مفهوم المخالفة الدستورية في التشريعات وفي تصرفات السلطة

Tuesday 14th of January 2020 06:51:26 PM ,
العدد : 4589
الصفحة : آراء وأفكار ,

القاضي سالم روضان الموسوي

إن المخالفة الدستورية كما عرفها فقهاء القانون الدستوري هي العيب الذي يلحق بالتشريع عند إصداره من جهة الموضوع لمخالفته نصاً دستورياً صريحاً أو من جهة الشكل لمخالفته الإجراءات التي رسمها الدستور لتشريع القانون،

كما يسري مفهوم المخالفة الدستورية إلى التشريعات الفرعية الأخرى الأخرى المتمثلة بالانظمة والتعليمات التي تصدرها السلطة التنفيذية المتمثلة بالحكومة بالمقدار الذي يسمح به وعلى وفق أحكام الفقرة (ثالثاً) من المادة (80) من الدستور المتعلقة بصلاحيات مجلس الوزراء التي جاء فيها الآتي (إصدار الأنظمة والتعليمات والقرارات، بهدف تنفيذ القوانين) وجزاء ثبوت تلك المخالفة هو الحكم بعدم دستورية هذا التشريع سواء كان قانون أو نظام أو تعليمات صادرة بموجب المادة أعلاه، إلا أن من يقرر هذه المخالفة ويقضي بعدم دستورية القانون هي المحكمة الاتحادية العليا في العراق لأنها المختصة في الرقابة الدستورية على القوانين والأنظمة والتعليمات على وفق أحكام المادة (93/أولا) من الدستور، ولا يجوز لغيرها أن تمارس هذا الاختصاص لأنه اختصاص حصري لها، لكن قد يحدث أن يتصرف مسؤول في إحدى سلطات الدولة تصرف ينطوي على مخالفة دستورية فإن هذا الأمر فيه اختلاف عن المخالفة الدستورية في التشريعات باعتباره عيباً من العيوب الدستورية، وتكون مخالفة المسؤول المذكور بنوعين أما الامتناع عن أداء واجب نصّ عليه الدستور أو القيام بعمل مخالف لدستور كما إن جهة المحاسبة التي تتولى تثبيت المخالفة الدستورية في ذلك التصرف تختلف حسب نوع التصرف وسأعرض لها على وفق الآتي :

1. القيام بعمل يخالف الدستور : إن بعض المسؤولين من الذين تقلدوا المناصب السيادية ويتمتعون بالحصانة قد يقومون بأفعال مخالفة للدستور وإنها تشكل جريمة يعاقب عليها القانون، فإن الدستور العراقي لعام 2005 قد جعل الجهة المخولة بتثبيت تلك المخالفة والمحاسبة في جهتين دستوريتين الأولى السلطة التشريعية بموجب مهامها واختصاصها الرقابية، والجهة الثانية هي القضاء الدستوري المتمثل بالمحكمة الاتحادية العليا، ومثال ذلك سعي أي مسؤول إلى تقويض النظام الدستوري سواء بإلغاء الصفة الديمقراطية للحكم أو تفكيك النظام الاتحادي أو غير ذلك من المبادئ الأساسية التي اقسم عليها عند توليه المنصب، فإن ذلك المسؤول ومنهم رئيس الجمهورية إذا ما ارتكب ذلك الفعل ويكون معرضاً للمحاكمة عن جريمة انتهاك الدستور الوارد ذكرها في المادة (61/سادساً/أ) من الدستور وفيها منحت المحكمة الاتحادية العليا سلطة إدانته أي تجريمه وتثبيت ارتكابه لهذه الجريمة، ومن ثم يتولى البرلمان معاقبته بالإعفاء من منصبه وعلى وفق التفصيل الوارد بالمادة المذكورة آنفاً، ويسرى هذا الأثر على رئيس وأعضاء مجلس الوزراء فيما إذا ثبتت عليهم المخالفة الدستورية فان مجلس النواب له الصلاحية بمحاسبتهم عن طريق الآليات الدستورية التي رسمها الدستور لأن الدستور العراقي قد اوجد جهة الرقابة البرلمانية التي تتولى مراقبة نشاط السلطة التنفيذية ومحاسبتها سياسياً حيث منح الدستور لمجلس النواب سلطة استجواب رئيس مجلس الوزراء أو الوزراء فإذا ثبت للمجلس وجود مخالفات دستورية في عملهم سواء بحكم الرقابة البرلمانية أو من خلال أحكام المحكمة الاتحادية العليا، فانه يملك صلاحية استجوابهم ومن ثم يقرر سحب الثقة عنهم إن توفرت الأسباب وتحقق النصاب وعلى وفق أحكام المادة (73/سابعاً) من الدستور، ويذكر إن المحكمة الاتحادية العليا كانت قد ثبتت مخالفة دستورية على الحكومة عندما لم تنجز التعداد العام للسكان ضمن المدة المحددة في قانون الموازنة لعام 2009 في موعد لا يتجاوز 31/12/2010من الدستور واعتبرت ذلك بمثابة مخالفة دستورية تم تثبيتها بموجب قرارها العدد 69/ اتحادية/2009 في 1/2/2010 وكان بإمكان مجلس النواب محاسبة الحكومة بكامل كابينتها عن تلك المخالفة إلا أنه لم يمارس ذلك بحكم ما يملك من صلاحية.

