حرب كورونا العالمية الثالثة. . أين العراق منها ؟

Wednesday 1st of April 2020 06:17:22 PM ,
العدد : 4638 (نسخة الكترونية)
الصفحة : آراء وأفكار ,

 د أحمد عبد الرزاق شكارة

في الوقت الذي يعيش فيه عالمنا الفسيح من أقصاه إلى أقصاه أزمة صحية - بيئية – مجتمعية – إقتصادية – ثقافية – حضارية (جيوستراتيجية بكل المقاييس) خطيرة غير مسبوقة منذ أكثر من قرن على الأقل ،

حالة يمكن وصفها بحق على أنها أزمة بقاء الجنس البشري متمثلة بحرب عالمية ثالثة في مواجهة وباء كارونا العالمي International Pandemic (صنف كذلك من قبل منظمة الصحة العالمية- World Health Organization- WHO) نرى العراق يعالج الأزمة في حدودها الدنيا من منطلق رد الفعل الحكومي التقليدي الضيق الأفق للقطاع الصحي رغم أهميته دون إعتماد رؤية جيواستراتيجية شاملة قابلة أن تشرك القطاعين العام والخاص في ظل مسار للشراكة الحقيقية هدفه تلبية إحتياجات السكان صحياً –بيئياً وتنموياً بصورة تنقل العراق من واقعه المأزوم حقاً إلى واقع أكثر تفاؤلاً بل وسعادة .

لابد من إنضمام العراق للحملة العالمية لمكافحة الحرب العالمية الثالثة لكورونا بكل ما تتوفر من إمكانات مادية وبشرية حيوية لإن العراق يعد البلد الثاني في وفيات الكورونا بعد إيران خاصة عقب توفر أجهزة متقدمة لإختبارات التشخيص مايعني مزيداً من الاصابات لاسامح الله. علماً بأنه قبل أيام أعلن رقم عال نسبياً لاعداد الاصابات بلغ 65 شخصاً أمر غاية في الألم والشعور بالأسى الشديد والتي يرجع الكثير منها لخرق اوضاع مع التجول مع مايتطلب إعلان حالة الطؤارئ قبل أ تستفحل الامور سوءاً. 

اسميتها حرباً لأنها شاملة في تكاليفها البشرية وتستخدم ضدها كل وسائل الدفاع والهجوم المدني والعسكري – الأمني . لست في معرض توجيه نقد لاذع غير موضوعي للقطاع الصحي فقط رغم بعض القصور الواضح وسمة الفساد الصحي – البيئي الذي إعترته عبر مراحل زمنية سابقة وراهنة أيضاً فقدت معها- بإستثناء مراحل محددة زمنياً – تفعيل الإرادة الحازمة لمواجهة مختلف المشكلات والازمات الصحية بالموازاة مع غياب واضح للخطيط والتنفيذ السليم لمشروعات صحية وبيئية متطلبة لمراحل زمنية ستراتيجية تعتمد الاستعداد الجيد والمعلومات الصحيحة وتسخير الإمكانات الطبية – الصحية الضرورية . مراحل زمنية تعتمد أو يجب على شفافية الحصول على معلومات مهمة حقيقية مصادرها "عالمية – كونية" وليست محلية – وطنية أو ربما اقليمية فقط . مع أهمية محاسبة قانونية مشددة لكل الخروقات الامنية – الصحية . لعل وباء كورونا العالمي مرة اخرى يذكرنا كما في أحداث مآساوية إنسانياً سابقة رمت بإتجاه مكافحة أو تخفيف حدة انتشار أوبئة أخرى خطيرة (الطاعون ، الكوليرا ، إنفلونزا وغيرها). من هنا, ضرورة إحداث نقلة نوعية شاملة مخطط لها علميا وتقنيا تواكب المدى المتسع لاحتياجات السكان ليس فقط في الحقل الصحي بل في كل الحقول الانسانية – التنموية على راسها حقل بناء الانسان "عماد التنمية الانسانية المستدامة". 

التفكير المنطقي يقول إننا بحاجة لرعاية إنسانية - ضميرية مكثفة واسعة ومستدامة لآجيالنا بمختلف مراحلها العمرية دون أي تمييز جندري بين الرجال والنساء أو أي تمييز أمن أي شكل ونوع أخر(مجتمعياً – طبقياً - طائفياً – عرقياً – ايدولوجياً وثقافياً وغيره). نحن بحاجة لتفكير عقلاني وعلمي في آن واحد يهدف لتغيير الخريطة الذهنية التقليدية التي تعتمد رؤى ومناهج بعيدة كل البعد عن ظاهرة التنوير الانساني – العلمي – التقني في مراميه الاساسية . 

