسسات الديمقراطية. ففي الأنظمة الديمقراطية، حيث تم تصميم المؤسسات السياسية لمنع قنوات الفساد، لوحظ أن الأخلاقيات التي يوفرها الدين ساهمت بشكل طفيف بالحد من الفساد. على نقيض ذلك، في الأنظمة التي تفتقر إلى المؤسسات الديمقراطية، السلوك الأخلاقي الديني لم يجعل الافراد يبتعدون عن طريق الفساد. وفقا لذلك بالإمكان الإقرار بأن الدين لا يرتبط بتقليل الفساد في الأنظمة غير الديمقراطية.

بينما من الممكن أن يكون للريادة الدينية تأثير على السلوك الجيد المؤيد من قبل المجتمع في بعض الاحيان، فإن للدين جانباً يعد قاتماً جداً. لقد وثقت أدبيات العلوم السياسية ارتباط الدين بالتحامل والتعصب السياسي منذ فترة طويلة، حيث غالباً ما اهتمت بتوثيق تأثير المعتقدات الدينية الفردية – غير أن العديد من التحليلات الدولية إشارة الى تأثيرات على علاقة الدولة بالتسامح الديني والحرية الدينية والإنسانية. على سبيل المثال، تنظيم الدولة للنشاط الديني وكذلك تشريع الدين في القانون ودعم الدولة لدين أو أكثر من الديانات، إذ تم توثيق العديد من حالات التمييز ضد ديانات الأقليات وزيادة الانحدار بمستوى الحقوق الإنسانية في الدولة.

العديد من الإشارات قد بينت إلى أن الدين قد ينشط السلوك المعادي للمجتمع تجاه المجموعات الخارجية ويتبنى الدعم للهجمات الانتحارية ضدها، إذن لكي يرتبط الدين بالحد من الفساد، يجب عليه زيادة التسامي الذاتي (بدلاً من نشر السلوك المفضل داخل المجموعة والسيء تجاه المجموعات الأخرى). بالنسبة لهذه المسألة، لا ينبغي أن يقتصر توفير البيئة السياسية لحرية التعبير عن وجهات النظر الدينية، والمشاركة في الأنشطة الدينية، وعرض الرموز الدينية، ولكن أيضا السماح للتعددية الدينية. عندما تمارس الدولة التمييز ضد مجموعات دينية معينة، لا نتوقع أن يحفز الدين السلوك الأخلاقي الجيد في المجتمع. لذلك، من المتوقع أن يرتبط التمييز الديني بزيادة مستويات الفساد في بلد ما.

مكافحة الفساد عالمياً والحد من آثاره أصبحت ضرورة حتمية، تلك الآثار التي من أبرزها تقويض المؤسسات العامة، وإضعاف شرعية الحكومة وثقة الناس في حكوماتهم، وتدمير نهج التنمية، وزيادة عدم المساواة والفقر البطالة وكذلك الجريمة والنزاعات العنيفة، من بين أمور أخرى يمكن اختبار الدين أو أي جانب آخر من جوانب الحياة التي يمكن أن تكون مفيدة في مكافحة الفساد للتأكد من صحتها وفعاليتها. على الرغم من الادعاء الرسمي للعديد من الدول الإقليمية بالعلمانية، فإن الأدلة المتوفرة توضح أنه من الأفضل وصف تلك البلدان كدول متعددة الأديان. الشواهد عديدة على كونها دينية اذ لا يقتصر الأمر على قيام الموظفين العموميين بأداء اليمين قبل تسلم المناصب العامة باستخدام الكتب المقدسة، بل إن معظم التعهدات الحكومية تأطر بديباجات دينية. بالإضافة إلى ذلك، تشارك الحكومة على مختلف المستويات في تمويل ورعاية الاحداث الدينية، تمامًا كما تستخدم الأموال العامة أحيانًا لدعم بناء دور العبادة والحصول على بعض العناصر الأخرى التي قد تحتاجها هذه الهيئات الدينية.

يمكن القول إن الفساد السياسي يزدهر في الدول الناشئة لأن المصالح الوطنية أو العامة أو المشتركات غالباً ما تكون مدمرة بسبب الولاءات والالتزامات الأخرى. إذ يعتبر لعاملي الاستعمار والدكتاتورية، الأثر الأكبر في فصل الدولة عن المجتمع.

في الشرق الأوسط نرى تأثير الدول الثيوقراطية على مجاوراتها كبير جدا لا سيما أن مفهوم الدولة هو مفهوم معاصر وله شروط أهمها الحدود والاقليم، بالإضافة إلى الشعب والسلطة، حيث إن الاسلام لا يقرّ بحدود دولته ولا يقبل أن يبقى في إقليم محدد من الاقاليم لأنه دين عالمي، وبالتالي هذا يُفقد مفهوم الدولة أهم عناصر تكوينها، ذلك سبب معاناة كبيرة للدول المتأثرة سبب الافتقار الى حد ما للتعلق الأيديولوجي والعاطفي بمؤسسات الدولة.

المجتمع والدولة يهدفان إلى تنظيم شؤون الناس، ولكن تختلف الآليات بينهما. الإصلاح يتطلب النظر الى إمكانية الفصل بين ما هو سياسي وبين ما هو ديني واجتماعي، وبالتالي نرى كيف يتحمّل الدين مسؤولية الاخفاقات السياسية، أو الانحراف السياسي والفساد السياسي نراه يُلقى بتبعاته على الفكر الدين، أي إن كثيرا من الفساد السياسي نرى البعض يحمّل المسؤولية فيه للفكر الديني لأن هناك تقاطع مصالح بين السلطتين الدينية والسياسية، وهذا التقاطع يجعل السلطة الدينية في دائرة الاتهام، وقد تكون هي كذلك. ولكن لا يمكن تبرئة السياسيين بالكامل من هذا يعني أيضاً فرض التلازم في الاصلاح بين الاثنين بالتالي سلخ صفة المقدس الديني عن أي عمل سياسي، وإفساح المجال لتوجيه النقد للأخطاء السياسية التي تؤدي إلى فساد على الاصعدة كافة، وهذا يعني أيضا وبكل صراحة أننا نعاني من الغطاء الديني للفساد السياسي، لذلك لا يرتعبّن أحد، أو لا يستغربّن أحد عندما تتوجه الناس باللوم على السلطة الدينية القادرة على الوقوف موقف المواجه للفساد السياسي. 

وأخيراً، بالإمكان الاتجاه الى الخلاصة الى أن الدين يلعب دور أكبر على نحو متزايد في السياسة في جميع أنحاء العالم؛ اذ تكتسب الحركات الدينية في الشرق الأوسط المزيد من السلطة، واحداث العنف السياسي في أوروبا له دلالات دينية، كما ان بعض النزاعات الرئيسية المستمرة، سواء بين الأمم وداخلها ترتبط بالدين. ومع ذلك، كما اوضحنا في المقال، فإن بعض الآثار المترتبة على الدين داخل المجال السياسي قد تكون في الواقع إيجابية فيما يتعلق بالفساد. لكن هذه التأثيرات مشروطة بالإطار المؤسسي القائم. فالدين لا يملك القدرة على تطهير النظام السياسي للفساد. ومع ذلك، مع وجود منصة مؤسسية جيدة، قد يكون للدين دور فعال في القضاء على الفساد.