رفعة الجادرجي: الحداثة أولاً.. الحداثة دائماً

Saturday 11th of April 2020 05:35:39 PM ,
العدد : 4646 (نسخة الكترونية)
الصفحة : عام ,

خالد السلطاني

يتيح هذا المقال فرصة مواتية " أخرى " لقراءة منجز رفعة الجادرجي المعماري ؛ وإشارتنا الى القراءة " الأخرى " زعما ً منا بانها ستكون مختلفة عن سابقاتها التى تعاطت مع منجز تلك العمارة ،

إذ إنها لا تنطلق من ذات المفاهيم نفسها التي تناولت بها ، شخصياً ، عمارة الجادرجي في مقالات سابقة ، وفي الأخص مقالتي / التحية بمناسبة ، قبل ما ينهاز العقد من السنين . ومثل هذه القراءة المنشودة قد تساعدنا في تفكيك " مفرداتها " آليات النقد الحديث المتاحة الآن على نطاق واسع لدى الناقد .. والمتلقي معا ً . وبديهي أن مثل تلك الآليات لم تكن شائعة سابقا ًفي أدبيات النقد المعماري ، الإقليمي منها على وجه التحديد ؛ فالممارسة النقدية يومذاك استقت معاييرها من مرجعيات مخالفة ؛ انتجت " قراءاتها " المتنوعة ، والتي ظلت في عمومها أسيرة المعنى الأحادي " للنص " المعماري . بيد إننا وبسبب نوعية المناسبة الاحتفالية وطبيعة المقال ، يتعين علينا الإقرار طوعا ً ، بأننا سوف لا نذهب بعيداً في " التماهي " مع ستراتيجات تلك الآليات ، تماهٍ ، يجيز لنا قراءة عمارة رفعة الجادرجي ، حتى من دون الحاجة الى إحالات مستمرة وملموسة للمنجز الجادرجي ، كما توفرها على سبيل المثال ، المقاربة التفكيكية ، والتي منها سنستمد الشيء الكثير من تقنياتها النقدية كما هو الحال في اعتمادنا أيضاً على تقنيات أخرى تعود الى مقاربات نقدية متنوعة. بمعنى آخر ، سنحاول عبر نماذج لتصاميم مبنية و " مسكونة " و مرسومة .. أيضاً مستلّة من خزين المنجز المعماري الجادرجي ، الاشتغال على " قراءة " نتوق أن تلامس بخصوصيتها آليات نقد ذات مرجعيات متعددة ، طامحين وراء ذلك مزيدا ً من إضاءة المعنى " للأثر " المرصود . وتأسيساً على ذلك فستكون هناك إحالات ، وإحالات كثيرة الى تصاميم رفعة الجادرجي والى معمارين آخرين ، نتوخى منها التذكير بمنجز المعمار من ناحية ، ومن ناحية أخرى ، تسهيل إدراك واستيعاب طبيعة مقاربتنا النقدية .

يمكن بسهولة رسم متوازيات بين منجز عمارة الجادرجي ومنتج عمارة الحداثة ؛ ووجود هذه المتوازيات ‘ في اعتقادنا ، ليست رهنا ً بمثال تصميمي واحد أو بمجموعة تصاميم من أعمال الجادرجي والممارسة العالمية ، إنها ، في رأينا ، تغطي امتداد عموم الممارسة المهنية الشاملة للمعمار بدءا ً من منـتصف الخمسينـيات وحتى نهاية السبعينيات عندما اضطر الى ايقاف نشاطه المعماري إثر سجنه ، بدواعي تلفيقات كيدية افتعلها النظام الديكتاتوري التوتاليتاري البغيض . لقد ساهم في حضور هذه المتوازيات وساعد في ترسيخها أولاً بالمشهد المعماري المحلي ، ليس فقط قناعات المعمار الشاب التى بدأت تتشكل مهنيا ً ، وإنما ، أيضا ً ، بباعث خصوصية واقع البيئة الابداعية لعراق الخمسينيات ، الحافلة يومذاك في إرهاصات التجديد والتغيير . كما أنها تلازمت ، وتزامنت لسببين آخرين نراهما مؤثرين ، عملا من ناحيتهما على سرعة تقبل واستيعاب نزعات الحداثة الى يتوق اليها المعمار الطموح . وأول هذين السببين هو توافق وجود مجموعة من المعماريين المجددّين العاملين بالعراق مثل " فيليب هيرست " و" عبد الله إحسان كامل " و " ألين جودت الايوبي " و " ايغور بلاتينوف " وغيرهم ، والسبب الآخر النهايات الحتمية لمديات المسار المعماري الأول ، المؤسس للعمارة العراقية الحديثة ، والذي استنفذت طاقته الإبداعية تماما بسلسلة من المباني ذات التكوينات " الكلاسيكية " ، فضلاً على غياب مؤسسيه الأساسيين . بتعبير آخر ، أدت خصوصية عمارة الفترة الزمنية في بداية الخمسينيات ، المنطوية على فراغ أسلوبي من جهة ، ووجود مجموعة مجددة مؤهلة لملء هذا الفراغ بمقاربات طليعية من جهة أخرى ، أدت الى تبني وقبول المشهد المعماري ، يومذاك ، لطروحات أنساق التوازي مع تطبيقات الفكر المعماري العالمي .