رؤى يُمكنها التكييف مع متغيرات العصر لمواجهة الغيبيات والتقاليد غير المنسجمة مع روح العلم او أخرى تتجه نحو الادلجة الدينية – العقائدية - السياسية البعيدة عن استلهام الروح الفكرية – المتنورة نهضويا بحيث تدرك مكامن الاخطار والتهديدات التي يجب أن تعد لها عدتها مسبقا من خلال تصميم آليات التعبئة والتحفيز المناسبين للمواجهة الشاملة المستمرة ماديا ومعنويا . 

هذا على المستوى العام للإدراك والمناهج العمل الستراتيجي مع اهتمام جلي لطبيعة توفر السلوك القويم المنتظر دوما بهدف معالجة وتخفيف حدة الازمات الخطيرة وعلى راسها حاليا مايمكن توصيفة بحرب الكورونا العالمية الثالثة التي سكنت العالم أو يكاد برمته منتهية لإيقاف الحركة العالمية . صحيح إن صورة الأرض من الجو قد أوضحت تخفيفاً لإنتشار Co2ونفاذية )ثاني اوكسيد الكاربون) أي توفر إمكانية استنشاق هواء عليلاً نظيفاً . ولكنها حرب سمتها تدميرية للجنس البشري ما يتطلب توجيها ووعياً عالياً بضرورة التضامن الجمعي حكومياً وعلى مختلف المستويات الاهلية – غير الحكومية . أما على المستوى الصحي – البيئي الوطني فنرى أن العراق ورغم تشكيله لخلية الأزمة في مواجهة كورونا والتي تحولت مؤخراً إلى مجلس لمكافحة الفيروس القاتل إجراء مقترح يراسه رئيس الوزراء بالمشاركة مع وزير الصحة والهدف إحداث نقلة نوعية حقيقية في مناهج التفكير والسلوك البيئي – الصحي الهادف للتخلص من الوباء بصورة جذرية أو نهائية (إن أمكن بإذن الله تعالى) ، مايعني ضرورة توفر كافة الامكانات والقدرات العلمية – التقنية التي توصلنا لإبداع وأبتكار حقيقي لعلاجات ناجعة منها إيجاد مصل شاف يقضي على الوباء و يمنع إمكانية تجدده او إستنساخه في مرحلة قادمة. العراق ليس وحده في هذه الأزمة الخطيرة ما يعني ضرورة فتح كل قنوات التفكير والانفتاح على العالم في مجال التضامن الصحي – البيئي من أجل توحيد الأنظمة واللوائح القانونية والإدارية بهدف تسهيل التوصل لحلول عالمية تكافح انتشار الوباء مع ما يحمله من تداعيات خطيرة نقلت الوباء بسرعة البرق من الصين إلى أنحاء العالم وبضمنها إلى منطقة الشرق الاوسط وعراقنا من ضمنها. 

الأمن الصحي – البيئي ونظراً للخطورة البالغة على بقاء الجنس البشري نال الحظوة والأولوية في خطط وسياسات القوى الكبرى ومنها مجموعة العشرين ، إضافة لأدوار المنظمات الدولية المتنوعة الاغراض ومنها بل على راسها الامم المتحدة والمؤسسات المالية الرئيسة خاصة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي حيث من الضروري أن يعمدا توفير كل انواع المساعدات ، المنح والتسهيلات المالية من أجل بناء قطاعات صحية – بيئية تواكب عصر السرعة تلاحق المنظور الفكري – العلمي وإنعكاس كل ذلك مترجماً في تطبيقات واقعية – علمية تناسب كل دولة وفقا لظروفها وطرق تفكيرها وثقافتها من هنا أهمية أن يكون للعراق فيها أدوار مميزة تتلاءم مع ظروفه ومع متغيرات العالم الدولية والاقليمية وفقا لما يمتلك من مؤهلات وخبرات طبية علمية متخصصة – مهنيا يجمع العالم على حيويتها. من المنظور المجتمعي فأن التكافل الاجتماعي في تلبية الاحتياجات الانسانية للمواطنين من "فئتي المحرومين والأسر المتعففة" يعد أمراً حيوياً يستحق منا الإشادة والتكريم ما يدعي السلطات المعنية تقديم كل المساعدات المجتمعية السريعة لإنقاذ شعبنا من الفقر بل ومن المجاعة . بلدنا ليس فقيراً وإنما لديه إمكانات ضخمة الكثير منها كامنة وأخرى فاعلة مهمة يمكن توظيفها بصورة مخطط ومنفذ لها نوعياً وجيداً من أجل رفع فئة المحرومين بصفة نهائية من خط الفقر (1.90-2 دولار يوميا) الذي ترزح فيه فئات واسعة من المحرومين ، المعوزين والفقراء . 