2. مخالفة الامتناع عن أداء واجب قرره الدستور: بعض الأعمال التي يتولاها الأفراد الذين يتولون المناصب في الدولة تكون منظمة بموجب نصوص دستورية مثل رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء حيث جاء في المادة (73) من الدستور ذكر المهام التي يتولاها رئيس الجمهورية وهي واجبات دستورية ملزم بها فإذا امتنع عن أداء إحداها أو جميعها فإن الدستور رسم عدة طرق لإيقاع الجزاء المترتب على ذلك منها اعتبار امتناعه عن أداء واجبه بمثابة قبول مثال ذلك امتناع رئيس الجمهورية عن التصديق على القانون الذي يسنه مجلس النواب خلال خمسة عشر يوم من تاريخ تسلمه فإذا تجاوزت المدة الدستورية أعلاه ولم يصادق على القانون ويقرر إصداره فان الدستور اعتبر ذلك الامتناع بمثابة القبول ويعتبر القانون مصادق عليه وعلى وفق أحكام المادة (73/ثالثاً) من الدستور ولا حاجة لأي جهة أخرى تقرر ثبوت المخالفة لأنها مفترضة بحكم النص الدستوري وجزاؤها ثابت بحكم ذات النص الدستوري المشار إليه في أعلاه، كذلك تكون المخالفة الدستورية بامتناع المسؤول في السلطة عن أداء واجب معين ومحدد بنص دستوري لكن الدستور لم يقرر جزاءً معيناً على تلك المخالفة مثال ذلك قيام رئيس السن في مجلس النواب باستمرار الجلسة الأولى لمجلس النواب لأمد غير محدود تحت عنوان " الجلسة المفتوحة" على خلاف ما جاء في المادة (54) من الدستور، إلا أن الدستور لم يقرر ماهية الجزاء المترتب على هذه المخالفة وهنا تكون المحكمة الاتحادية العليا هي الجهة المختصة بتثبيت المخالفة وتحديد الجزاء المترتب عليها وهذا ما قررته المحكمة الاتحادية العليا في قرار الحكم العدد (55/اتحادية 2010) في (24/10/2010 ) الذي ألزم رئيس مجلس النواب رئيس السن بقطع الجلسة المفتوحة والالتزام بالمدد الدستورية، إلا أن هذا التصرف انطوى على مخالفة إدارية من قبل شخص رئيس مجلس النواب الأكبر سناً (رئيس السن) لكن هذه المخالفة لا ترقى إلى مستوى الجريمة التي يعاقب عليها القانون وإنما تشكل إثماً إدارياً. أو امتناع رئيس الجمهورية عن تكليف شخص معين لتولي رئاسة الوزراء على وفق الآليات التي رسمتها المادة (76) من الدستور وخلال المدة المحددة فيها، فان تجاوز رئيس الجمهورية تلك المدة أو امتنع عن أداء الواجب بتكليف شخص لرئاسة الوزراء فإنه يكون قد امتنع عن أداء واجبه الدستوري وارتكب مخالفة دستورية وهذه يتم تثبيتها من خلال الرقابة السياسية التي يمارسها مجلس النواب وأن يطلب اتخاذ الإجراءات الدستورية باعتباره قد انتهك الدستور إن توفرت الأسباب وله أن يتهمه بارتكاب جريمة انتهاك الدستور على أن يجري ذلك بموجب قانون يتم تشريعه يبين كيفية محاكمة رئيس الجمهورية أمام المحكمة الاتحادية العليا لأن نص المادة (93/سادساً) من الدستورية أقرنت محاكمة رئيس الجمهورية بوجوب تشريع قانون ينظم ذلك وعلى وفق النص الآتي (الفصل في الاتهامات الموجهة إلى رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الوزراء والوزراء، وينظم ذلك بقانون) وهذا ما قضت به المحكمة الاتحادية العليا في قرارها العدد 41/اتحادية/2017 في 13/6/2017 الذي جاء فيه الآتي (الذي قضت فيه برد دعوى المدعي وذلك لعدم صدور قانون ينظم عملية الاتهام والمحاكمة لرئيس الجمهورية لغاية الآن مما يجعل النظر في الدعوى خارج اختصاصها الذي لا ينعقد إلا بصدور ذلك القانون)

ومما تقدم نجد إن التطبيقات لمفهوم المخالفة الدستورية في العراق قد توفرت في أكثر من مناسبة سواء على مستوى التشريع او التصرف الصادر عن المسؤول في السلطة، إلا أن دور المحاسبة يكاد يكون فعال في الجانب الرقابي القضائي على دستورية التشريعات ومنعدم في مجال الرقابة البرلمانية لمحاسبة من يخالف الدستور سواء بالامتناع عن أداء واجب دستوري أو القيام بعمل مخالف للدستور.