نافذة من موسكو..العنف الأسري في روسيا: جدل الدولة والكنيسة

Sunday 1st of March 2020 07:31:17 PM ,
العدد : 4622
الصفحة : آراء وأفكار , د. فالح الحمراني

د. فالح الحمراني

تثير مشكلة العنف الأسري في روسيا في الآونة الأخيرة المزيد من الجدل في مختلف الدوائر، ولكن من الصعب تصور نطاقه الحقيقي، نظراً لعدم وجود إحصاءات رسمية مفصلة.

ومن غير المعروف كم امرأة تلقي حتفها على يد زوجها؟ وكم عدد الضحايا الذين قرروا الذهاب للشرطة؟ كم مرة يتعرض الأطفال للضرب في المنزل؟ وليس من السهل الإجابة على هذه الأسئلة والعديد من الأسئلة الأخرى ، خاصة عندما لا تكون هناك بيانات كافية. وأرجأ البرلمان التصويت على قانون للوقاية من العنف الأسري، الذي أحدث انقساماً عميقاً في المجتمع.

ووقع ما يقرب من 000 735 شخص على عريضة تطالب باعتماد القانون. ويستشهد الناشطون الاجتماعيون بإحصاءات مخيفة: إذ يتعرض حوالي 16 مليون روسي للعنف كل عام. ويصر منتقدو التعديلات التي أدخلت على قانون الأسرة على أن هذا الرقم مبالغ فيه، بحوالي ألف مرة. و في روسيا وفقا لبيانات عام 2019 ، حوالي 77.1 مليون امرأة. وفي حساب الـ 16 مليون ضحية كما جاء في التقرير، يتبين أن العنف المنزلي يطول واحد من كل خمسة ضحايا. هذا المؤشر يتم حسابه على أساس بيانات من تقرير "الصحة العامة لسكان روسيا" ، الذي أعدته روستات ( وكالة الإحصاء الروسي) بدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان، وكذلك شعبة الصحة العامة من مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها.

وتوضح أليونا بوبوفا، وهي محامية متخصصة في حماية ضحايا العنف الأسري، من أين أتى هذا الرقم. فأولا: هناك 16 مليون شخص ضحايا للضغط العاطفي، والعنف البدني على حد سواء. وذكر التقرير أن 18% من النساء يعانين من العنف اللفظي ، 6 ٪ من العنف الجسدي، 1% من العنف الجنسي (ما مجموعه 25%). واستناداً إلى حساب ، إنه في عام 2016 ، كان هناك 65.8 مليون امرأة في سن 16 عاما فما فوق، تبين أن 16.45 مليون امرأة يتعرضن للعنف سنويا .

ووفقا لمعطيات لاستطلاع "مجلس المرأة" في جامعة موسكو الحكومية: "العنف ضد الزوجات في الأسر الروسية" فإن نصف اللواتي جرى استطلاعهن (كن هناك 2134) ذكرن أنهن تعرضن للإيذاء الجسدي من قبل أزواجهن. ولم يكن الأمر يتعلق بالضرب وإيقاع الألم الشديد بطرق أخرى - فعلى سبيل المثال، لوت، أو دفعت أيدي الأزواج. ومن هذا النصف، تعرض 26 في المائة لسوء المعاملة أكثر من مرة. وقال 3 في المائة من المشاركات في الاستطلاع إنه يتكرر مرة واحدة في الشهر على الأقل.

وأشارت دكتورة العلوم الاجتماعية الكسندرا ليسوفا في دراسة علمية 2008 إلى أن الغالبية العظمى من النساء اللواتي ابلغن عن العنف: 42.9% في سن 30-55 سنوات و 43.4% في مجموعة من 56-96 سنوات. وأبلغت الفتيات الصغيرات— 13.7 في المائة - (18-29 سنة) عن حادث ضرب واحد على الأقل.

ولا توجد إحصاءات رسمية عن الوفيات الناجمة عن العنف الأسري، لأن هذا المفهوم غير محدد. وعلى مدى 11 شهراً من العام الماضي، ووفقا لإحصاءات مكتب المدعي العام، كان هناك بصفة عامة 7.91 ألف جريمة قتل ومحاولات قتل ، و21.6 ألف حالة إصابة متعمدة بضرر جسيم للصحة.

في البدء كانت قضية جراتشيفا وحركت مظاهر العنف الإسري وتداعيته المؤسسة التشريعية للحد منه، ولكن النسخة النهائية للقانون قسمت المجتمع إلى عدة معسكرات، وحال ذلك دون أن يتبناه البرلمان. ويرى الناشطون الاجتماعيون الذين يناضلون من أجل حقوق المرأة أن الوثيقة ضعيفة جداً، في حين يسمي رجال الدين التدابير الوقائية الواردة في مشروع القانون تدابير قمعية. 

وفي نهاية عام 2017 ، أثارت قصة مارغريتا غراشيفا وهي أم لطفلين من بلدة سيربوكوف بالقرب من موسكو ردود فعل واسعة. أخذها زوجها إلى الغابة وقطع يديها بدافع الغيرة وفي وقت لاحق، حكم على المجرم بالسجن لمدة 14 عاماً وحُرم من حقوق الوالدين. وقالت مارغاريتا نفسها إنها كانت قد اتصلت بالشرطة مراراً قبل وقوع الحادث البشع، وأبلغت عن تهديدات زوجها، وأنه كان يمارس ضربها. ومع ذلك، لم يسمعها أحد ولم تتخذ أي تدابير وقائية. 

