فضائح الشعراء.. لذة الأحاديث وشهود ما بعد الموت

Saturday 13th of June 2020 05:16:17 PM ,
العدد : 4696
الصفحة : عام ,

عارف الساعدي

لا أظن إنَّ هناك حديثاً يحظى بانتشار كبير مثل حديث الفضائح، ولا تستطيع أية قصيدةٍ مهما كانت عظيمة أنْ تجاري فضيحةً ما في الانتشار، وفضائح الشعراء على أنواع ــ أبعدها الله عن الجميع ــ ولكن الفضائح الجنسية، تقف في المقدمة،

وتكاد تكون هي الرئيسة في التصدر لأي خبرٍ أو مانشيت، ودائماً ما تكون هذه الفضائح مصدر إغراءٍ حين تخص شخصيةً معروفة، رغم إنَّ الفضائح الجنسية تبقى حكاياتها طازجة حتى وإنْ كانت لأبسط الناس، أو لأناسٍ مغمورين، فطبيعة الموضوع يمنح هذه الطزاجة دائماً، ولكن الشخصيات العامة لها طعم آخر حين يكون الحديث مصوَّبا لها.

ما دفعني لمثل ها الحديث هو ما انشغلتْ به الأوساط الثقافية والإعلامية والصحفية مؤخراً، بمقالةٍ نشرها الشاعر والروائي السوري "سليم بركات" حول محمود درويش، ومعروف للجميع حجم العلاقة بين محمود درويش وبين سليم بركات، وكيف أن درويش كتب له إحدى أجمل القصائد وأهداها له بعنوان"ليس للكوردي إلا الريح" ومقالة بركات بأنهاها بأنَّ درويش أخبره في عام 1990 بأنَّ له ابنةً غير شرعية، ولكنه لا يشعر أزاءها بأي مشاعر، انتهى الموضوع. 

الأوساط انشغلت كثيراً بهذا الخبر، وبدأتْ تكيل الشتائم لبركات، ولماذا لم يفش هذا السر في حياة درويش، ولماذا تحدَّث بغيابه، وهذه مسألة غير أخلاقية، ووووووو، حديث طويل عريض من أناس مختصين، وغير مختصين، إلَّا إنَّ الأغلبية كانت تشتم بسليم بركات، وتُدينه على فعلته هذه، والواقع إنَّ هذا الأمر ليس جديداً على الإطلاق، فالعرب سابقاً كما تروي بعض المدونات التاريخية، كانوا يأتون بزوجاتهم إلى الشعراء والفرسان، فيناموا معهن، لكي ينجبن أبطالاً أو شعراء يدافعون عن القبيلة، وهذا النوع من الزواج يسمى بالاستبضاع، حيث كان أجدادنا الشعراء المشهورون منهم، تأتيهم النساء المتزوجات، فيمكثن معهم أياماً وليالي، حتى يحبلن من هذا الشاعر أو ذاك، ثم توالت مثل هذه الأحاديث سواء من ارتقى منها إلى مستوى الفضيحة، أو من بقي يدور على الألسن للتندر، وذلك كله في عالم الشعراء، والغريب إنَّ الناس لا تقف عند شعر الشاعر، ودائماً ما يكون في أشعارهم وثائق مهمة عن سيرهم الذاتية، وعن مغامراتهم، وفي شعرنا العربي، الكثير الكثير من المغامرات الجنسية، والاعترافات، ولكن الناس والنقاد لا يقفون عند النصوص الشعرية، بوصفها قصائد ينسجها الخيال، لا الواقع، إنَّما يقفون عند جملةٍ ــ ولو سريعة ــ كجملة سليم بركات في درويش، فيقلبون الدنيا لحظتها، وهذا ما مر به امرؤ القيس الذي تحدَّث في شعره كثيراً بأنَّه كان لا هم له إلَّا النوم مع العشيقات والحبيبات، وحتى المتزوجات واللواتي يرضعن أبنائهن لم يخلصن منه .