من منظور طبي لابد من إعتناء سلطاتنا بصورة أكبر تميّزاً عن أية مرحلة سابقة بفرقنا الطبية المتعددة التخصص (خط الدفاع الاول) التي تخاطر يومياً بحياتها في معالجة مرضى وباء كورونا ، إذ يومياً يتوفى أعداد منهم ما يعني الحاجة الاستثنائية المستمرة لأطباء جدد في التخصصات المتعددة المناسبة . 

ضمن هذا التصور لابد من توجيه نداء ودعوة إنسانية لاطبائنا ولأخصائينا الصحيين في الخارج لتقديم العون الطبي بصفة مباشرة لبلدهم أو من خلال توفير أجهزة للنقل – التقني ترتبط باتصالات الاقمار الصناعية حيث يمكنهم حينئذ إزداء المشورة الطبية العاجلة لفرقنا الموجودة داخل العراق. من منظورمكمل من الضروري أن يتم رسمياً – حكومياً تقديم كل أنواع الدعم المالي والمعنوي للاجهزة الطبية المتخصصة والأخرى المساندة من أجهزة الدفاع المدني ، الشرطة والجيش وغيرها خاصة تلك التي جندت لمواجهة وباء كورونا العالمي خاصة في أحوال إغلاق المناطق وفرض الحجر الصحي أو في مرحلة لاحقة متوقعة للطؤارئ بصورة تمكن من إتخاذ القرارات السيادية - الانسانية لمواجهة وباء كورونا العالمي. من المناسب للعراق التأسي وتمثل ما تقدمه دول العالم من إجراءات مهمة هدفها حماية شعبها والمقيمين على أرضها ومنها على سبيل المثال لا الحصر مثلاً السير على خطى المبادرة الإنسانية الكريمة في توفير خدمة "تواصل ونحمي" لكبار السن للمواطنين والمقيمين في دولة الامارات العربية المتحدة تنفيذا لتوجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد نائب رئيس دولة الامارات رئيس مجلس وزرائها حاكم دبي رئيس المجلس التنفيذي. هدف الخدمة إعطاء الاولوية لهذه الفئات في الاتصال بالاجهزة الشرطية في مركز القيادة والسيطرة – شرطة دبي من أجل تقديم كل الخدمات الممكنة (الصحية – الغذائية وغيرها) لهم بيسر اوسهولة خاصة في فترة "خلك بالبيت". إن البعد العالمي للحرب نجده حاضراً في بعض أنواع العلاقات الثنائية والجماعية بين العراق ودول أو منظمات إنسانية دولية أخرى قدمت له مساعدات عاجلة مهمة للحماية ضد هذا الوباء الخطير والعمل الحثيث جدياً للتخلص منه ومن كافة تداعياته. من منظور مكمل كلما نجحت دول العالم والعراق من ضمها في مكافحة الفساد بكل صوره ومكامنه مع العمل الدؤوب على إجتثاث جذوره كلما أمكن بهدف التقدم بخطوات أكثر ثقة تجسّر فجوات عدم الثقة من جهة وتتجه لحماية كل شعبنا وخاصة للفئات الضعيفة التي لم تلج ثانيا بعد حقل التمكيين Empowerment إلا بخطوات محدودة أولية . يمكن للعراق أيضاً من خلال التعاون الاقليمي الوثيق أن يحقق نتائج أفضل في مجال التعاون وتنسيق للجهود العالمية لمحاربة وباء كورونا العالمي. مع شديد الاسف حتى الآن لم تتوفر بعد رؤية ستراتيجية تترجم عملياً من خلال وضع آليات عمل كافية لتنفيذ الخطوات والاجراءات العملية والعلمية في محاربة فيروس كورونا العالمي. من المعوقات القائمة في تنفيذ الخطة الجيوستراتيجية أن دول العالم بنت جدرانا تحجب الاتصال البيني تحسباً لسرعة الانتقال السريع للوباء العالمي من دولة أخرى. برغم ذلك، فإن التواصل العالمي سيستمر بطرق تقنية تحفظ صحة وعافية الانسان في إطار تأسيس جبهة عالمية لمكافحة فيروس كورونا العالمي ما يعني توفر المزيد من علاجات ناجحة وناجعة للعراقيين وغيرهم من سكان المعمورة إجراءات وسياسات ليس من الميسور تحديد مرحلة زمنية دقيقة لتنفيذها أي إننا سنستمر لفترة شهور أو أكثر في إطار ظاهرة التجريب العلمي أو التقني حتى يمكن التوصل لحلول عملية ناجحة تعطينا مزايا إيجابية على حساب التكاليف البشرية عددياً وهي مسالة بحاجة للمزيد من التعمق والتحليل مستقبلا. حربنا ضج فيروس كورونا هي الوجه الثالث لعملة الحرب ضد كل من الارهاب والفساد معا ما يستدعى مزيداً من الوعي الاهتمام والدعم العالمي يضاف لحالات الدعم الأقليمي والأكثر الوطني الذي نحن بأمس الحاجة إليه .