كــورونــا ليس نهاية العالم

Tuesday 19th of May 2020 09:22:59 PM ,
العدد : 4676
الصفحة : آراء وأفكار ,

 راشيل روزنتال

يعد فقدان الوظائف في الآونة الراهنة من الكوابيس التي لا يحتملها إنسان، لا سيما بالنسبة إلى الشيف الفندقي الذي لا يستطيع تغطية تكاليف وصفة العقاقير ذات التسعة أدوية، إذ إن فقدانه لوظيفته صار مسألة حياة أو موت. وحتى بين جموع الموظفين والعاملين، بات الخوف مما تخبئه لنا الأيام يسبب الشلل الفظيع لآليات التفكير في عقولنا.

ويكفينا تماماً النظر إلى ما يثير إزعاجنا يومياً من العمل في المنزل، من مناهج التعليم المنزلية غير المتسمة بالواقعية، وتلك الآلام الخبيثة التي بدأت تهاجم عمودك الفقري بسبب طول فترات الجلوس، ومشكلات الانقطاع الجزئي لشبكة «الواي فاي» المنزلية التي تفقدك اتزانك في وسط النهار. حتى صار الاكتفاء باللازم فقط من الأعمال اليومية يعد انتصاراً عظيماً في دنيا الركود الجاثم على صدورنا، ولا نتحدث طبعاً عن الإحسان في الأداء!

وإذا ما وجدت نفسك تتساءل عن الندوة التي كان من المفترض بك حضورها، أو الترقية التي كان من الممكن حصولك عليها، فربما تساورك مشاعر الحرج أو الإحساس بالذنب. كيف يمكن لأي شخص التفكير في التقدم الوظيفي في الآونة الراكدة الراهنة؟ إن مجرد العثور على وقت مناسب لإجراء محادثة مهمة مع رئيسك في العمل صار من التصرفات المحرجة التي يتجنبها الجميع.

لكن، وبرغم كل ذلك، ليس من شأن كارثة وباء «كورونا» أن تتحول إلى طريق مسدود في وجه حياتك المهنية على أي حال. وإذا كان هنالك أي شيء، فإنها اللحظة المناسبة للغاية لإثبات قدرتك، وذكائك، والبرهنة على قيمتك الفردية. وربما يبدو الأمر حالياً من الأمور الجسام عسيرة المنال؛ بيد أن الحقيقة المزعجة الآن، برغم كل شيء، أن مجرد المواكبة والتماشي لن يفضي بك إلى أي قدر من الأمن الوظيفي. وهذا من الأمور الملحة بالنسبة إلى جيل الألفية الذين يصلون قريباً إلى ذروة سنوات الكسب المادي، تماماً كما هو الحال بالنسبة إلى أبناء جيل الطفرة الذين يراقبون مدخراتهم التقاعدية وهي تقترب من حافة النفاد.

من أولى المهمات في العمل: التأكد من التطور المستمر لمهاراتك بما يتناسب مع احتياجات شركتك. وفي الأيام الراهنة، يتمثل ذلك في المقدرة على جذب العملاء عبر تطبيق «زووم»، أو الحفاظ على مواعيد تسليم المشروعات في الوقت المطلوب؛ لا سيما مع اختلاف المناطق الزمنية التي ينتشر فريق العمل الخاص بك خلالها. وإن كنت تعمل في صناعة من الصناعات التي تأثرت كثيراً بسبب فيروس «كورونا»، فربما يمكنك التفكير في تطبيق تجربتك الذاتية على المجالات الأخرى ذات الاحتمالات الأقوى على المدى البعيد، مثل مجال الأمن السيبراني، أو الروبوتات، أو الذكاء الصناعي. ولا تتعلق هذه المجالات التقنية بالترميز أو الأكواد أو الهندسة الحاسوبية فحسب، وإنما هي في حاجة أيضاً إلى المختصين في المحاسبة، ومراقبي الامتثال الوظيفي، ومديري الموارد البشرية، وفرق الاتصالات.

ومع دخول مختلف الشركات في وضعية الطوارئ، فإن الأمر متروك لك في تقرير أي نوع من المهارات التي يجب أن تملكها وتتقنها خلال الفترة المقبلة. تقول كارولين سينيزا ليفين، المدربة المهنية لدى شركة «سيكس فيجرز ستارت»، في ولاية فلوريدا، إن أرباب الأعمال الذين تعمل معهم في مجال السفريات والخدمات المالية والتكنولوجيا لا يمكنهم رؤية الواقع لما هو أبعد من 60 يوماً فقط إلى الأمام. وكان التدريب التقليدي في مكان العمل من أول الأمور التي ينبغي الاهتمام بها، مع اشتداد تفشي الوباء الراهن، وذلك وفقاً لتقرير صدر حديثاً عن مؤسسة "ماكنزي وشركاه".

