العراقيون بجامعة موسكو في الستينيات ومصائرهم (2)

Tuesday 12th of November 2019 08:41:50 AM ,
العدد : 4544
الصفحة : عام ,

د. ضياء نافع

كلية الجيولوجيا هي المحطة الثانية في هذه السلسلة من المقالات عن الطلبة العراقيين بجامعة موسكو في ستينيات القرن العشرين ومصائرهم .

كانت هذه الكليّة جديدة كليّا لمفاهيمنا , إذ استطعنا أن نترجم الى العربية اسماء معظم الكليّات تقريباً , إلا أننا كنا نقول – كليّة الجيولوجيا . تميزت هذه الكليّة بقبول مجموعة كبيرة نسبياً من الطلبة العراقيين و في الدراسات الأولية فقط , إذ لم يكن هناك طالب عراقي في الدراسات العليا . اسماء هؤلاء الطلبة وكما أتذكرهم و حسب حروف الهجاء هم كما يأتي – المرحوم انترانيك ( نسيت اسم والده ) / المرحوم الشهيد د. حامد الشيباني / المرحوم جمال منير / د. ديكران يوسف / صاحب ( نسيت اسم والده ) / صدّاع العاني / المرحوم د. عدنان عاكف / المرحوم غريب رياح / المرحوم فيصل الجبوري/ كبه ( نسيت اسمه) / د. محي السعد / منذرنعمان الاعظمي / د. يحيى قاسم. 

أحاول أن اتوقف عند هذه الاسماء (الحبيبة الى قلبي ) ومصائرهم حسب معلوماتي المتواضعة , وحسب ما انحفر في ذاكرتي عن أحداث ارتبطت بهم وعرفت بها أو سمعت عنها , وكم أتمنى أن يكمل الآخرون هذه السطور أو يصححونها في الأقل , إذ رحل البعض منهم عن الحياة , ومن واجبنا , نحن الذين مازلنا على قيد الحياة , أن نسجّل ما شاهدناه و ما عرفناه آنذاك للاجيال العراقية القادمة من الأبناء والأحفاد وأبناء الأحفاد , كي نبرز الحقائق والوقائع كما كانت فعلاً ونسجلها قبل أن تضيع الى الأبد , أولاً , وكي لا تكرر هذه الأجيال الأخطاء والعثرات الى حدثت في مسيرتنا, ثانياً , وتلك هي مهمة التاريخ العظيمة . 

المرحوم انترانيك , وكنت اسميه دلعاً انتران . كان مرحاً وبسيطاً ومبتسماً ومتفائلاً دائماً , وهو الذي اطلق ( هلهولة عراقية مدوّية ) عندما اجتمع معنا الدكتور المشاط ( مدير البعثات في وزارة المعارف آنذاك ) في قاعة (02) بجامعة موسكو ( انظر مقالتنا بعنوان – رابطة الطلبة العراقيين في الاتحاد السوفيتي 2 ) . لقد تصرف المشاط بعنجهية وغرور وبشكل فظ تجاه الطلبة العراقيين , واستخف بالشهادات السوفيتية , وأعلن أن شهادة الكانديدات حسب القاموس الروسي العربي الذي اطلع عليه هذا المدير بحثاً عن معنى تلك الكلمة الروسية هي ( مرشح علوم ) , وبالتالي فانها لا يمكن إلا أن تعادل شهادة ماجستير ليس إلا , وكان رد فعل القاعة واضحاً ضد هذه الأفكار السطحية , واذا بنا نسمع (هلهولة) مدوّية من وسط القاعة يطلقها انترانيك , وقد ضجّت القاعة بالضحك طبعا , وكان ذلك اجمل رد (شبابي!) رائع ( رغم كل ما قيل ويقال ) على هذا المدير ( المبوّز !) , الذي يتكلم عن العلم السوفيتي ( وكان آنذاك يغزو الفضاء) وتعادل شهاداته من وجهة نظر سياسية عراقية ساذجة ومضحكة وضحلة ولئيمة , وجهة نظر تعكس طبعاً تلك الخلافات السياسية التي كانت سائدة في الساحة العراقية بداية الستينيات . ولقد تذكرت المرحوم انترانيك وهلهولته المدوية عندما جمعنا مرّة ( نحن أساتذة جامعة بغداد والمستنصرية) وزير التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور المشاط نفسه , وتكلم أمامنا بنفس ذلك التعجرف والعنجهية والغرور و السطحية أيضاً , نحن الاساتذة , وهو يمجّد ويمجّد (القائد الضرورة!!!) بتلك الكلمات الطنانة والرنانة المقرفة حتى الضجر, وقلت بيني وبين نفسي , آه لوكنت معنا الآن ايها المرحوم انترانيك !!! , وتذكرت المرحوم انترانيك أيضاً عندما قرأت اسم الدكتور المشاط ضمن عرائض الذين ( يرجون !!! ) الاميركان بالتدخل لانقاذ العراق ... 

الاسم الثاني هو الشهيد د. حامد الشيباني , والذي كتبت عنه عدة مرات , وسأبقى أكتب عنه وأذكر سيرته المتواضعة ( والعظيمة أيضاً ) منذ كان طالباً متميّزا (علماً وأخلاقاً ) في كلية الجيولوجيا بجامعة موسكو وهو يرفع اسم العراق عالياً , وكيف اقترح مشرفه العلمي نفسه أن يكمل حامد دراسته العليا لأنه لاحظ تميّزه, وهكذا حصل على شهادة الدكتوراه , و عاد الى العراق وأصبح – وبجدارة - شخصية علمية وإدارية بارزة في شركة النفط الوطنية في السبعينيات, وكيف اعتقلوه في شركة النفط هذه وأثناء الدوام , ومن ثم اختفى أثره , ولا يوجد له الآن حتى قبر , رغم كل محاولات عائلته , التي أرادت فقط ان تعلم مصير ابنها , أو حتى مكان قبره في أرض الوطن , الوطن الذي رفع المرحوم د . حامد الشيباني رأيته عالياً في أجواء كلية الجيولوجيا بجامعة موسكو في تلك الأيام الخوالي ... الرحمة والذكرى العطرة والخلود لك ايها الشهيد الدكتور حامد الشيباني .