كتاب(حيونة الإنسان) لممدوح عدوان في نادي المدى للقراءة بأربيل

Tuesday 26th of November 2019 06:33:24 PM ,
العدد : 4556
الصفحة : عام ,

أربيل/ شيار عفريني

منذ أن وجت البشرية قبل مرحلة التفكر وبعدها لقيت الكثير من العذاب والاضطهاد نتيجة لظروف طبيعية فرضت عليه أو ظروف خلقها بنفسه فارتدت عليه عكسياً

ليبقى تاريخ الإنسان وفق منظور العذاب أو الشر حافلاً بالكثير من القصص المأساوية التي يشهد عليها التاريخ في كل العصور, والتي وصلت في الكثير من الأحيان بالإنسان الى قاع الحيوان سواء كان هو الظالم أم المظلوم , ومازالت مشكلة الشر تفتك بقيم الانسانية وتشوهه لاسيما ببروز وتجلي هذا الأمر بسهولة في العالم المعاصر في عصر بلغت فيه التنكولوجيا ذروة تجاوزت العقل البشري هذا العقل الذي أنتج كل العلوم والفنون والجمال بقي محتفظاً بالجانب الشرير فيه فالى ما يمكننا أن نعزو ذلك ؟ وما طبيعة أثر هذا الشر وإمكانية قدرته على تحويل الإنسان الى وحش أو حيوان و مقارنته به ؟ وهل الموضوع متعلق بغريزة البقاء أم مجرد عادة مكتسبة فيها من المتعة ما يسلي ويشبع نهم القائمين بالسلوك المخالف لطبيعة الإنسان وفكرة وجوده , وفق هذه الرؤية الجدلية الملحة بدأ عضو نادي المدى للقراءة بأربيل د. بسام مرعي إدارة جلسة مناقشة كتاب ( حيونة الإنسان ) للكاتب والمسرحي السوري ممدوح عدوان , حيث اقترح النادي هذا الموضوع كمغامرة منه لفتح نقاش حول كيفية تدرج السلوك الانساني وانهدامه من علوه و لضرورة إعادة النظر الى طبيعة الانسان فكراً وقيمة وسلوكاً ولاسيما وسط ما يلتهمنا من شر بشري لا سابق له تحتضنه مناطقنا الشرق الأوسطية التي حولتنا الى فرجة لمن هم حولنا كما يقول محمد الماغوط .

قدمت مناقشة هذا الكتاب بحضور ملفت واهتمام بالغ لضيوف وأعضاء النادين الذين قرؤوا الكتاب بطبعته الثامنة من دار ممدوح عدوان للنشر قبل الحضور وفق نظام النادي , وقد كان من المفيد والممتع أن النادي استضاف في هذه المناقشة الشاعر السوري أ. (سامر كحل) لمناقشة الكتاب والذي كان مقرباً من شخصية مؤلف الكتاب ممدوح عدوان وهو من محافظة السويداء , عضو اتحاد الكتاب العرب بدمشق وله عدة دواويين شعرية منها (أطلال الجسد , صدراح , مايقال للريح , مائدة الوقت) , وقبل البدء في عرض أفكار الكتاب قدم مدير الجلسة د. بسام نبذة تعريفية عن مؤلف الكتاب المقرر ممدوح عدوان الكاتب السوري من محافظة حماة الذي كان يمتلك مواهب ثقافية وفكرية متنوعة من شعر ومسرح وأدب ومسلسلات , فقد ترك ورائه 26 مسرحية و22 مجموعة شعرية و30 كتاباً مترجماً عن الانكليزية منها لهيرمان هسه سدرهارتا و تاريخ التعذيب عبر العصور لبرناديت وتاريخ التمثيل وزجاج مكسور لآرثر ميلر , وله من المسلسلات التلفزيزونية ( الزير سالم وأبو طيب المتنبي ) والعديد من الكتب النثرية في الأدب والفن والحياة والتي تعتبر حيونة الإنسان احداها وهو الكتاب الذي جرد بسببه الكاتب من جواز سفره كما هو مذكور ومعلوم من مقربيه 

استعرض ضيف النادي الشاعر سامر كحل بعض أهم جوانب وأفكار هذا الكتاب الذي يحتوي على عشرين فصلا مع مقدمة جميلة يبدؤها عدوان بمقولة معبرة لكزانتزاكيس حول إعانة الكتابة لنا بتجاوز الوحش الكامن في أعماقنا , ويمكننا القول وكما هو واضح لمن يطلع على الكتاب انه مقسم الى فكرتين , الفكرة الأولى تتحدث عن أشكال الوحش وصناعته ونماذجه عبر عدة أمثلة في فصول منسجمة , والقسم الآخر يأخذ عدوان القارئ الى الإشكال التي يمكن من خلالها أن تتطور فكرة الوحشية أو تتحول لعادة عبر الدين أو السلطة وصنوف القمع والتبعية والاخلاق العنيفة , ويبدو جلياً كما أشار المناقش الشاعر سامر كحل أن هذا الكتاب يصعب تصنيفه في بوتقة أدبية معينة الأمرالذي يعترف به كاتبه شخصياً في بداية الكتاب ومن الواضح أن الكاتب استعان بالكثير من الكتب التي تتحدث عن تاريخ التعذيب والقمع ومنها الكتب التي ترجمها بنفسه من قبل ككتاب تاريخ التعذيب وأيضاً تفاهة الشر لحنة أرندت وهو جهد مضني يحسب لممدوح عدوان لاسيما عبر تغلغله في صميم أشكال العنف الإنساني وكيف يألف هذا الكائن العنف عندما يصل الى درجة الاستمتاع به , ولقد أغنى الكاتب الموضوع ودعم أفكاره بالعديد من الأمثلة التاريخية من الحرب العالمية الأولى والثانية وفيهما يجسد العنف الجماعي ومظاهره في الاستعمار والتطهير بحجج كثيرة تفتقر للإنسانية من حيث الفكرة والفعل بحيث تعتبر المجازر الجماعية أكبر مثال شمولي لحيونة الانسان , أما على صعيد الذات أو الفرد يشرح لنا عدوان شخصية الجلاد والسجان والمسجون وعذابات النفس البشرية وتبلدها وتهدمها تحت إرادة شهوة الوحش الذي يموت فيه ويعظم في الآخر الظالم ,هذا الكتاب الخطير بعرضه والمؤلم بأمثلته والعميق في طرحه لجدلية مفهوم الشر والخير في الإنسان لهو صفعة خلاقة في بحث قلق عن إمكانية تصورنا أننا هل حقاً من الممكن ان نكون حيوانات ؟ هل هي حجة غريزة البقاء التي أودعتها الطبيعة فينا ؟ أم اضطراب سلوكي مرضي تفرضه النفس البشرية على ذاتها وتكسبه للآخرين ؟! هذا الكتاب يغير الكثير من تصوراتنا عن الإنسان والحيوان وفق ( مفهوم الوحشية ) الذي يجمعهما أو على الاقل من يقرأه سيعيد النظر الى ذاته ولأقرانه من البشر ويتساءل هل نحن حقاً كذلك ؟! .