عـن إنهـاء العـمـل بأتفاقية الإطار الستراتيجي

Tuesday 7th of January 2020 07:33:11 PM ,
العدد : 4584
الصفحة : آراء وأفكار ,

هادي عزيز علي

اتفاق الإطار الستراتيجي لعلاقة صداقة وتعاون بين جمهورية العراق والولايات المتحدة الاميركية وقع في بغداد في اليوم السابع عشر من شهر تشرين الثاني 2008 وبنسختين أصليتين باللغتين العربية والانجليزية ويتساوى النصان في الحجية القانونية ،

فقد وقعه عن الجانب العراقي السيد هوشيار زيباري وزير الخارجية حينئذ وعن الجانب الاميركي السيد رايان كروكر سفير الولايات المتحدة الامريكية لدى العراق . وقد صادق مجلس النواب في حينه على الاتفاق المذكور بالعنوان التالي : ( تصديق اتفاقية الإطار الستراتيجي لعلاقة صداقة وتعاون بين جمهورية العراق والولايات المتحدة الامريكية ) ، ومرت على هيئة الرئاسة في وقتها ونشرت في جريدة الوقائع العراقية بالعدد 4102 في 24 \ 12 \ 2008 بالقانون رقم 52 لسنة 2008 ، إذ جاء في الأسباب الموجبة : ( لفرض تعزيز علاقات الصداقة والتعاون بين جمهورية العراق والولايات المتحدة الاميركية في المجالات كافة من أجل إعادة أعمار العراق شرع هذا القانون ) . ومعلوم ان هناك إعلان مبادئ سبق الاتفاقية موقع من قبل الطرفين أيضاً بتاريخ 26 \ تشرين الثاني \ 2007 عد البناء المؤسسي الاولي لهذه الاتفاقية .

وقد حددت الديباجة الأهداف والمبادئ التي من أجلها شرعت هذه الاتفاقية منها : الرغبة الصادقة في إقامة علاقة تعاون وصداقة طويلة الآمد تعتمد على مبدأ المساواة في السيادة والحقوق والمبادئ الواردة في ميثاق الأمم المتحدة والمصالح المشتركة بينهما . وكذلك السعي لكي يعود العراق الى مكانته القانونية الدولية وتخليصه من أحكام الفصل السابع من الميثاق المذكورالذي فرض عليه ابتداء بموجب قرار مجلس الأمن الدولي 661 لسنة 1991 وصولاً للقرار رقم 1790 . وتهدف الاتفاقية كذلك الى إنجاح العملية السياسية وتعزيز المصالحة الوطنية في إطار العراق الفيدرالي وبناء اقتصاد متنوع ومتطور يضمن إدماج العراق في المجتمع الدولي . فضلاً عن أن العلاقة طويلة الآمد تشمل المجالات الاقتصادية والدبلوماسية والثقافية والامنية والتي من شأنها المساهمة في تعزيز وتنمية الديمقراطية في العراق وسلامة الشعب العراقي والذي سينعكس على السلام في محيط العراق الاقليمي .

تضمنت الاتفاقية عشرة أقسام تناولت المبادئ العامة للتعاون ، والتعاون السياسي والدبلوماسي ، والتعاون الدفاعي الأمني ، والتعاون الثقافي ، وفي قسمها الخامس تناولت التعاون في مجالي الاقتصاد والطاقة والذي يعد أوسع أقسام الاتفاقية والأكثر تفصيلاً ، فضلاً عن التعاون الصحي والبيئي ، وكذلك التعاون في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ، وفي قسمها الثامن تضمن التعاون في مجال القانون والقضاء ، ونظم القسم التاسع عمل اللجان المشتركة ، كما بين القسم العاشر جواز إبرام اتفاقيات أو ترتيبات إضافية تسهل تنفيذ أحكام هذه الاتفافية . وتختتم الاتفاقية قسمها الأخير المتضمن الاحكام الختامية ، ومن ضمن الأحكام الختامية جاءت النصوص المتعلقة بأنهاء العمل بهذه الاتفاقية .

