فورن بولسي: رصاص السلطة يحول بغداد ومحافظات الوسط والجنوب إلى مناطق هيجان شعبي

Monday 25th of November 2019 09:12:11 PM ,
العدد : 4555
الصفحة : سياسية ,

 ترجمة / حامد احمد

في 1 تشرين الاول نزل محتجون الى شوارع بغداد ضد معدلات بطالة عالية وفساد مستشر. وازداد حجم الاحتجاجات خلال الاسابيع التي تلت ذلك التاريخ.

مئات الآلاف من العراقيين تحشدوا في العاصمة بغداد ومدن اخرى في جنوبي البلاد. وبينما ازدادت فيها التوترات، ردت قوات حكومية مع فصائل مسلحة متسببة بمقتل اكثر من 300 شخص مع جرح ما يقارب من 15,000 آخرين.

بغداد وبقية محافظات الوسط والجنوب كانت على مدى الشهر الماضي في حالة هيجان مستمر تقريبا. استعادت قوات حكومية مؤخرا كثيرا من الساحات والجسور كانت قد احتلت من قبل متظاهرين ولكن ساحة التحرير المركزية بقيت كملاذ لانتفاضة شعبية مفعمة بمنظومات راسخة وخيم طبية وحتى جريدة ثورية مجانية .

خلال العقد الماضي عمل قادة عراقيون على اخماد عدة احتجاجات شعبية بتقديم وعود باصلاحات وتعديل وزاري. هذا النهج لم يجد نفعا هذه المرة. على الرغم من تعهدات حكومة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي باصلاح قوانين الانتخاب ودراسة اقامة انتخابات مبكرة، فان المحتجين بقوا في الشوارع منادين بضرورة استقالة الحكومة واجراء تغييرات هيكلية واسعة، تضمنت احداها المطالبة بتعديل الدستور، ووضع نهاية لنظام المحسوبية والفساد المستشري .

في غضون ستة اسابيع فقط او اكثر بقليل، ازدادت الاحتجاجات الشعبية ضخامة لتتحول الى تحد أكبر للنظام السياسي العراقي لم يشهده منذ الغزو الاميركي للبلد عام 2003. وفي جوانب عدة تشكل هذه الاحتجاجات تهديدا كبيرا لقيادة عراقية يفوق ما شكله تنظيم داعش من تهديد. حركة احتجاجات الشباب التي ليس لها من يقودها هزت الطبقة الحاكمة واجبرت كتلا سياسية شيعية وسنية وكردية على تشكيل جبهة موحدة لتقف وراء رئيس الوزراء. تآلف القوى السياسية المتشظية ودعمها موحدة لقمع الاحتجاجات، يؤشر لانزلاق نحو نظام تعسفي وعودة لظهور "جمهورية الخوف" الشبيهة بتلك التي اقسمت الولايات المتحدة وقادة عراقيون جدد على عدم العودة اليها بعد سقوط صدام حسين .

حكومات عراقية سابقة شهدت موجة احتجاجات متعددة في 2009 و2011 و2015 و2016 . وكانت آخرها عندما اقتحم اتباع رجل الدين مقتدى الصدر، المنطقة الخضراء، ولكنهم رجعوا الى بيوتهم بعد ان قامت الحكومة بتعديل وزاري للكابينة. هذه المرة الوعود التزويقية بالاصلاح لم تجد نفعا ولم تؤد الى انهاء التظاهرات، ولكنها دفعت سياسيين يدعمون عبد المهدي لوصف المحتجين على انهم نوع من المخربين .

احتجاجات الوقت الحالي لا تدعو فقط لخدمات افضل أو وظائف، بل انها تعكس رغبة قوية لتغيير جذري. انها تسعى لاسترجاع كرامة الناس الذين يشعرون بان النظام السياسي الحالي يعاملهم بتمييز وبوحشية .

لقد وصل غضب شباب العراق الى حد الغليان. يرى شباب بأن ثروة البلد النفطية الهائلة تذهب الى جيوب قوى سياسية واصحاب مصالح تجارية، فيما لا يترك شيء لغرض استثماره في بنى تحتية او تطوير التعليم أو خلق فرص عمل. نسبة البطالة بين الشباب وصلت لمعدلات مرعبة. كثير من الشباب العراقيين يشعرون وفقا لنظام الحكم الحالي بانه ليست لديهم فرص اقتصادية في حين تستمر النخب الحاكمة وكتلها السياسية بالاستحواذ على الثروات ويزدادون ثراء .

كونها لم تستطع اخماد الاحتجاجات المتزايدة عبر وسائل اخرى، تحولت الحكومة وحلفاؤها الآخرون بشكل سريع نحو العنف. وقامت قوات امنية حكومية ومجاميع مسلحة باطلاق ذخيرة حية مباشرة تجاه المحتجين فضلا عن قذائف مسيلة للدموع. وحجبت وزارة الاتصالات خدمة الانترنت لايقاف اشرطة فيديو عن قمع المحتجين من الانتشار .

ولكن هذا العنف الموجه من الحكومة لم ينفع سوى بزيادة معنويات المحتجين واصرارهم على البقاء. وبدلا من خوفهم من ردود فعل الحكومة تجاههم فان ردهم كان بمضاعفة مطالبهم متجاوزين مطالب توفير فرص عمل واصلاحات الى مطالب بتغيير سياسي شامل. وقد حظوا باسناد من المرجع الديني الاعلى علي السيستاني الذي حث المتظاهرين على البقاء في الشوارع والاستمرار بالمطالبة بحقوقهم. ولكن الطريق قد يكون صعبا امامهم. حيث ان سياسيي النظام الحالي استعانوا بأساليب قمع فظة للابقاء على تمسكهم بالسلطة.