العمود الثامن: حصان المحاصصة

Sunday 7th of June 2020 09:20:08 PM ,
العدد : 4691 (نسخة الكترونية)
الصفحة : الأعمدة , علي حسين

 علي حسين

كان الرئيس الفرنسي الرحلفرنسوا ميتران يعشق قراءة الملحمة الإغريقية "الإلياذة" وقدأخبر نائبه جورج بومبيدو ذات يوم أن العالم لا يزال يعيش مفاجأة حصان طروادة.

تروي لنا إلياذة هوميروس كيف أن أسوار مدينة طروادة كانت عصيّة على الجيوش الغازية. فما كان من هؤلاء إلا أن لجأوا إلى الحيلة فقرروا أن يبنوا حصانًا خشبيًا ضخمًا، ملأوا داخله بالمقاتلين، ثم تركوه عند باب المدينة.. وفي الصباح تطلّع أهالي طروادة إلى الحصان فقالوا لأنفسهم، إن الآلهة رضيت عنا أخيرًا، فأرسلت لنا هذه الهدية.

أتذكر أنني أعدت قراءة الإلياذة في أكثر من ترجمة ، وفي كل مرة أعيد قراءتها أجد نفسي إزاء حكاية أخرى للجهل الذي يحيط بنا جميعا، ولعل الدرس الذي أراد أن يقدمه لنا الشاعر هوميروس هو: من السهل أن تقع في الفخ ولكن من الصعب أن تخرج منه.. ويعلمنا أن أكثر الرذائل المستعصية على التقويم هي من قبيل جهل الذي يتوهم بأنه يعرف كل شيء، ومن ثم يدعي لنفسه الحق في خداع الآخرين.

الجميع أعداء ومتآمرون إلا أنت وجماعتك، لذلك لا يسمح لك بمغادرة أرض الخوف، مواطن خائف ومذعور أفضل عندهم من أولئك المغامرين بجرأتهم والمبادرين بانفتاحهم، الخائفون يسهل اقتيادهم وتدجينهم، يسهل غمر عقولهم بسيناريوهات المؤامرات التي لا يظهر لها دليل ولا برهان، يسهل إقناعهم بالخطر الذي يتهدد الناس حتى في بيوتهم .

أيها السادة يا من تجتمعون بين حين وآخر تحت قبة برلمان العراق، عليكم أن تقرأوا الإلياذة العراقية جيدًا وإياكم من الظن بأن الديموقراطية تعني الزهو والانتصار لمجرد حصول البعض منكم على الأكثرية.. عندما ينتصر حزب في ألمانيا أو بريطانيا أو فرنسا لا يطرد الآخرين خارج حلبة السياسة، ولا يشتمهم في الفضائيات.. ولا يخونهم.. بل تقضي الديموقراطية أن يكون كل سياسي ضامنًا لمصالح جميع الناس، حاميًا لكراماتهم .

ودعونا نسأل: ما هي قائمة الكتب المفضلة عند بعض سياسيينا؟ من قرأ منهم وعاظ السلاطين لعلي الوردي أو تعليقات الرصافي أو تاريخ الوزارات العراقية للحسني؟ 

يحدثنا المفكر الأميركي نعوم تشومسكي في واحد من كتبه وهو يستعرض مجموعة من الستراتيجيات التي تتبعها أنظمة الفشل للتحكم في البشر، ومن بينها ستراتيجية تقوم على تشجيع الناس على استحسان الرداءة، بحيث يجدون أنه من "الرائع" أن يعم الجهل والانتهازية والمحسوبية، لأن كل ذلك في نظر الحكومات الفاشلة مرغوب ومقبول .

يكتب الرئيس الفرنسي الراحل ميتران هذه العبارة المؤثرة: ''يفقد الإنسان اتصاله بالواقع إذا لم يكن محاطًا بكتبه" بينما يفقد ساستنا اتصالهم بالواقع يوميًا، لأنهم محاطون بالانتهازيين والجهلة .