هذا باختصار كل ما تضمنته الاتفاقية ، والاجراءات الواجبة لنفاذها ، ووضعها موضع التنفيذ ، وهنا ينهض السؤال موضوع مقالنا هذا : وهو كيف يتم انهاء العمل بهذه الاتفاقية ؟ وما هي الآلية القانونية المطلوبة لذلك ؟ وقبل الإجابة على هذا السؤال لا بد من المرور على المعطيات التالية بغية الوصول الى الاجابة المقصودة : 1 – اتفاقية ( فيينا ) لعقد المعاهدات 1969 ، فقد تضمن القسم الرابع الاجراءات الواجبة الاتباع في حالات بطلان المعاهدة أو إنهائها او الانسحاب منها او ايقاف العمل بها ، اذ بينت المادة 70 منها الآثار المترتبة على إنهاء المعاهدة في حالة عدم النص على كيفية انهاء المعاهدة تلك ، والآثار المترتبة للإبطال في حالة كونه يتعارض مع القواعد الدولية الآمرة وهو ما تضمنته المادة 71 منها . 2 – ان اتفاقية الإطار الستراتيجي أبرمت تحت ظل القانون رقم 111 لسنة 1979 قانون عقد المعاهدات الذي كان ساري المفعول حينئذ ، قد نصت الفقرة (5) من المادة الحادية عشرة منها على طريقة إنهاء المعاهدة . 3 – صدور القانون رقم 35 لسنة 2015 وبموجبه ألغي قانون المعاهدات رقم 111 لسنة 1979 ، إلا ان القانون الجديد أبقى ذات النص الموجود في القانون الملغي وهو لزوم النص في الاتفاقيات الثنائية على : ( طريقة إنهاء المعاهدة ) . ومعلوم أن الأخير يعد من القوانين التي اشترط الدستور سنها على وفق أحكام الفقرة رابعاً من المادة (61) منه .

وأمتثالا لهذه النصوص التشريعية فأن اتفاقية الاطار الستراتيجي قد نصت في الفقرة (2) من القسم الحادي عشر المدرج تحت عنوان أحكام الختامية منها على : ( تظل هذه الاتفافية سارية المفعول ما لم يقدم اي من الطرفين إخطاراً خطياً للطرف الآخر بنيته على انهاء العمل بهذه الاتفاقية . ويسري مفعول الانهاء بعد عام واحد من تاريخ مثل هذا الاخطار ) . عليه فأن انهاء العمل بالاتفاقية الثنائية جائز على وفق النظام التشريعي العراقي ، وهذا الجواز القانوني يستوجب توجيه إخطار ( انذار) الى الطرف الثاني في الاتفاقية مبين فيه انصراف إرادة المخطر الى إنهاء العمل بالاتفاقية تلك ، ولا يسري مفعول الإخطار لفعل الإنهاء إلا بعد عام واحد من تاريخ الإخطار المفترض أن الطرف الآخر قد تبلغ به ، لكي تبدأ مدة سريان العام الواحد . ويفهم من هذا النص أيضاً أن للطرف المخطر أن يرجع عما تضمنه إخطاره لكي تستمر المعاهدة بالسريان . اي قبل انتهاء العام الواحد الذي نصت عليه الاتفاقية .

