المشروعية الأخلاقية لإضراب الأساتذة والمعلمين

Saturday 23rd of November 2019 08:13:58 PM ,
العدد : 4553
الصفحة : آراء وأفكار ,

 أ.د. محمد الربيعي

أثار أحد الأساتذة في معرض تعليقه على البيان الموجه للتدريسيين والطلبة في الجامعات العراقية والذي أصدره مجموعة من الأكاديميين العراقيين خارج الوطن موضوع أخلاقية الاضراب والتظاهر طالباً توضيح الموضوع.

ولذلك احتراماً للأستاذ ولرأيه أجد من الضروري إلقاء بعض الضوء على شرعية الإضرابات والدور المؤثر لها خصوصاً في ظل حكم غير عادل وبيئة تنعدم فيها الخدمات وتندر فرص العمل وينتشر الفساد، فهل يمكن التشكيك في أخلاقيات الإضراب والتظاهر؟

من الطبيعي أن يختلف البعض على الطبيعة الأخلاقية لكل إضراب حتى ولو كان في شركة إنتاج بضائع، لكن وجود الإضراب ذاته يعطي صوتاً لمن يتم تجاهل حقوقه ويوفر نقطة انطلاق للمساواة وتحقيق العدالة. 

لكنه يجدر وضع أي ملاحظات حول أخلاقيات الإضراب في السياق القانوني. الإضراب ليس عصياناً مدنياً، إنه قانوني، ومسموح به في إطار الدستور. لقد تحقق هذا الوضع في العالم الديمقراطي تاريخياً بشق الأنفس. الإضراب يوفر ضمانة ضد الاستغلال، وحماية للعاملين (سواء كانوا طلاباً أو عمالاً أو أطباء أو معلمين) في حالة حصول خلل في السلطة. من الواضح، هناك العديد من الشروط المسبقة التي يجب توفرها ليصبح الإضراب مبرراً أخلاقياً. في حالة الإضراب ضد الحكومة في العراق تطرح تساؤلات: هل الحكومة عادلة ومنصفة أم فاسدة وتمثل مجموعة من السرّاق؟ هل الحكومة تبني البلد وتطور اقتصاده أم أهملت البلد والمجتمع والاقتصاد؟ هل الحكومة توفر الرفاهية والتقدم أم تساهم في نشر الجهل والتخلف؟ 

شيء طبيعي أن يهدف الإضراب الى الإضرار بمصالح الحكومة أو القوى السياسية والقوى المنتفعة الحالية. الحكومة ستّدعي أن العمل (وهنا تعني به التدريس) الذي نقوم به هو مصلحة عامة، وإذا انسحبنا من عملنا، فإننا نؤذي الشعب. يعتمد مقدار الضرر الذي يقع على أي مجال ونوع من المنافع العامة - كالضرر المحتمل من الأطباء المضربين يكون أكبر من الضرر المحتمل الذي يحدثه الأساتذة المضربين. الأضرار التي نلحقها بطلابنا في الإضراب قد تكون كبيرة (إذا ما افترضنا أن الطلاب يتعلمون حقاً في جامعاتنا) ولكن أعتقد أن الضرر هنا له ما يبرره، وسأحاول الدفاع عن ذلك أدناه، ولكن حتى لو كنت لا تتفق معي حول هذه القضية، فإنني أهدف إلى توفير طريقة للتفكير بوضوح حول ما قد يبرر هذا النوع من الضرر. 

أولاً، يجدر التفكير أبعد قليلاً من طبيعة الضرر، وما هو الدور الذي يلعبه. الطلاب ليس متفرجين أبرياء في كل هذا، إنهم المضربون ونحن المشاركين وليس العكس. الطلاب هم من يقود الإضراب، وهم من يقررون استمرار الإضراب أو العودة الى مقاعد الدراسة. ومع ذلك، الأذى الذي يلحق بالطلاب يُعد جزءاً أساسياً من الإضراب، ويجب أن نواجه هذا الأمر لأن ما يفترض ان يحققه الإضراب هو المكافأة والمنفعة والفائدة التي تفوق الأذى. 