وكانت قضية جراتشيفا بمثابة حافز على تأجيج موجة جديدة من النقاش حول مشروع قانون يتعلق بمنع العنف العائلي. وتشكل فريق عمل خاص تابع لمجلس الاتحاد ، المجلس الأعلى للبرلمان الروسي، ضم محامين معروفين يدافعون عن حقوق المرأة. وأخيراً ، في 29 تشرين الثاني 2019 ، نشر نص القانون. و على الفور أثار عاصفة من السخط. 

كما صدمت الرأي العام قضية الأخوات خاتشوريان الثلاث اللواتي اقدمن على قتل والدهن ميخائيل خاتشوريان. في وقت ارتكاب الجريمة (27 يوليو/ تموز 2018) وتنظر فيها المحكمة الأن ، كانت أعمارهم 19 و 18 و 17 ، على التوالي. في 28 تموز 2018 ، تم احتجاز الفتيات للاشتباه في ارتكابهم جريمة قتل، واعترفن بجريمتهن. وقال الدفاع إن الفتيات كن في وضع ميؤوس منه بسبب العنف الأسري المتواصل، والإكراه على ممارسة الأنشطة الجنسية. وتسببت القضية في غضب واسع للرأي العام. وشهدت موسكو وسانت بطرسبرغ ومدن أخرى الاعتصامات للمطالبة بإرسال الشقيقات إلى السجن، أو لتخفيف العقوبة على الأخوات وتغيير قانون العنف الأُسري.

وتشمل الوثيقة؟ أولا: تعريف "الأسرة والعنف الأُسري" من زاوية قانونية بأنه: "عمل مقصود يسبب أو ينطوي على خطر بدني و (أو) معاناة نفسية و (أو) تلف الممتلكات التي لا تنطوي على علامات مخالفة إدارية أو جنائية". وتستخدم الأوامر الوقائية والقضائية كتدابير لحماية الضحايا. ووفقاً للمشروع، ستتمكن المحكمة من إصدار أمر يحظر على مرتكب العنف الأسري الاتصال بالضحية، بما في ذلك عن طريق الهاتف والإنترنت. ويسري هذا التقييد لمدة تصل إلى سنة. وبالإضافة إلى ذلك، يحق للمحكمة أن تلزم الجاني بمغادرة المسكن المشترك مع الضحية طوال مدة الأمر. ولكن هناك استدراك : "إذا أتيحت للجاني الفرصة للعيش في منطقة سكنية أخرى." ويجوز للسلطة القضائية أيضاً أن تحظر معرفة مكان وجود الضحية. وتنص الوثيقة على عدد من التدابير الوقائية الفردية: وعلى وجه الخصوص، يتم تسجيل الجناة وإرسالهم إلى مصحات الأمراض النفسية. وفي المقابل، توفير التثقيف القانوني لضحايا العنف. 

وإذا أُعتمد القانون في هذه النسخة، سيكون الأطباء ملزمين بإبلاغ الشرطة عن الاشتباه في تعرض المريض للعنف الإسري. وثمة تحذير هام آخر: فإلى جانب بيان الضحية نفسه أو ممثله القانوني، يعتبر أي شخص على معرفة بالعنف أو التهديد بالعنف ضد أشخاص "في عاجزة أو ضحية للوضع" الأساس لاتخاذ إجراء. 

غير أنه وبعد نشر نص القانون الذي طال انتظاره، بدأ حتى أولئك الذين شاركوا في إعداده ينتقدونه، فيما رات المؤسسات الدينية فيه عامل لتفكيك الأسرة وإضعافها كأساس للمجتمع. وقالت رئيسة مركز حماية ضحايا العنف الأسري الينا بوبوفا: "هذه النسخة الأكثر سوءاً . الشيء الرئيس سقط منها -العنف الجسدي، وليس هناك شيء حول ملاحقة الضحية ". وفي رأيها أن عدم وجود هذه النقاط الرئيسية يحرم القانون من أي معنى.

بدورها أشارت الكنيسة الأرثوذكسية الروسية أيضاً إلى موقفها فور نشر الوثيقة. ويجب القول إن الكنيسة الروسية عارضت هذه المبادرة قبل نشر الصيغة النهائية لمشروع القانون بوقت طويل. رأي الكنيسة لم يتغير منذ ذلك الحين. ووزعت لجنة شؤون الأسرة وحماية الأمومة والطفولة في البطريركية بيانا أشارت فيه: إن الوثيقة تتضمن عدداً من العيوب القانونية، مما يجعل اعتمادها غير مقبول. "كل ما يقال أو يحدث في الأسرة ، بين الأشخاص المقربين، يمكن أن يستخدمه كل منهم ضد الآخر في أي وقت. وهذا الوضع مدمر لطريقة الحياة الأسرية والأسرية التقليدية والقيم الروحية والأخلاقية". 

وتعتقد الكنيسة أن تدابير المنع المدرجة في مشروع القانون "ذات طابع قمعي" ، وأن "أي فعل إنساني عادي "يمكن الاعتراف به على أنه عنف أسري ومنزلي. وعلى هذا النحو ووفقاً للكنيسة، سيتمكن المواطنون من استخدام القانون ضد ذويهم وأقاربهم.

*القدس العربي الاسبوعي