الأوليغارشية وفوبيا الانتخابات المبكرة

Wednesday 3rd of June 2020 08:56:47 PM ,
العدد : 4688 (نسخة الكترونية)
الصفحة : آراء وأفكار ,

 هادي عزيزعلي

الأقلية التي تمسك بالنفوذ والمال والسلاح المنفلت ، والتي ينطبق عليها توصيف الأوليغارشية وهي الأقلية الفاعلة ولها يعود القرار بكافة أشكاله ورغم فاعليتها وسطوتها ، إلا أنها أصيبت بالفزع للمطلب الجماهيري المتعلق بالانتخابات المبكرة الذي أطلقته ساحات الاحتجاج .

ومما زاد في فزعها التداعيات والاحداث المتلاحقة التي فرضتها ساحات الاحتجاج النازعة نحو لزوم تغيير التشريعات الناظمة للاقتراع السياسي ، وما اعقب ذلك من استقالة الحكومة السابقة . إذ تولد لها اليقين بان وضع الشارع وعلى وفق هذا التوصيف لم يعد مهددا لمصالحها حسب ، بل إنه مهدد لوجودها أيضاً . هنا حزمت أمرها وإعادة اصطفافها ورصفت مريديها للوقوف بوجه الخطر الداهم الذي يحيط بها . واتخذت ما يلزم من الإجراءات والعدّة أو العدد للوقوف في مواجهة ذلك الفزع من خلال أسلوب المماطلة ومط الوقت وسن قوانين قادرة على تعطيل الانتخابات المبكرة للوصول بالأوضاع السياسية الى نهاية الدورة الانتخابية الحالية وبأي ثمن ومن دون المرور بالانتخابات المبكرة وعلى الوجه الآتي : 

قانون انتخابات مجلس النواب – أصدرت السلطة التشريعية قانون انتخابات مجلس النواب ونصوصه المشوبة بصيغ التلغيز ، والذي يحصر المحتجين بـ 50 % من المقاعد الانتخابية وعلى أساس الترشيح الفردي (المادة 15 /1 منه ) يعود وفي المادة ذاتها متأمراً وملتفاً على الـ 50 % الأخرى من خلال إمكانية بث اتباعه على تلك الترشيحات الفردية وتوظيف المال والإمكانات اللوجستية لمحاصرة مرشحي ساحات الاحتجاج بغية الحيلولة دون تجليسهم في المقاعد التمثيلية ويسعفهم في ذلك نص المادة المذكورة . هذا من جهة أما من جهة ثانية فإن العديد من نصوصه لا تفضي الى إمكانية إجراء عملية انتخابية أما لغياب النص أو لولادته مشوهاً ، ومنها على سبيل المثال خلو تلك النصوص من بيان تحديد عدد الدوائر الانتخابية المفترض أن ترفق بقائمة تلحق بالقانون . وتركُ الأمر بهذا الشكل يجعله معيباً من الوجهة القانونية ويحول دون إمكانية وضعه موضع التطبيق . وبهذا السلوك تتحقق مآربهم في وضع العصي في العجلة منتظرين الاحتجاج لإعادة النظر فيه كسباً لمزيد من الوقت الذي يعرقل الانتخابات المبكرة مع المقاصد المسبقة لهذا التصرف بغية الوصول الى النتائج تلك .

هذا القانون ورغم استبطانه للعديد من العلل المبثوثة في ثناياه ، وقصوره على تحقيق طموحات من أرادوا وطن ، إلا أن الاوليغارشية تمكنت من أن تغيبه وتمحي آثاره ، فقد انقطعت أخباره منذ التصويت عليه في مجلس النواب عليه ، ولا يعرف هل أحيل الى رئاسة الجمهورية حسب الآليات المرسومة لذلك ؟ وإذا كان قد وصلها هل أحيل الى جريدة الوقائع العراقية لغرض نشره ؟ وإذا كان قد وصل الى مكاتب الوقائع العراقية فلماذا لم يُنشر رغم مرور مدة تناهز الستة أشهر ولحد الآن ؟ الأسئلة هذه لا أجوبة عليها ، والإبهام هذا - المقصود طبعاً - وسعي مقصود الغرض منه النيل من جرف الانتخابات المبكرة والحيلولة دون انعقادها .

المفوضية العليا المستقلة للانتخابات - في البدء لا انتخابات مستقلة في مجتمع منقسم مهما تمتع أعضاء المفوضية بالعفة والنبل ، وفي هذا النشاط كانت أصابع الاوليغارشية أكثر من واضحة ، فتعيينات الكوادر الوسطية والكوادر القيادية المتلوّنة بألوان أولي الأمر منهم . الأمر الذي اشعل الاتجاجات التي وصلت الى المطالبة بإلغاء قانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات رغم حداثة عهد تشكيلها . وبهذا السلوك ضمنت هذه الفئة السياسية تكرار الوجوه ذاتها أو في أضعف الإيمان تدوير وجوه أخرى .

بقي أن بين معلومة علقت بأذهان البعض ، مفادها أن القضاة المعينين في المفوضية رئيساً وأعضاء فقدوا الصفة القضائية بمجرد التعيين في هذه الهيئة لكونهم قد أصبحوا جزءاً من السلطة التنفيذية خاضعين لرقابة مجلس النواب ( المادة 102 من الدستور ) ، وفقدانهم الصفة القضائية محكموم بنص المادة 98 من الدستور التي تحظر على القاضي وعضو الإدعاء العام الجمع بين الوظيفة القضائية والوظيفتين التشريعية والتنفيذية ، وإن وضعهم الحالي ضمن أحكام السلطة التنفيذية يجعلهم تحت السلطة الاولغارشية وسطوتها . هذا الوضع والأصوات المطالبة بالغاء المفوضية يجعل وضعها غير مستقر إنْ لم يكن غير مؤهل لانعقاد الانتخابات وهذا ما تبغيه الاوليغارشية وتسعى إليه من أجل إثباط الانتخابات المبكرة .

الانتخابات المبكرة تستلزم التخصيصات المالية المطلوبة لأجرائها ، والكل يعلم أن مشروع الموازنة العامة للدولة وضعت قبل انبثاق ثورة اكتوبر 2019 ، هذا يعني أن الانتخابات المبكرة لم ترصد لها المبالغ المطلوبة في تلك الموازنة . والتغييب المقصود لهذا الموضوع وغض الطرف المتعمد عنه من قبل الاوليغارشية وسواها من القوى السياسية المناظرة ، يصب في مصالحم ويحول دون إجراء الانتخابات المبكرة المرجوة .