هنا هو السبب. يحدث الإضراب عندما لا ينجح أي إجراء آخر. وهذا ببساطة ما يحدث حالياً، فما الذي يجب علينا فعله؟ هل يجب علينا ببساطة قبول الظلم؟ إن التاريخ الحديث يرينا كيف أن منع الاضراب في عهد نظام صدام حسين قد أضعف قدرة الشعب العراقي على احداث التغيير. وهذا ما حرمنا من قوة العمل الجماعي. بيت القصيد من الوحدة هو أننا أقوى معاً. يجب العمل بشكل جماعي، وبالتالي لا يمكن للحكومة أن تحّرض بعضنا على بعض كأفراد. علاوة على ذلك، نحن بالأضراب قد نضر بمصالح الآخرين فهنا يمكن أن نضر بمصالح أصحاب المطاعم في الجامعات على سبيل المثال، وقد يؤثر على الطلاب إلا إذا كانوا هم من يمارسون الاضراب لتحقيق قضية وطنية عليا يعتبرونها أهم من وجودهم في الصفوف الدراسية. في هذه الحالة – هذا أمر لا مفر منه. 

بعبارة أخرى، الإضراب هو شكل من أشكال الإكراه. نريد أن نجعل من المستحيل أن تقول الحكومة أو الوزارة "لا" لنا. إن الشروط المسبقة للإضراب المبَرر هي أن الطلاب والتدريسيين عرضوا الأسباب المتعلقة بتحقيق العدالة والقضاء على الفساد وجملة من المطالب التي تتعلق بالمهنة، ولكنهم فشلوا في تحقيقها. كما قلت، فإن الحق في الإضراب هو حماية ضد الاستغلال. لدينا الحق في اجراء ممارسات قانونية قد تؤثر على مصالح الغير عند تجاهل طلباتنا المعقولة. قارن ذلك مع هذا الموقف: تخيل أن يغش طالب في الامتحان. لدينا نظام قائم على الأسباب لمنع الغش (نوضح أنه من الخطأ وغير العدل ان تغش) ولدينا سبب عملي كاحتياطي (إذا غشيت، فسنتخذ بحقك إجراءات عقابية). الإجراء العقابي كترسيب الطالب طبيعياً سيكون ضاراً بشكل أساسي له وأيضا للجامعة، ولكن هذا هو السبب في أنه اجراء فعال، ولهذا هو اجراء مبَرر عندما فقط يفشل كل إجراء آخر. الخلاصة إنه بأضرابنا كأساتذة قد نفرض أضرارًا على هذا الجيل من الطلاب، لكننا نأمل أن تتمكن الأجيال القادمة من الطلاب من الاستفادة من نظام جامعي حر ومستقل وتزدهر فيه الحريات الاكاديمية ويتم فيه احترام الأستاذ. 

على نطاق أوسع، فإن الإضراب عادة ما هو أكثر من مجرد كونه يدور حول القضية المطروحة. الإضراب لديه رسالة معبرة. معظم الأساتذة المؤيدين للأضراب أو المشاركين في التظاهرات هنا يطالبون بأكثر من مجرد حقوقهم المهنية أو المعاشات التقاعدية الخاصة بهم: إنهم يرسلون رسالة معبرة إلى الحكومة والوزارة. بالنسبة للكثيرين منهم، تتمثل الرسالة في أنهم يريدون وطناً لا مكان فيه للفاسدين وجامعة تمثل مصالحهم ومصالح الطلبة ومكاناً للتعلم والتدريس وليست ملكا لحزب أو قوة سياسية. طلابنا ليسوا مستهلكين، وطريقة القسر الفوقي ليست أفضل طريقة لإدارة الجامعات. الاضراب أحياناً يظهر أننا على استعداد للقتال والتضحية من أجل المبادئ السامية التي نقدرها ونقدسها. برأي أن الحق القانوني في الإضراب هو حق فعال، إنه يحميننا كأساتذة وطلبة، ويمكن استخدامه، وأتمنى أن يتم استخدامه بطريقة حكيمة.