فمثلك حبلى قد طرقت ومرضعٌ

فألهيتها عن ذي تمائم محولِ

إذا ما بكى من خلفها انصرفت له

بشقٍ، وتحتي شقُّها لم يحوَّلِ 

وهناك عشرات القصائد لامريء القيس، وهو يتحدث عن مغامراته الجنسية، إلَّا إننا بالنتيجة سنصطدم بزوجته، حيث فنَّدتْ كل ذلك حين قالت له (كرهتُك لأنَّك ثقيل الصدر، خفيف العجز، سريع الإراقة، بطيء الإفاقة) وبهذا فإنَّ القرَّاء في حيرةٍ ما بين أنْ يصدَّقوا قصائد الملك الضلِّيل ومغامراته، أو أنْ يصدِّقوا تصريح زوجته، وفضحها له، وقد شكلت فضائح الشعراء مصدر قلقٍ للكثير من الشخصيات، ومن القبائل، وربَّما هذا الأمر دعا الخليفة "عمر بن الخطاب" لأنْ يُصدر أمراً بجلد أيِّ شاعرٍ يذكر اسم امرأةٍ في شعره، وهذا الأمر دفع بعددٍ من الشعراء الغزليين أنْ يأخذوا جانباً متعففاً في الحديث عن النساء فمثلاً أبو الفرج الأصفهاني يروي في الأغاني عن "نصيب" شاعر الغزل قوله (والله ما قلتُ بيتاً قط تستحي الفتاة الحيية من إنشاده في ستر أبيها) والمدونة التاريخية العربية والأدبية منها على وجه التحديد، تحفل بالكثير من هذه الأخبار، بل خُصصتْ كتبٌ لمتابعة هذا الأثر لدى الشعراء، وبعض الشعراء تركوا أعمالاً كاملةً تتخصص بشعرٍ فضائحي، يشتمل على السخرية في معظمه، كديوان "ابن حكيمة" وآخرين كثر، ولم يكن العصر الحديث بمنأى عن هذا الرذاذ المتطاير، فالشعراء ليسوا ملائكةً ولا أنبياء، بل إنَّ معظم الجلسات الخاصة التي تجمع الشعراء، كان مفتاح الأحاديث هو الحديث عن المغامرات النسوية، وعلاقات الشعراء الخاصة، ولكن مصادر تلك الفضائحيات لم تكن واحدة، إنَّما تعدّدت منابع الفضيحة، فبعضها من المرأة نفسها كـ"غادة السمان" حين فضحت غسان كنفاني في كتابها "رسائل غسان كنفاني لغادة السمان"، أو رسائل جبران خليل جبران لمي زيادة، أو ما كتبه محمد شكري عن جان جينيه في كتابه" جان جينيه في طنجة" أو من صديق يكتبها في مذكرات أو مقالات كما فعل سليم بركات مع محمود درويش، أو عن طريق الشاعر نفسه ككتاب السياب "كنت شيوعيا" حين تحدث عن فضائح جنسية لأصدقاء ومثقفين له، ولكن أطرف الفضائح تلك التي تأتي من الأبناء، فهي فضائح لا تقبل التكذيب وفيها شيءٌ من الطرفة والغرابة، وهذا ما كشفه "فلاح الجواهري" في كتابه الشيق "ما ترك الشاعر للريح" حيث يروي شيئاً من علاقات الجواهري بالنساء، وكيف إنَّه كان في براغ وكان يسكن مع والده في نفس الشقة، وكان الجواهري في يومٍ من الأيام على موعد مع شابّةٍ جميلة وهي رسامة في نفس الوقت، يقول فلاح دخلت علينا الشقة والجواهري منتشٍ بحضورها، وقد كان عمره في ذلك الوقت قريباً من السبعين، يقول كفاح بدأ الجواهري يشرب، هو والرسامة الشابة، فيما أنا ذهبتُ إلى غرفتي، وبعد ساعتين، أو أكثر، وإذا بباب الغرفة يُفتح، وإذا بهذه الشابة الفنَّانة تترك الجواهري، وتتسلل إلى غرفتي، لأنَّها ــ على ما يبدو ــ لم يستطع الجواهري من إرضائها، فانسلتْ ــ بعد أنْ نام الجواهري ــ إلى غرفة ولده الشاب كفاح، يقول كفاح بأنَّها حاولتْ معي، لكنَّي صفعتُها على وجهها، وطردتُها، وأغلقتُ الباب، هذه المذكرات يرويها ابن الجواهري بعد أكثر من عشرين سنة من موته، ولكنَّها لا تشكل إساءةً لشخصية الشاعر، الذي سيبقى لنا بعد موته قصائدُه فقط، فلا أظن إنَّ المواقف الشخصية سترافق الشاعر طويلاً، في ما تحدث الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد عن مغامرات السياب الجنسية - على قلتها - وعن مغامراته الخاصة -على كثرتها- ولكن في النهاية ستبقى قصائدُهم هي بناتهم، وأولادهم، الذين يكونون صدقتهم الجارية، فلا فائدة من شاعر محصنٍ تماماً، ولكن بلا نصوص، يعني بلا أولاد سيحييون ذكره، وبهذا فلا يمكن أنْ تكون مثل أحاديث "سليم بركات" إساءةً لـ"محمود درويش" ففي الحقيقة لم يتغير درويش في نظري كشاعر، ولا يمكن احتساب مقالة بركات إساءة لدرويش، فلا نعلم ما الذي سيحكيه عنَّا أصدقاؤنا غداً، كونوا صادقين فقط.