انتفاضة تشرين حركة تغيير أم إرادة إصلاح 2-2

Wednesday 27th of November 2019 06:58:38 PM ,
العدد : 4557
الصفحة : آراء وأفكار ,

عباس العلي

الثورة قبل أن تكون حراكاً سياسياً وأجتماعياً يفرض نفسه على الواقع ويعمل على تغييره، هي صيرورة إرادة مرتبطة بظروفها الموضوعية والذاتية كي تستكمل وجودها على الأرض،

وحتى يكون ذلك ممكناً لا بد من أن تتوفر مسببات وعلل أساسية منها ما هو متعلق بالإستعداد الذاتي لقاعدة الثورة، ومنها ما هو محرك لهذا التغيير وأداة له، وهنا يحضر عامل الزمن كواحد من أركان الصيرورة ومن شروط النضج، فلا يمكن استباق الزمن فتجهز الثورة على نفسها لأنها غير مهيأة له، أو تتأخر الثورة عن اللحظة التاريخية الواجبة وتكون قد أفلتت على نفسها أن تكون حاضرة وفاعلة ومنتجة.

عليه فالكثير ممن عاش الحراك وعايش إرهاصات الثورة العراقية الحالية كان يتمنى أن يكون لموعد إنطلاقتها أبكر من هذا الوقت، حيث أن الطبقة الحاكمة السياسية لم تتلقَ الضربة المناسبة التي تجعلها تعيد الكثير من حساباتها وقد كسبت وقتاً أضافياً ندفع ثمنه الآن مضاعفاً، الحقيقة التي لا بد من ملاحظتها أن هذه الطبقة الحاكمة لم تتوقع لا الآن ولا قبله أن تتطور الأمور في هذا الأتجاه وهذا الزخم الذي يجعلها أيضا أن تدفع الثمن مضاعفاً.

صحيح أن الشروط العامة للثورة كانت ناضجة بالقدر الذي يمكنها من أن تنفجر في أي وقت لكن هناك نقص فيما يعرف بالتراكم الضروري لدفعها بقوة أكبر أتجاه هذا الهدف، هذا التراكم كان ضرورياً وحتمياً مع كل فشل أضافي من قبل السلطة الحاكمة أو تخلف في قراءة الواقع ومجريات حركة المجتمع، ساهم في التقليل من زخم هذا التراكم عوامل داخلية وأخرى إقليمية كانت تدفع بقوة في تأجيل قرار الشعب، خاصة مع قوة هذه المؤثرات وقدرتها على إشغاله عن ملاحقة السلطة وتحديها والخروج بوجه علني موحد نحو هدف علني وموحد أيضا.

هنا وقد أعلنت القوى الحاكمة وسلطتها بكل وضوح وبما لا يقبل الجدل والشك أنها لا تستطيع أن تقدم ما يمكن أن يؤجل من إشعال فتيل الثورة وانطلاق شرارتها، أصبح الزمن عاملاً مضافاً وضاغطاً وحتمياً في صيرورتها، وأتضح ذلك من جملة قضايا ظهرت على الساحة السياسية منها مثلاً التقارير التي قدمت لمجلس النواب حول نسبة تنفيذ البرنامج الحكومي والذي لا يتعدى نسبة الثلث من البرنامج الحكومي المعلن، وأيضا أنتهاء الفترة الممنوحة من قبل بعض الأطراف السياسية التي كانت قد منحتها للحكومة كشرط أولي للموافقة عليها خاصة بعد مرور سنة على تشكيل الحكومة وأنطلاق أعمالها.

كما أن تفاعلات ومفاعلات الواقع الإقليمي وخاصة الصراع الإيراني الأميركي الذي وصل إلى الذروة قبل الأشتعال، هيأت ظرفاً موضوعياً دافعاً للحراك الجماهيري، ولا سيما أن الطرفين ومن ورائهم قوى وأجندات ومخططات ساهت أيضاً في فشل الحكومة وعجزها أن تتخذ مواقف أكثر وطنية ولمصلحة العراق كشعب وكدولة، كان من الذكاء السياسي لقادة الثورة أن يمنحوا هذه الظروف الموضوعية دورها في بيان عجز وفشل السلطة، وكان لا بد أيضاً من الإستفادة منها على الوجه الذي يخدم قضية الثورة وأهدافها وقد بان كل شيء على حقيقته، وأصبح اللعب على المكشوف تماماً لجميع الأطراف في السلطة وخارجها.

إذن الثورة ولّدت ولادة طبيعية ومهيأة تماماً أن تدرك وتنال أهدافها وتحقق النتائج المرجوة منها، والدليل على هذا النجاح أن كل القوى الفاعلة في الحكومة والسلطة وأحزابها، وحتى القوى التي كانت تنادي بضرورة الإصلاح وتدارك الأمور قبل إفلات زمام الأمور، تفف اليوم صفاً واحداً في مواجهة الثورة بشكل أو بأخر، مرة بعنوان الحفاظ على الدولة وبنائها السياسي من الذهاب للفوضى أو ما يطلقون عليه اللا دولة، ومرة منح الوقت القليل لتمرير جملة من الإصلاحات تظن أنها قد تكون شيئاً من الحل، هذا الطرح الآن وفي هذا الوقت الحاسم وبمجرد القبول به يعني أنتحاراً للثورة وأنتحاراً أكيد للشعب، لا مجال ممكن أن تتغير الأهداف أو تتغير الرؤية أو تتبدل الوجوه هنا أو هناك، وما على الثورة وجمهورها إلا المضي إلى أخر المشوار حيث تجد نفسها جزءاً من أستحقاق لا بد من التعامل معه على أنه حقيقي وأكيد.

يمكننا القول وبكل ثقة أن الثورة العراقية الكبرى التي أنطلقت في الأول من تشرين عام 2019 ليست ثورة خدمات ولا هي حراكاً إصلاحياً يهدف تحسين أداء السلطة وقواها، بل هي ثورة تغيير جذري شامل وإنقلاب سياسي كامل على كل العملية السياسية الفاسدة، رموزاً واهدافاً وشخوصاً وممارسات، ولم يعد بالإمكان الرجوع إلى ما قبل الأول من تشرين الماضي، ولا التراجع عن خطها الوطني الشمولي بكل ما تحمله من سمو وإنسانية، وبعد كل هذا النضج والفهم والتضحيات التي قدمها الشعب وشبابه المنتفض بثورية فذة أذهلت العالم أظهرت المعدن المدني له، ومع كل إصرار الطبقة السياسية بكاملها وما يقف خلفها من قوى على رفض الإنصياع والتعامل مع الواقع الجديد، واقع ثورة مبادئ وثورة قيم تعيد للوطن والمواطنة وجودها بعيداً عن ما تمظهرت به سلطة ما بعد 2003 وبكل عناوينها وشعاراتها وأهدافها.

مطالب الشعبية، وفي مواجهة القمع المتصاعد