الكيفية الواجبة التطبيق لهذا النص على اتفاقية الإطار الستراتيجي : أي من هي الجهة المكلفة بتوجيه الإخطار الى الطرف الآخر ؟ وبالرجوع الى نص الاتفاقية نجد ان من مثل الطرف الاول في الاتفاقية هو وزير الخارجية في ذلك الوقت ، وهو أحد أعضاء الحكومة حينئذ لذا فان الطرف الأول في الاتفاقية هي الحكومة العراقية ممثلة بوزير خارجيتها ، وللحكومة الصلاحية القانونية لدراسة موضوع الاتفاقية فأن وجدت أن هذه الاتفاقية تعود بالنفع على الشعب العراقي وأن أسباب إبرامها لا زالت قائمة فانها والحالة هذه تمضي بالتمسك بها . أو إذا ما تحقق لها خلافاً لما تقدم وإن الاتفاقية غير مجدية وتسبب ضرراً للشعب العراقي ، فتعزم على المباشرة بانهائها ، والعمل الأول الذي تقوم به هو توجيه إخطار الى الطرف الآخر في الاتفاقية يتضمن الرغبة والإصرار على إنهاء العمل بها .

إن الطرف الأول في هذه الاتفاقية هي الحكومة العراقية . ولما كانت الحكومة العراقية الحالية مستقيلة وعهد إليها تصريف الأمور اليومية فهذا يعني إنها لا تتمتع بصلاحية توجيه الإخطار ، لأن توجيه الإخطار في مثل هذه الحالة يخرج عن تصريف الأعمال اليومية وحسبما استقر عليه فقه واحكام القانون الدستوري بشكل خاص وفقه وأحكام القانون الدولي بشكل عام . عليه تكون حكومة السيد عادل عبد المهدي منزوعة الصلاحية في هذا الموضوع . ولا تستطيع توجيه الإخطار الى الطرف الاخر في الاتفاقية للسبب المذكور أعلاه .

لذا نكون والحالة هذه بانتظار الحكومة القادمة ذات الصلاحيات الكاملة التي يجوز لها توجيه الإخطار الى الطرف الثاني في الاتفاقية . فاذا ما تم توجيه الإخطار وبقت الحكومة مصرة عليه ومن دون تراجع ، وأنصرم العام الواحد ، فهل تعد الاتفاقية منتهية ؟ الرأي لدينا أن الاتفاقية لم تعد منتهية رغم صراحة النص بل يكون من الواجب ايقاف العمل بها بمجرد انقضاء العام الواحد ، لكون الحكومة لا تملك الصلاحيات التشريعية لالغاء القانون الذي صادق عليها ، إذ من غير المقبول قانوناً أن تنتهي الاتفاقية في حين أن القانون المشرعن لها لا زال ساري المفعول . لذا والحالة هذه فإن الكرة تلقى في مجلس النواب لكي يقوم باصدر قانون يلغي بموجبه قانون التصديق الصادر بالعدد 52 لسنة 2008 بعد استيفاء كافة الشروط القانونية والموضوعية بما في ذلك النصاب لاصدار مثل هكذا تشريع .

ولو اسلمنا جدلاً أن مجلس النواب أصدر تشريعاً بالغاء القانون رقم 52 لسنة 2008 ووضع موضع التطبيق ، وأصبح العمل بهذه الاتفاقية منتهياً فإن هذا التشريع لا يستطيع أن يلغي الآثار التي رتبها التصديق على الاتفاقية . أي لا يجوز لهذا التشريع أن يؤثرعلى أي حق أو التزام أو مركز قانوني للأطراف نشأ نتيجة تنفيذ الاتقاقية وقبل انهائها ، بل يشترط البقاء عليها والمحافظة على الحقوق والالتزامات والمراكز بعد ذلك ما دامت متفقة مع القواعد القانونية الدولية الآمرة المشار اليها في اتفاقية ( فيينا ) 1969 . فضلاً عما تقدم فإن الأعمال التي تم تنفيذها بحسن نية لا يمكن اعتبارها غير مشروعة بمجرد إنهاء الاتفاقية . إن هذه الآثار المترتبة على تنفيذ الاتفاقية ، يجب أن لا تنسينا ايضا الآثار المترتبة على إلغاء الاتفاقية المتعلقة بالحقوق والواجبات ، فالغاء الاتفاقية له آثاره القانونية أيضاً .