الطبقةُ السياسيّةُ في العراق وأنغِلاقُ الحَلَقاتِ المُميتة

Monday 9th of March 2020 08:01:37 PM ,
العدد : 4628
الصفحة : آراء وأفكار ,

د عماد عبد اللطيف سالم

عندما تكونُ "الكائناتُ" (أيّاً ماكان توصيفها) ،عاجزةً عن الإستجابة للتحديّاتِ التي تُهدّد وجودها .. تبدأُ بالإنقراض.

هذا ما يحصلُ الآنَ لـ "طبقتنا" ، و "كائناتنا" السياسيّة ، وتشكيلنا الإجتماعي(كُلّها معاً) .. و هو ماقد يحدثُ لاحِقاً(وسريعاً) لتجسيدنا "الجغرافي" ، كـ "وطنٍ" مُحدّد ، على خارطة العالم.

لقد تركنا زمام أمورنا لمن يملِكُ جِلْدَ شاةٍ مذبوحة ، ماعاد يؤلمُها السَلْخُ ، ولا طَعْنُ السكاكينِ القادمة من كُلّ حَدْبٍ وصَوْب.

فازَ بوريس جونسون في بريطانيا ، وأخَذَ معهُ مستقبلَ أوروبا ، ودور يمينها المعتدِل في إعادة تشكيل العالَم المُتعدّد الأقطاب .. إلى المجهول ، بينما "كائناتنا" السياسية لاتدري شيئاً ، ولا تُصِرُّ على شيءٍ ، ولا تفعلُ شيئاً ، أكثر من تكالبها المحموم على تقاسمِ الغنائمِ في "وطنٍ" منهوب.

وهاهو بنيامين نتنياهو يُعزّز قبضتهُ على السلطة في إسرائيل .. الآن .. وكُلّكم تعرفونه( أو يُفترَضُ أنّكم تعرفونه) ، وماعليكم سوى التَحَسُّبِ لما سوف يفعلهُ ، أو ما سوفَ يكونُ قادِراً على فعله، في قادمِ الأيّام.

والأهمّ من كُلّ ذلك ، أنّ دونالد ترامب سيفوزُ في انتخاباتِ ولايتهِ الثانية ، فيكتَمِلُ علينا إغلاقُ الحلقاتِ المُميتة.

يقولُ دونالد ترامب بكُلّ وضوح ، ويُتَرجِمُ مايقولهُ إلى وقائعَ على الأرضِ المُمتدّةِ من اليابانِ إلى الضفافِ الشرقيّةِ للأطلسيّ : ما شأننا بهم ؟ لماذا نكونُ بينهم ، ومعهم دائماً ؟ دعهم وحدهم يكرهونَ بعضهم حيثُ يتعايشونً منذُ بدايةِ الخَلْقِ ، و اتركهم وحدهم يَقتلونَ بعضهم حيثُ يعيشونَ إلى يومِ القيامة .. وكُلّ ثمارِ البيدرِ ستسقُطُ في سلّتنا في نهاية المطاف.

ويزدادُ المجتمعُ إنقساماً واحتِراباً وكراهية ، وينتشرُ الفقرُ والجهلُ والمرض ، وتطردُ العملةُ الرديئةُ العملةَ الجيّدة من السوق ، ويتسيّدُ الناسَ أراذلُ الناس ، ويصبحُ أعِزّةُ أهلها أذِلّة.

وكُلُّ هذا لا يُجبِرُنا على فعلِ شيء .. أيُّ شيء .. نحنُ الذين ننامُ "طَوْعِيّاً" ، ونغيبُ "طَوْعِيّاً" عن الوعيّ ، ونعودُ "طَوْعِيّا" إلى حيثُ بدأنا ، باحثينَ عن رئيسِ وزراءٍ"إجباريٍّ" جديدٍ ، لنِظامٍ ليس نظاماً ، ودولةً ليستْ بدولة ، و "طبَقَةً" سياسيّةً لا ترتقي إلى أن تكونَ "طَبَقَةَ بيضٍ" في مطبخِ عائلةٍ عراقيّةٍ جائعة.

إنّ محنتنا بـ "نُخبتنا" الحاكمة يُلَخّصها فايروس كورونا "المُسْتَجَدّ" ، لأنّهُ "مَسْتَجَدٌّ" مثلها بالضبط .. وهو حينَ يبدأُ بالفتكِ بوجودنا الهَشّ ، لنْ يجِدَ من يقفُ في وجههِ ويُنقِذُنا منه .. لا لُقاحَ ، ولا عِلاجَ ، ولا مُمَرّضينَ ولا أطبّاءَ ، ولا مُستشفى لـ "العَزْلِ" ، ولا حيّزَ للموتِ في بيتٍ مُتهالِكٍ من بيوتِ "حيّ الفرات" ، حيثُ يتمُّ "حَجْرُنا" هُناكَ ، تماماً كما تمَ "حَجْرُنا" في هذا العراقِ ، نحنُ وكوابيسُنا المُزمنة.

هل تعتقدونَ أنّ "فئة" فاسدةً وفاشلةً ، وعاجزةً عن الإستجابة ، يمكن أن تتحوّل إلى "طبقةٍ" سياسيّةٌ قادرةٌ على فعلِ شيءٍ لنفسها ، لكي يكونَ بوسعها بعد ذلك ، أنْ تفعلَ لنا شيئاً ذو قيمة ، وتمنحنا إنجازاً لهُ معنى ؟؟؟

وعدا "الطبقة" السياسية الكرديّة، أينَ هي المصالحَ الراسخةُ والأصيلةُ و"الدائمة" للطبقات السياسيّة الأخرى؟

ماهي "مصالح" هذهِ "الطبقات" بالضبط ؟؟

الجواب هو : لا شيء.

لا شيءَ سوى الخراب.

حتّى المصالح "الشخصيّة" الضيّقة ، ماعاد بإمكانِ هذه "الطبقة" الدفاعَ عنها.

والسبب ، هو فقدان هذه "الفئات" السياسيّة الحاكِمة ، لحِسِّ الإستجابةِ ، ليس للتحدِيّاتِ التي تَطالُ وجودها فقط ، بل وأيضاً انعدامُ استجابتها للتهديدات المُباشرةِ والفجّةِ التي تنهالُ عليها ، من نفسها ، ومن "داخِلِها" ، ومن غيرها من "المُكوّنات" و "الكياناتِ" و "الطَبَقات".

وعندما تعجَزُ "أُمّةٌ" عن الإستجابة .. ستتوقفُ سيرةُ "العُمران" فيها ، وتبدأُ سيرةُ الخرابِ العظيم.

كونوا "طبقةً" حاكمةً لأنفُسِكُم .

ودافعوا عن المصالحِ "الحقيقيّة" والأساسيّة لها ..

أو اصمتوا إلى الأبد ..

وأنَقَرِضوا بهدوء.