موسيقى الاحد: القدر وبيتهوفن

Saturday 8th of February 2020 06:49:08 PM ,
العدد : 4606
الصفحة : عام ,

ثائر صالح

هذا العام هو العام اليوبيلي لميلاد بيتهوفن، أحد أعظم المؤلفين الموسيقيين. فقد ولد في بون الألمانية في كانون الأول 1770.

لذلك ازداد الاهتمام به، رغم أنه لا يحتاج الى زيادة الاهتمام أصلاً. سيمفونية القدر – الخامسة هي واحدة من أهم أعمال بيتهوفن، ومن الأعمال التي تقدم بكثرة وعلى الدوام منذ تقديمها للمرة الأولى في الحفل الأسطوري الشهير الذي أقيم يوم 22 كانون الأول 1808. فقد قدمت للمرة الأولى سوية مع السيمفونية السادسة وكونشرتو البيانو رقم 4 وفنتازيا الكورال الى جانب أعمال أخرى على قاعة المسرح على [نهر] فيينا، وهو مسرح افتتح سنة 1801 ويقع على ضفة نُهير فيينا (ومن هنا جاء الاسم) في منطقة مارياهيلف الشهيرة. وقد غطي جزء كبير من النهير النهر اليوم فغدا يسير تحت الأرض، ويقع فوق الجزء المغطى سوق ناش الشهير القريب من المسرح. دامت الأمسية لأربع ساعات متواصلة في القاعة الباردة بمشاركة الأوركسترا والكورس والمغنين المنفردين، بينما كان بيتهوفن نفسه من عزف البيانو في الكونشرتو الرابع. لربما كانت تلك اللحظات التي مرت خلال الساعات الأربع تمثل قمة ما وصله بيتهوفن من نجاح في فيينا. 

بدأ بيتهوفن بوضع مخططاته الأولية لهذه السيمفونية في نفس فترة تأليفه لسيمفونيته الثالثة (1803 – 1804)، سوية مع مخططاته للسيمفونية الرابعة والسادسة وكونشرتو البيانو، وكذلك أوبراه فيديليو.

تبدأ السيمفونية بالموتيف (الثيمة اللحنية) المميز، وهي الضربات الأربع الأولى "قصيرة قصيرة قصيرة طويلة" التي سيطرت على كل الحركة الأولى المليئة بشحنة عالية من التوتر والدراما. 

الحركة الثانية البطيئة تتألف من سلسلة من التنويعات على لحن يتميز بالوقار والسمو، تقاطعه أحيانا مقطعين متناقضين قصيرين، هما مارش انتصار ولحن يثير الغموض في السامع.

تتميز الحركة الثالثة بوجود مقاطع للكونترباص تتطلب مهارة عالية، والحركة كلها أشبه بمرحلة انتقالية تمهد للحركة الأخيرة، مليئة بالترقب. وأخيراً تأتي الحركة الرابعة بعد تمهيدات طويلة، حركة مليئة بالعظمة والبهجة والنشوة تذكرنا بمشاعر الحركة الأخيرة من سيمفونية الكورال التاسعة. مشاعر نبيلة وسامية من قبيل نشوة التحرر من الظلم والانتصار على الطغاة والاخاء الإنساني – وهي مشاعر اكتسحت أوروبا بعد الثورة الفرنسية.

استعمل بيتهوفن في الحركة الأخيرة أدوات موسيقية لم تكن مستعملة إطلاقاً في الأوركسترا السيمفونية التقليدية، هي البيكولو (الفلوت الصغير) والكونتراباسون (مداها الصوتي أوطأ من الباسون العادي) والترومبون. بذلك كسر هذا التقليد المحافظ وفتح الطريق أمام توسيع الأوركسترا بأدوات جديدة لتعزيز إمكانات التعبير. ولم يستعمل السابقون الترومبون في الاوركسترا رغم كونها إحدى أقدم الأدوات النحاسية، وكانت مستعملة منذ عصر النهضة على وجه خاص في الموسيقى الكنسية، ولم تتغير منذ ذلك الحين إلا بشكل محدود.

السيمفونية مكتوبة بالسلم الصغير (دو الصغير) ويحمل الكثير من التأثر بأعمال الأساطين هايدن وموتسارت في هذا السلم. نرى (بالأحرى نسمع) أن بيتهوفن يستعمل عناصر بسيطة، وعدد قليل من النغمات (مثل النغمات الأربع الأولى) لكنه يبني منها صرحاً درامياً هائلاً عبر تفاعل متواصل. عظمة بيتهوفن تتجلى في قدرته الخارقة على التعبير عن العواطف المختلفة بشكل كثيف جداً عبر استعمال عناصر قليلة وحتى بسيطة أحياناً.