تكهنات وقرائن عن الوباء الفيروسي

Monday 10th of February 2020 07:35:05 PM ,
العدد : 4608
الصفحة : آراء وأفكار ,

د. جاسم الصفار

يعيش تلامذة ومدرسو القانون الدولي مع وهم يتصورون فيه أن العلاقات الدولية تبنى إما على نهج مثالي قائم على مبادئ إنسانية أو على مقاربة واقعية قائمة على المصالح،

الى أن ينتبهون يوما الى أن العامل الوحيد الذي يهيمن على المبادئ الجيوسياسية للولايات المتحدة الاميركية هو المصالح، على وجه التحديد مصالح أنانية وذاتية ضيقة، وجميع الوسائل الفعالة من أجل تحقيق تلك المصالح، مهما كانت خسيسة ولا إنسانية، هي من وجهة نظر قادة الولايات المتحدة الامريكية وسائل جيدة. عندها سيدركون بأنهم يسيرون في جنازة القانون الدولي لا بهدى مبادئه.

بادئ ذي بدء، دعونا نولي اهتماماً للولايات المتحدة وبنيتها العميقة، التي تسمى المؤسسة. هذه هي واحدة من الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، والتي في نهاية هذه الحرب نظمت استعراضاً مأساويا، غير مبرر، للقوة، بإلقائها القنابل الذرية على المدنيين في اليابان.

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، كانت الولايات المتحدة الاميركية، التي تستحوذ، حينها، على نصف الإنتاج العالمي، في وضع مريح تماماً من حيث هيمنتها على الاقتصاد العالمي. ومن أجل الحفاظ على مزاياها الجيوسياسية بعد الحرب وضمان إدارة العالم بطريقة تخدم مصالحها الخاصة، أوجدت نظام عالمي جديد قائم على الديمقراطية الليبرالية والتجارة الحرة، بكل مؤسساته التنظيمية والإدارية.

والأهم من ذلك، أن الولايات المتحدة بعد انتهاء الحرب أجبرت العالم على قبول الدولار كعملة عالمية ونظام مالي دولي جعل من العملة الاميركية أساسا في التبادل التجاري بين الدول، وهذا بالتأكيد لم يكن الا ليخدم مصالحها الخاصة ونظامها العالمي الجديد. 

ولكن هذا النظام العالمي الجديد بصيغته الاميركية التقليدية، الذي وافق وضع الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية وحتى انتهاء الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي ونظامه الاشتراكي العالمي، لم يعد مناسبا لأمريكا اليوم، بعد أن انخفضت حصة الولايات المتحدة في الإنتاج العالمي إلى 24 ٪. تغير الوضع الدولي وتغيرت معه مصالح امريكا، فأصبح هذا النظام العالمي، الذي تم إنشاؤه بعد الحرب العالمية الثانية ولمصلحة الولايات المتحدة، حينها، يتعرض للتهديد، اليوم.

بعد هجمات 11 سبتمبر، كان الهدف الجيوسياسي ذي الأولوية في الإستراتيجية الوطنية الأمريكية التي تهدف إلى قيادة العالم هو منع ظهور القوى أو التحالفات الاقليمية المؤثرة التي يمكنها أن تنافسها على الهيمنة في أي منطقة من العالم. ولكن الرياح لن تجري كما تشتهي السفن، كما يقال.

فعلى مدار العشرين عاماً الماضية، أحبطت الصين وروسيا هذه الخطط الأميركية. وأصبحت هذين الدولتين، وفقاً لمسؤولين أمريكيين، تعدان أخطر تهديد للنظام الدولي الذي أنشأته الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية. واعتبرت الولايات المتحدة نفسها في حالة حرب، غير ساخنة، مع روسيا والصين. وبما أن المقالة مخصصة لكشف جانب من تلك الحرب على الصين تحديدا، فاني سأتجنب الحديث عن العلاقات الامريكية الروسية في هذه المقالة، تاركا ذلك لفرصة أخرى.

بدأت الولايات المتحدة حربها على الصين في الجبهة الاقتصادية، محاولةَ كبح نمو الصين الاقتصادي، وإعاقة تنفيذ مبادرة "حزام واحد، طريق واحد"، والضغط من اجل خفض الإنتاج في هذا البلد. خاصة وانه لا خيار أمام امريكا إلا خيار الحرب الاقتصادية بعد أن أصبحت الحروب التقليدية الساخنة بين الدول الكبرى، شبه مستحيلة وكارثية نظراً لما تملكه هذه الدول من أسلحة نووية وتقليدية متطورة.

