مصابون.. بـ(الحول العقلي)

Tuesday 28th of January 2020 07:58:35 PM ,
العدد : 4599
الصفحة : آراء وأفكار , د.قاسم حسين صالح

 أ.د.قاسم حسين صالح

(الحول العقلي) مصطلح جديد نحتناه في علم النفس العربي ليصف واقع الحال الذي عاشه ويعيشه العراقيون بعد 2003..

ونقصد به تحديداً،إن المصاب بهذا الحول يرى الإيجابيات في جماعته ويغمض عينه عن سلبياتها،ويضخّم سلبيات الجماعة الأخرى ويغمض عينه عن ايجابياتها..وكما يرى أحول العين الواحد أثنين ولا يمكنك أن تقنعه أنه واحد،كذلك أحول العقل يرى ان جماعته على حق والأخرى على باطل ،وان هذه الأخرى هي سبب الأزمات مع أن جماعته شريك فيها.

كنت تابعت الأحداث بعد 2003 فوجدت أن العقل السياسي العراقي منتج للأزمات وغير قادر على حل المشكلات،لأن الإدمان على الأزمات كالادمان على المخدرات..ففي الحالتين يحدث للعمليات العقلية في الدماغ برمجة ثابتة تجعله يعتاد على تفكير نمطي محدد يجبره على تكراره،وأنه مصاب بالدوغماتيةDogmatism التي تعني الجمود العقائدي أو الانغلاق الفكري الذي يعدّ أحد أهم وأخطر أسباب الأزمات السياسية والاجتماعية،و(مرض)خالقي الأزمات من القادة السياسيين.

كان هذا الحول العقلي مقتصراً على الغالبية المطلقة من الحكّام الذين استلموا السلطة بعد 2003،لدرجة انهم كانوا(المعارضة) يرون أن العراق من حقهم فقط،والآخرون لا حق لهم فيه!.وبدءاً من عام 2008 انتشرت عدوى هذا الحول لتصاب به كتل سياسية وفصائل مسلحة،كل واحدة ترى أن فكرها..عقيدتها..رؤيتها للأمور هي الصح والأخرى زندقة أو ضلالة أو غباء..واشتد هذا الحول في 2019 ليوصل الجميع بأن الحكم للسيف لا للعقل..فحصد السيف رقاب مئات الآلآف بينهم قادة قوم وشباب فكر وأبرياء وصبايا وأحداث..وأمهات وحبيبات مفجوعات.

وباستثناء ثلاث مكونات اجتماعية : المرجعية الدينية،والتقدميين الذين يمتلكون منظوراً إنسانياً،والمحبون للعراق وطناً للجميع، فأن غالبية العراقيين مصابون بالحول العقلي،أخطرهم اولئك الذين توزعوا على مسميات وعناوين وسلطات لا تخضع لسلطة الدولة، كل واحدة ترى أنها هي الحق وهي الأصلح لحكم البلد مع أن كلها لا تصلح، لأن من يتحكم به الحول العقلي لا يستمع لنصائح العلماء المخلصين لدينهم ولا يأخذ بمشورة حكماء القوم،بل يتفاهم معك بالسيف إن خطّأت فكرته.

وشيوع الحول العقلي يؤدي بالسياسيين الى أن تتحكم بهم عقدة الشك المرضي بالآخر(البرنويا) وتفسير أفعال الآخرين على أنها تآمر،فيما تؤدي بالناس الى التفتيش عن عيوب الآخر، فضائحه، قضم السمعة، التشهير..وإشاعة الهوس والهستيريا،والشعور بالكراهية الذي يؤدي سيكولوجيا الى الحقد وتفعيل دافع الانتقام ،فيما يشيع عند آخرين موسيقى وأغان ومحبة فيختلط (الحابل بالنابل) في مشاهد لو رآها عاقل لوصفها بأنها أغرب مسرحيات ما بعد اللامعقول!

والحل..هل لهذا الحول العقلي من علاج؟

لو كانت الأصابة به مقتصرة على جماعة محدودة لكان العلاج ممكناً،لكن ان يصيب ملايين الناس في مجتمع تتعدد فيه السلطات وتضعف فيه سلطة الدولة فان العلاج غير ممكن الآن،ما يعني ان العراقيين سيبقون يدفعون ثمن هذا الحول العقلي خيبات وفواجع الى أن تنجح القوى السليمة منه المجيء بحكومة تكون فيها السلطة للدولة فقط وليس لقادة سلطات المصابين بالحول العقلي.