كذلك، فإن بذل الجهود لفهم متطلبات واحتياجات شركتك بصورة أفضل، هو من أنسب منطلقات البداية. إذ تقول السيدة سينيزا ليفين عن ذلك: «أعلم كثيرين من كبار المديرين التنفيذيين الذين لا يعبأون بقراءة تقارير العمل السنوية لأرباب الأعمال». ويجب، في هذه الظروف العسيرة، العلم بماهية التوقعات المالية، وما هي أجزاء أو قطاعات العمل التي لا تزال تدر الأرباح، وما إذا كانت الموارد ثابتة أو هي في تغير مستمر.

والأنباء السارة تفيد بأن «إعادة صقل المواهب أصبح من السهولة بمكان». ففي الشهر الماضي، أعلنت شركة «كورسيرا»، المعنية بتقديم مختلف الدورات التدريبية والتعلم الإلكتروني عبر شبكة الإنترنت، إنها سوف توفر إمكانية الوصول المجاني للعاطلين عن العمل إلى 3800 دورة مجانية على موقع الشركة.

ويعتبر التعلم الإلكتروني من المهارات المناسبة للغاية للأشخاص الذين لم يفقدوا وظائفهم كذلك. وتقوم الأستاذة هيرمينيا إيبارا من كلية لندن لإدارة الأعمال، بتدريس ندوة عبر الإنترنت حول إعادة اكتشاف الحياة المهنية في الظروف الراهنة. وكانت قد طلبت من المشاركين في الدورة مؤخراً – في استطلاع للرأي عبر الإنترنت – أن يصف كل منهم استجابته الشخصية لكارثة وباء «كورونا»، وقالت نسبة 50 في المائة من 2000 مشارك إن انتشار الوباء الأخير فتح أمامهم أبواب الفرص لتجربة أمور جديدة، أو تعلم مهارات جديدة لم يكونوا يفكرون فيها من قبل. وفي بعض الحالات، ترتبط هذه التجارب والخبرات مباشرة بالعمل من المنزل عن بُعد، كما قالت الأستاذة إيبارا في دورية "هارفارد بيزنس ريفيو" .

ولا ننسى أن كثيراً من القطاعات والصناعات، مثل المستحضرات الدوائية، وكبريات الشركات التقنية، حتى خدمات توصيل الطلبات إلى المنازل، تواصل تعيين الجديد من العمالة. وكانت شركة «أمازون» الأميركية وحدها قد وظفت ما لا يقل عن 175 ألف شخص جديد بين شهري مارس (آذار) وأبريل (نيسان) الماضيين فقط. وهناك شركات أخرى تعمل على نقل الموظفين بين مختلف الدوائر داخلياً، أو تحاول الاستعداد لمختلف الأحداث المتوقعة في أوقات لاحقة من العام الجاري.

وكانت شركة «فيسبوك» قد أعلنت عن اعتزامها تعيين أكثر من 10 آلاف موظف جديد ضمن فرق المنتجات والمهندسين، قبل بدء موسم الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة.

فإذا كنت قد حصلت على وظيفة جديدة في هذه الظروف الراهنة، فلا بد من الاستعداد والتحلي بكثير من المرونة قدر المستطاع.

في الشهر الماضي، انضم السيد إيثان ثان إلى شركة ناشئة تعمل في مجال التقانة الحيوية في سان فرنسيسكو. وتدر الشركة قدراً معتبراً من الأرباح، حتى إن صاحب العمل قد أوقف مؤخراً الحملة التمويلية المدعمة من قبل بعض الجهات الاستثمارية رفيعة المستوى. وفي حين أنه لا تساوره الشواغل حول مجريات العمل، فإن السيد إيثان يفكر ملياً في الكيفية التي سوف تتغير بها طبيعة وظيفته مع مرور الوقت. وفي المعتاد، سوف يقضي الموظف العادي في منصبه كثيراً من الوقت في حضور المؤتمرات والندوات التي يحاول من خلالها جلب العملاء.

ولكن كيف يمكن بناء علاقات العمل الجديدة عبر تطبيق مثل «زووم» على سبيل المثال؟

يقول السيد إيثان: «إنني شخص اجتماعي بطبيعتي، وهذا من الأمور التي أنا أكثر اهتماماً بها من أي شيء آخر». ومن حسن الحظ، أنه يعمل في صناعة مقاومة للفيروسات بصورة نسبية. وبالنسبة لنا، فإن ذلك من الأمثلة المفيدة التي تلخص كيفية التفكير والتدبر في واقع ومستقبل وظائفنا في الآونة الراهنة.

عن موقع " بلومبرغ "