العمود الثامن: عبد المهدي الذي هزم كورونا

Monday 27th of January 2020 10:15:00 PM ,
العدد : 4598
الصفحة : الأعمدة , علي حسين

 علي حسين

في ظل هذا البؤس الذي لا يريد ان يفارق بلاد ما بين النهرين، تحولت مأساة شباب الاحتجاجات إلى موضوعٍ للمزايدة.

يجهز عادل عبد المهدي قواته ومعها جماعات مسلحة خفيفة ولطيفة لحرق خيم المحتجين وإطلاق الرصاص على أجسادهم، فيخرج ثلاثة من قادة البلاد يستنكرون: "ياجماعة ما يصير هذه إساءة للديمقراطية ! "، يصمت عادل عبد المهدي أو ينام كعادته، فيما قوات مكافحة "الشعب" تعتدي على الفتيات وفي وضح النهار وأمام وسائل الإعلام، وكأن وزير الداخلية يصر على أن يمارس المهزلة الأمنية دون أن يسأله أحد: ماذا تفعل؟ .

إن واقعة ضرب الفتاة والإجهاز عليها عند بناية أمانة بغداد كشفت أولئك المتبجحين بالقيم والأخلاق، والذين يصرخون أن ساحة التحرير بها مخالفات شرعية واجتماعية.

يكتب ألبير كامو في روايته الطاعون: حين يعم الوباء تزحف المقابر إلى قلب المدينة.. تذكرت رواية كامو وأنا أقرأ ماذا يفعل فايروس "كورونا"، وكيف جندت الصين كل جهودها للقضاء عليه، في الوقت الذي اعتبرت فيه الطبقة السياسية الاحتجاجات نوعا من أنواع الوباء أصاب المواطن العراقي "المؤمن" الذي لاينام إلا وصورة نوري المالكي وصالح المطلق وعادل عبد المهدي تحت الوسادة، فساستنا الأشاوس بدلا من أن يحاوروا الشباب للوصول إلى هدف مشترك، سلطوا عليهم الجماعات المسلحة التي تتباهى علنا بقتلهم، وأوعزوا إلى قوات الأمن أن تحارب أعداء العراق الذين يريدون الخراب للتجربة السياسية العراقية. 

العالم يعيش هاجس الخوف من وباء "كورونا" ، بينما نحن نعيش مع وباء "سياسيي الصدفة" الذين ينشرون كل يوم أنواعا جديدة من وباء السرقة والانتهازية واللصوصية والقتل والخراب.. حين ينتشر الطاعون في رواية ألبير كامو نجد الساسة والمواطنين يصبحون أسرى داخل المدينة، فيما يبدل الوباء معالم العلاقات بينهم، فنحن هنا لسنا إزاء مرض قاتل فقط، وانما بمواجهة التغيير الذي يحصل في علاقات الناس، فالمسؤول يبيع للناس طمأنينة زائفة مقابل أن يحصل على مزيد من الثروات مستغلا خوفهم وقلقهم، ورجل دين يدعوهم إلى طريق الهداية، فالطاعون غضب من الخالق على عباده المنحلين، فيما البسطاء يدفعهم الخوف إلى التخلي عن مصالحهم الشخصية لمساعدة الآخرين.

في موسوعته الكبيرة "صعود وسقوط الإمبراطورية الرومانية" يخبرنا المؤرخ إدوارد غيبون بأن الإمبراطوريات تسقط عندما يستبيح الحاكم لنفسه عمل كل شيء باسم القانون، وأيضا عندما يستبيح الحاكم لنفسه استعباد الناس وقهرهم تحت شعارات الوطنية والقومية.. تسقط الدول حين يفتح الحاكم أبواب التنكيل والتهميش والإقصاء والقتل، ويغلق نوافذ التسامح والمحبة ، وتعمر البلدان حين يؤمن حكامها بأن الحرية حق، والأمان حق، وحب الحياة حق، وتصاب بالخراب حيت يخرج فيها شخص مثل ريان الكلداني يقول نريد رئيس حكومة يحصر السلاح بيد الدولة ، هذه اخر نكات الوباء