العمود الثامن: فلوت علاوي

Wednesday 26th of February 2020 10:01:07 PM ,
العدد : 4620
الصفحة : الأعمدة , علي حسين

 علي حسين

لا يزال ارئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي يناور ويبكي على مستقبل البلاد ويتحسر لأن العراق خسر تكنوقراط بوزن أسعد العيداني. كنتُ أتصوّر حتى اللحظة الأخيرة أنّ الأمر لا يعدو أن يكون نكتة أو محاولة لكسر ملل المواطن العراقي الذي ظلّ ينتظر الفرج كلّ هذه السنوات، غير أنه بات من الواضح أن منطق"الثلاث ورقات" والضحك على عقول العراقيين، لا يزال حاكماً في حياتنا.

رئيس مجلس النواب الذي صفق في الغرف المغلقة لمحمد توفيق علاوي وقبلهُ من وجنتيه، يخرج على الفضائيات ليقول إن أسعد العيداني كان خيارا أفضل، ولأننا في زمن العزف على المصلحة الشخصية، فقد بشرنا رئيس الوزراء المكلف بأنه قرر أن يُكرّم الثقافة والمثقفين، ولهذا كان لابد أن يضع لهم وزيراً كلّ مؤهلاته أنه محلل سياسي "معتمد" في الفضائيات!، وكأننا لم نبرح بعد النظرة الدونيّة التي تنظرها الكتل السياسيّة إلى الثقافة والشباب.

وكأننا نقول لكل المثقفين العراقيين ومعهم ملايين الشباب من العراقيين إنكم لاتستحقون وزيراً تختارونه بأنفسكم، سيخرج البعض معترضاً ويخبرنا أننا لم نعرف الوزير بعد، لكن يا إخوان كما يقول المصريون "الجواب معروف من عنوانه".

للأسف كلّ القوى السياسية، من دون استثناء، تنظر إلى المثقفين، كمجموعة من عبيد إحساناتهم، بل أدنى من ذلك. فالمثقف كائن غريب، لا يحق له الاعتراض. والمثقفون في نظر القوى السياسية مجرد مجموعات من الأسرى والتابعين، مطيعين ومستجيبين ومنفّذين لكلّ ما يطلب منهم.

للأسف، سياسيونا يضعون أصابعهم في آذانهم حين تعلو أصوات المثقفين مطالبة الاهتمام بالثقافة، لأنّ وحوش المحسوبية والبيروقراطية والمحاصصة الطائفية دائما ما تجهض أحلام العراقيين.

سيقول البعض ولماذا كان الاستغراب ؟ الم يقل حميد الهايس أنا أفضل من يصلح لكرسيّ وزارة الثقافة، ونحن نعيش اليوم في ظل ساسة يؤمنون أنّ خبرة فالح الفياض فاقت حتى المرحوم "شارلوك هولمز" في علمه؟!

هكذا وجدنا من يصرخ ويفتح مزاد وزارة الثقافة ويتنافس على السخرية من أحلام المثقفين وطموحاتهم، مثلما وجدنا من يعتبر الشباب فئة ضالة لابد أن يستمعوا إلى محاضرات الكربولي في فن "الشطارة".

في السنوات الماضية قدّم لنا المصريون نموذجاً للساسة المتحضرين، ففي لفتة جميلة اختار القائمون على الحكم أن تجلس عازفة الفلوت ومديرة دار الأوبرا الدكتورة إيناس عبد الدايـم على كرسي وزارة الثقافة .فيما نحن لانزال نعيش في عصر "تقلبات" الحلبوسي الذي يرفع فيه شاعر عدم الكفاءة والاستسهال والدوافع الشخصية التي تضع الوزير في منصبه لأنه يحمل الصفات السحرية الثلاث، مقرب من أحد رؤساء الكتل السياسية أولا، وثانيا مسالم ولا يثير الشغب ويرضى بالمقسوم، وثالثا يحب أن يرفع شعار أنا وأقاربي على الوزارة.