بعبارة أخرى: هوبي.. وكورونا.. وأولمبي!

Monday 17th of February 2020 08:04:00 PM ,
العدد : 4613
الصفحة : الأعمدة , علي رياح

 علي رياح

يتسبب وباء أو فايروس أو (مؤامرة) كورونا بإبادة الناس في الصين وغيرها . في كل يوم تغادر قافلة كبيرة من بني البشر هذه الدنيا تشتكي عجز فتوحات الطب عن إيجاد مَصد واحد يوقف هذا الزحف الدامي الذي لا يعلم إلا الله وحده إلى أين سيصل ، وكيف سيتوقف؟!

مقاطعة (هوبي) وعاصمتها ووهان تدفع الثمن الأفدح في هذه الإبادة .. وكلما تواترت أخبار الحصاد البشري المفجع ، عادت بي ذاكرتي إلى تفصيلات المباراة الوحيدة التي خاضها فريق كروي عراقي في مقاطعة هوبي ، وفي مدينة ووهان بالذات!

في شهر نيسان من عام 1999 وبينما كان الحصار يُضيّق كل فسحة ممكنة من المشهد الحياتي في العراق ، كان عليّ أن أرافق المنتخب الأولمبي العراقي في رحلة إلى الصين .. رحلة الوصول وحدها استوجبت ثلاثة أيام كاملة بين بغداد والمدينة الصينية الفارهة شنغهاي ، مرورا بعمان (برا) ثم الدوحة وأبو ظبي وبانكوك على الطائر الميمون!

وصلنا إلى شنغهاي ، وكانت في انتظارنا السيول ، وقد خسرنا المباراة الودية الأولى أمام الأولمبي الصيني بثلاثة أهداف دون رد بعد أن واجه فريقنا ظرفا قاهرا لا يمكن تخيّـله فضلاً عن احتماله .. وكان جدول الزيارة يضم مباراة ودية أخرى مع منتخب مقاطعة هوبي في قلب (ووهان) حاضنة كورونا اليوم ومُصدِّرته التعسة إلى البشرية كلها!

قبل إحدى وعشرين سنة لم يكن أحد قد سمع بالوباء ، أي وباء .. بدت المدينة هادئة هانئة نظيفة منتظمة الإيقاع ، لكننا حين دخلنا إلى الملعب قوبلنا بعاصفة هوجاء من الهتاف الذي لم أكن – بالطبع – أفهم معناه ، وكان موقف الصديق المدرب نزار أشرف مماثلا وكذلك الحال بالنسبة لرئيس الوفد الأخ بشار هشام وسائر الوفد .. لكنني رأيت حَرجا على وجه (إي يي وو) المترجم الصيني الذي كان يرافق منتخبنا وقد كان يحمل شهادة الماجستير في أحد موضوعات اللغة العربية ، من جامعة الأزهر!

لم يترجم لنا السيد (وو) عبارات الجماهير والتي كانت تبدو ساخطة على غير العادة .. ساخطة على أي شيء؟ لست أدري .. لكني فهمت منها أنها تطالب بإطاحة منتخب العراق ، واعتقد أن المشهد كله لم يكن يوحي فقط بالتعصب الكروي المعروف في كل بقاع الدنيا!

خضنا المباراة بفريق رائع كان يضم عدداً من أهم اللاعبين : كاظم حسين ، حيدر عبيد ، ، هيثم كاظم ، زياد طارق ، رياض مزهر ، هادي جابر ، أحمد حسين ، هاشم رضا ، عباس حسن وغيرهم .. والمفارقة هنا أن المدرب نزار أشرف ومساعده كريم محمد علاوي فوجئا قبل يوم المباراة بارتفاع حرارة اللاعب المحوري المهم رياض مزهر ، فتركنا له تماماً 

حرية المشاركة في المباراة أو الراحة ، لكنه رفض تماماً البقاء في الفندق وقال إنه جاهز لخوض المباراة ..

تشاء المقادير أن يكون رياض مزهر صاحب هدف الفوز الوحيد لنا في تلك المباراة ، بعد أن أهدرنا أربعة أهداف محققة ، فانقلبت الصورة تماماً على المدرجات ، إذ أحاط الآلاف بمنتخبنا مهللين ومهنئين .. لا أدري ما السر في هذا الانقلاب ، إلى درجة أن المشجعين جمعوا كل المزامير التي كانوا يصدحون بها في المدرجات وقدموها في أكياس كبيرة هدية إلى لاعبينا!

حين أبرقت بتفاصيل تلك المباراة من ووهان (المدينة المنكوبة اليوم) في مقاطعة هوبي ، كان هنالك في مقر اتحاد الكرة من يتندّر على شكل المباراة ويسخر من اسم الفريق قائلاً : نخسر مع منتخب الصين ثم نلجأ إلى (هوبي) وجماعته لتشكيل فريق أي كلام وخوض مباراة التعويض لتحسين الصورة!

كانت سخرية مريرة إذا علمنا أن كلمة (هوبي) في الجملة الأخيرة جاءت دلالة على اسم الإداري المميز هوبي الذي كان يعمل ساعياً في مقر الاتحاد .. بينما لم تفهم التعليقات الساخرة في وقتها أن هوبي مقاطعة صينية في غاية الأهمية كروياً واقتصادياً!!

إنه الجهل المطبق بالجغرافيا .. وبالتاريخ والاقتصاد أيضاً!