العمود الثامن: في رحاب الطائفية

Thursday 4th of June 2020 09:42:02 PM ,
العدد : 4689 (نسخة الكترونية)
الصفحة : الأعمدة , علي حسين

 علي حسين

رسائل كثيرة تصلني من قراء أعزاء.. الكثير منها يعتقد أصحابها أن ما نكتبه لا يلقى صدى لدى المسؤولين ، والبعض الآخر يرى أن العلة ليست في الحكام وإنما في المحكومين الذين يصرون دوما على الانقياد لأهواء ورغبات الحاكم..

يدرك المواطن جيدًا أن المسؤول لا يتذكر سوى نفسه ويضرب حوله سياجًا دائريًا من الحرس والعيون ولا يترك ثغرة في هذا الجدار العازل تدخل منها آراء الناس ومشاكلهم. منذ أيام السلاطين تعلم الحكام أن الشعب لا يؤتمن وأن الناس حمقى في آرائها وأهوائها، والأهم حمقى في اختياراتها. يكتب الفرنسي جلين بليك في كتابه المجادلة مع الحمقى "إن للحمقى أيضًا من يعجب بهم وهم الأكثر حماقة منهم"، وقديمًا خصص أحد التقاة "ابن الجوزي" كتابًا سرد فيه أخبار الحمقى والمغفلين، وضع فيه وصفًا للحمق فقال: "معنى الحمق والتغفيل هو الغلط في الوسيلة والطريق إلى المطلوب، بخلاف الجنون، فإنه عبارة عن الخلل في الوسيلة والمقصود جميعًا، فالأحمق، سلوكه الطريق فاسد ورؤيته في الوصول إلى الغرض غير صحيحة".

العام 1885 أطلق بول لافارغ السياسي من أصل كوبي وصهر ماركس مقولته الشهيرة حول الحق بالحماقة، كانت المقولة في حينها مدهشة وجديدة وتعبر عن نوع من الحزن والأسى لما وصل إليه مجتمع الساسة آنذاك من الاستهتار بمقدرات الناس وعقولهم في مجتمعات شديدة الضغط على الإنسان، ويبدو أن مفهوم الحماقة اليوم بدأ يشمل الشعوب التي تسلم أمرها بيد سياسيين فاقدي الصلاحية والأهلية ويكفي أن نأخذ عينات من الحكومات العربية كي نرى حجم الاستخفاف بالإنسان، فشراء الذمم وتزوير إرادة الناس وسرقة المال العام والمحسوبية والرشوة، جعلت المواطن العربي المسكين لا يملك إرادته ويعيش على هامش الحياة، فالإنسان الذي أطلق عليه هربرت ماركيوز اسم الكائن الخلاق، تحول في مجتمعاتنا إلى كائن عاجز.

اليوم والمواطن العراقي يعيش وسط أكوام الضياع وصحراء القهر والغبن وتحت سماء تتسع باطراد من بطالة وخوف وموت مجاني، ليس أمام الغالبية من سيئي الحظ، سوى الوقوع في ثقب الحماقة واللامبالاة مع ما يحمله من بلسم كاذب ووهم خادع لجنّة موعودة كبديل عن إفلاس مشاريع الجنة الأرضية، جنة العدالة الاجتماعية والتنمية والتقدم التي وعدت بها أنظمة تسعى للاستيلاء على أي شيء وكل شيء. 

اليوم نشعر جميعًا أننا وسط حلبة مصارعة نتلقى فيها الضربة تلو الأخرى دون أن يلوح في الأفق أي تغيير في ميزان القوى لصالحنا، هل الحماقة أن نصمت وننعزل؟ أم الحماقة أن ندفع أعمارنا في الهتاف لسياسيين حمقى وأغبياء؟.. إنها محنة مواطن يعتقد للأسف أن حماقة الطائفية هي طوق النجاة الأخير.