أسبريسو: دمٌ ساخن في مقبرة باردة

Wednesday 26th of February 2020 07:54:05 PM ,
العدد : 4620
الصفحة : الأعمدة , علي وجيه

 علي وجيه

أفرزتْ الحركة الاحتجاجيّة منذ 5 أشهر طبقةً شبابيّة جديدة، لم تخرج من العدم، لكنها تحفّزت وأعيد تمظهر وجودها بحكم التجربة المكثّفة في ساحات الاحتجاجات، التي رسّخت الوعي السياسي إلى حدٍ كبيرٍ من جهة، وصنعت ملامح أخرى لوجهة النظر الوطنيّة، التي صارت واقعاً ومفردةً أساسية في الخطاب اليوميّ، بعد أن كانت حُلماً في مزادات ملوك الطوائف، ومدمّري الدولة.

لا يعني هذا بكل تأكيد أن الموضوع صار يقيناً من شأنه الاعتماد عليه، لكنها بذرةٌ تنمو، وما يُساعد في نموّها منزوعو الأوطان الذين يحفّزون هذه التوجّهات بممارساتهم السلطوية البائسة، التي أثمرت حتى يوم أمس باستشهاد 3 شبّان في التحرير.

لعلّي أحلم، بأن تنتهي أحزابُ هذه السلطة وكوادرها العجوز، منذ مراهقتنا الأولى ونحن أمام كاركتر ثابت للسياسيّ العراقي: كبير السن، أصلع، يذكّرك منذ أول نظرة بجدّك أو مَن هو في سنّه، ولعلّ هذه الملامح كانت ثابتة منذ الجيل السياسيّ الأول، جيل مجلس الحكم ومَن تلاه.

هذه الأحزاب "الفضائيّة"، هي أحزاب سلطة، لا تحتوي على كوادر شابة، ولا على جماهير شبابية، مع استثناءات قليلة، ومَن يختار هذا الخيار بضخّ الدماء الجديدة، سيخسر الصقور القدماء، ويسقط في بعض الأخطاء بسبب الطبقة الشبابيّة الجديدة غير المتمرّسة تماماً، مثل حالة تيّار الحكمة.

ليس الطريق صعباً لأن تتصدّر كوادر شبابيّة السياسةَ العراقية، رغم أن مفهوم "الإزاحة الجيلية" الذي تتحدث عنه الأحزاب هو غالباً أكذوبة، بسبب قطبيّة هذه الأحزاب باتجاه "الزعيم"، الذي تهبه القبيلة، أو الأسرة، أو التاريخ.

لكن عجلة الزمن أقوى، والحتميّ يحدث، وما تحت الخيم في التحرير من كوادر سياسيّة، من شباب خرّيجين، وقرّاء ومثقّفين، من شأنهم أن يطلقوا حركاتٍ سياسية في السنوات هذه، لتكون النقيض لأحزاب السلطة الباردة، التي ينامُ أصحابها في التاسعة مساءً، وتكاد الدولة تقف في لحظتهم هذه، هذا إن بقيت دولة أصلا! 

ولعلّ من الملاحظ أنّ الكوادر الشبابية حتى في الأحزاب الراسخة، تُبدي مرونةً في التعامل أكثر من الشيوخ الراديكاليين الذين نشأ وعيهم في ظروف صعبة وتكاد تقتربُ من النزاع أكثر من السياسة، فهم أقلّ تطرّفاً، وأكثر نشاطاً، وفتحوا أعينهم على مساحاتٍ جديدة من الآخر.

لو أنّ رئيس الوزراء المُكلّف، فيما لو مُرّر، محمّد توفيق علاوي، أو بديله في حال قطع الطريق أمامه، استدعى نماذج شبابيّة لتكون في مركز القرار، شرط الاختصاص والسيرة الحسنة، فربّما سيكون هناك مزاجٌ آخر في القرار والتنفيذ، ورأينا الفارق بين مسؤولين تنفيذيين من مواليد السبعينيات، وبين مواليد الأربعينيات، والأمر هذا ليس مزاجياً بقدر ما هو محوريّ متعلقٌ بالصحّة والأداء وتحقق الأنا، والتعاطي المرن مع الآخر. 

ليس حلماً أنني أتخيّل شبّاناً من خريجي الهندسة والآداب والطب وغيرها من اختصاصات وهم في مركز القرار، حتى إن خُرقت القاعدة باسمٍ أو اسمين لا أكثر، بعيداً عن المسؤول الذي يقضي نصف وقته بالحديث عن تأريخه، والنصف الآخر بالتفكير بالأدوية ومحاولة الحفاظ على ما تبقى من صحّته، ومزاجه، نحتاج مسؤولين ليس لديهم صور أحفاد في مكاتبهم، لأن العمر له "حوبة" كما يُقال، خصوصاً وأن المسؤول عمله ليس مكتبياً فحسب، ولا مهمته أن يكتب مقالاً فقط، أو يوقّع البريد، الأمر يحتاج إلى الدماء الحارة التي تكسر صمت المقبرة الباردة، دماء عدّاء دولي في دار للعجزة! 

الحلول دائماً في متناول اليد، لكنها تحتاج إلى جرأة، ثمّة بلدانٌ كثيرة على رأس هرمها شباب، مثل كندا، وبلدان أخرى يهرب إليها العراقيون المتخمون بحكمة الكبار، من المشتركين في مؤتمرات المعارضة في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي!