مات لوران غاسبار أهم شعراء العالم

Monday 13th of January 2020 07:38:32 PM ,
العدد : 4588
الصفحة : عام ,

ناجح المعموري 

توفي الشاعر الفرنسي الكبير لوران غاسبار يوم 10/ تشرين الاول /2019 وبفترة متقاربة مع تاريخ وفاة رامبو ولوران غاسبار أحد أهم شعراء العالم الذين ارتبطوا بالعالم العربي ،

وعاش تاريخاً طويلاً في مدينة القدس وغادرها بعد 1967 واستقر في مدينة دمشق ومنها الى ومنها الى تونس ، رأى المدن العربية بعيني الشاعر الذي ما يلتقط كل ما لا يراه الآخر ، ويصطاد رموز الأماكن التي انشغل بها وتعامل معها سردياً ، لكنها ذات طاقة شعرية متجوهرة ، أثارت اهتمام القليل جداً من الأدباء الذين قرأوا شعره وتعرفوا على تجربته الخاصة والاستثنائية . نشر غاسبار سنة 1987 عندما كان في تونس كتابه المهم " أوراق وملاحظات " كشف عن تجربة فريدة مكونة عن تخيلات للأمكنة وفحص جواهرها والمشاهد البارزة ، وكشف عن المخفي فيها ، وكتب عن عديد من المدن مثل دقة وتكرونة ، حلب والقدس ، أثينا وقنية ، ايقظتها ذاكرة غاسبار هذه المدن وأفضت عن كشوف سردية هيمن الشعر عليها وتمظهرات المراحل / التواريخ / الفصول والمتغيرات التي تحصل دائما .

" سأغويها وأقودها الى الصحراء " هذا أكثر العناوين التي اختارها غاسبار ضمن كتابه " أوراق وملاحظات " الغواية والذهاب نحو الصحراء ، مثيرة بسبب شفافيتها ومرونتها وانفتاحها على القراءة والتأويل . وواضح بأن المؤنث غير معلن عنه ، ربما هي امرأة أو مدينة لكن المهم هم الحلم بالتوجه الى الصحراء ، حيث التكوين الأول ، عندما ظل فيضاً من الغمر ، وتحولت لاحقاً الى صحراء مفتوحة على أحلام الرحالة والمستشرقين . وحتماً تمثل الصحراء لديه فضاء فسيحاً للتصوف والإقامة بعلاقة مع المطلق الذي عاش كثيراً من التجليات والاشراق وتمثل الصحراء روح الميتافيزقيا وتسامي التخيلات التي ذهبت نحو الأساطير والعقائد والطقوس ، ووجدت بينها معا وشكلت حواراً جديداً امتد للماضي وذهب للحاضر وصاغ سلماً حياتياً ، وربما كان سبب الاغواء للمؤنث والذهاب نحو الصحراء الحلم بالسلم الأبدي والخلاص من الحرب التي طردته من القدس ، وعاف وراه السلم الأول المؤنث واتجه نحو دمشق وتونس . ترك مكانه الأول الذي دمرته الحرب وارتضى التعايش مع أمكنة نظيفة من الحروب والسوادات . هذا شاعر كبير ، لم تعرفه نوبل وحتماً لقبوله للهوية العربية وعناصرها الكبرى المكونة لها وكراهيته لإسرائيل التي افسدت عليه هدوء الأماكن القدسية وسودت شعريتها بالقتل والخراب . لوران غاسبار واحد من أهم شعراء العالم ، لا بل واحد من الذين في الصف الأول . ولا أحد يعرفه في العراق هذا ما تاكد لي وأنا أسال عنه كل الذين أعرفهم وآراهم في اتحاد الأدباء وهو أمر مثير للدهشة .

مات غاسبار في مأوى للمسنين عن عمر يقارب 94 عاماً وأمضى سنواته الأخيرة ــ كما قال حسونة المصباحي ــ فاقداً للذاكرة بسبب الزهايمر .

هويته مكونة من عناصر عديدة ، أصوله رومانية / ومحرية لكنه عاش في فرنسا وتعلم لغتها وصارت وسيلته لكتابة الشعر . ذهب الى باريس بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وغادرها حياً بعد قضى زمناً طويلاً على الجبهة الروسية . وعمل جرّاحاً في مستشفى " شارل ديغول " بالعاصمة التونسية وساختار جزءاً من نص ترجمة حسونة المصباحي والذي له كل الفضل للتعريف به وأنا واثق بان هذا النص هو الوحيد الذي اختارته صحيفة العالم ونشرته يوم 15/10/2019 وهو نص يستشرف علاقة الكائن والمكان . وتوزعه بين أماكن عديدة ، وتعرف على المنفى ، لأنه مكان يغيره ، ومع كل علاقته الثقافية مع الأمكنة العربية فهو منفي فيها ، لانه اجنبي .

لست منفياً 

لست أجنبياً

متضامن مع الناس ومع الحيوانات 

متضامن مع الحياة ، مع الطين 

مع الصخرة والحقول والغابات وغابات الكواكب 

متضامن مع بذرة القبيلة الكبيرة والرمال والحصى 

وكل خلية حية 

وتويجات أزهار في الريح 

متضامن مع الفرح والوجع 

متضامن مع وطن الفكر لامتناه

مع معرفة محدودة 

فرجات لفكرنا الذي انتهى

متضامن مع جهل مشترك 

رغبتنا اللامتناهية في الإدراك والفهم 

متضامن مع كل نور ومع كل وعد بالنور 

شاهداً على نفسه أو على الليل ،

مع بعض الساعات التي فيها تتنفس 

الصخور في صحراء سيناء 

متضامن مع وطن حركة لا متناهية ،

مع حدود الهنا والآن المتعددة 

لست منفياً 

لست أجنبياً .