لذا تستخدم الولايات المتحدة ستراتيجيات غير مباشرة في الحرب ضد الصين. فهي تحيط بالصين في المحيط الهادئ بمساعدة أسطولها وحلفائها، وهي تعرقل محاولات الصين للالتفاف على مضيق ملقا، الممر الرئيس لتزويد الصين بالنفط، وتثير الاضطرابات العرقية والدينية في منطقة تركستان الشرقية، وتحول دون وصول الصين إلى أراضي أوراسيا، باستخدام العقوبات والحروب التجارية، لتقويض إنتاج الصين واقتصادها.

وقد اثار انتشار الوباء الاخير، فيروس كورونا أو فيروس ووهان، نسبة الى المدينة الصينية التي سجلت فيها بداية انتشار الفيروس، في ديسمبر/كانون الاول 2019، شكوكا كبيرة في الصين وغيرها، من أن تكون امريكا ضالعة في حرب بيولوجية على الصين، وفيروس كورونا واحدة من افرازاتها. وذلك لما لووهان من أهمية كبيرة من حيث موقعها في الصين وكثافة خطوط المواصلات التي تربطها بمدن الصين الأخرى والعالم إضافة الى اهميتها الاقتصادية.

عدا عن تلك القرائن التي تلقي ظلال شك على ظاهرة انتشار الفيروس في الصين، في هذه الفترة التي يستعد فيها سكان الصين للاحتفال بأعياد العام الصيني الجديد، فإن ما يجعل انتشار وباء فيروس الكورونا أشبه بهجوم بيولوجي في إطار حرب كبيرة على الصين، هو أن الفيروس ينتشر اعتمادا على نقاط ضعف في السلسلة الجينية للعرق الأصفر تحديداً.

وإلا، فكيف يمكن تفسير انتشار المرض بين الصينيين وحدهم في مدينة تغص بالمستثمرين الأجانب من الجنسيات الاوروبية، ويعمل فيها على مدار الساعة مطار يربطها بأوروبا. ربما هذا الواقع هو الذي دعا المحلل السياسي الروسي المعروف (فلاديمير سولوفيوف) من توجيه سؤال "بريء" الى ضيوف برنامجه من المتخصصين في الاوبئة الفيروسية، بعد منتصف ليلة 06 فبراير/شباط، " لماذا يكون ضحايا وباء فيروس كورونا من الصينيين فقط؟ "وبالمناسبة فان خطاب الرئيس الامريكي في مجلس الشيوخ، في جلسة الخلع أو التنحية، في 05 فبراير/شباط لم يتضمن أي كلمة عن الوباء مع أن الخطاب أحاط بالعديد من المشاكل العالمية.

وعلى أي حال، فإنها مجرد قرائن لا تمنحنا الحق في اتهام الولايات المتحدة الامريكية بتدبير أمر انتشار فيروس الكورونا في الصين في إطار حربها على هذا البلد. وحتى وإن كانت هنالك براهين على ضلوع امريكا في حرب بيولوجية على الصين فان امريكا سوف لن تعترف يوما بذلك، كما حصل مع روسيا، بحسب قناة التلفزيون الروسية الاولى.

فبعد اكتشاف الاستخبارات الروسية وجود 11 مختبراً بيولوجياً تابعة للناتو تدار من قبل خبراء امريكان في أوكرانيا، تجري تجارب على السلسلة الجينية للصرب، والروس تحديداً، في البيئة الحاضنة لها، وعند مفاتحة الجانب الامريكي والاستفسار منه عن الهدف من وجود تلك المختبرات، أجاب الامريكان بكل صلافة واستهتار، أن الهدف من وجود مختبرات الابحاث البيولوجية في اوكرانيا هو لتطوير الانتاج الزراعي الاوكراني (!!!!). 

ما من شك أن لوباء الفيروس الذي اندلع في الصين تأثير عميق على هذا البلد، من شأنه أن يؤثر بطبيعة الحال على إنتاجه وتجارته واقتصاده وأولوياته، والأهم من ذلك، على حياة سكانه. ولا يملك العالم، حتى هذه الساعة، دليلاً أكيداً يكشف الغموض عن أسباب نشوء وانتشار وباء فيروس الكورونا، ولا تكفي لذلك ثقتنا بان من يضع الخطط الجيوسياسية في مؤسسات الدولة العميقة في الولايات المتحدة الامريكية أناس ليس لديهم ضمير.... ولم يكن على مر التاريخ.