رواية (مرآة آلامنا ) للفرنسي بيير لوميتر:جزء من ملحمة ثلاثية لسنوات مابين الحربين العالميتين

Tuesday 16th of June 2020 05:44:16 PM ,
العدد : 4699
الصفحة : عام ,

ترجمة : عدوية الهلالي

حقق الجزء الأخير من ثلاثية مابين حربين ، والتي بدأت مع رواية (وداعاً يامن في الأعالي) للروائي الفرنسي بيير لوميتر نجاحاً كبيراً لدى صدوره مؤخراً عن دار نشر البان ميشيل الفرنسية في 540 صفحة ..

ويحمل الجزء الأخير عنوان ( مرآة آلامنا ) وتدور أحداثه في عام 1940 حيث كانت فرنسا تعتاش على أفكار جاهزة وهي أن الجيش الفرنسي قوي وإن خط ماجينو لايمكن عبوره ، بينما لم يكن الملازم الشاب راؤول داندريد في جبهة القتال يعيش على الأوهام وكان يدرك أن الهزيمة واقعة لامحالة ..في غضون ذلك ، لجأ الملازم الشاب الى تدبير أموره ببراعة فجمع مبلغاً من المال عن طريق الاحتيال ولم يعد هناك مايمكنه عمله سوى الانتظار لأن شيئاً لم يحدث وقتها بل كان الألمان خائفون ..

في باريس ، يتناول الروائي قصة الشابة لويز بيلمونت التي أدهشها عرض الطبيب العجوز الذي كانت تخدمه في حانة ( البوهيمية الصغيرة ) فقد كانت هيئة الرجل وقورة جداً فلماذا يطلب منها إذن أن تتعرى له مقابل مبلغ مالي جيد ؟! وماهو الماضي الذي كان يلاحقه ليدفعه أخيراً الى الانتحار باطلاق النار على رأسه في حجرة الفندق حيث ضرب لها موعداً ؟ ! لقد كانت لويز مصدومة من الأمر لكنها كانت تتمتع بشخصية قتالية لذا لم تتردد في المغادرة للبحث عن سر الرجل ثم البحث عن والدتها التي اختفت أيضاً في ظروف غامضة..

لقد تعرف القارئ على شخصية لويز في الجزء الأول من الثلاثية الذي يحمل عنوان ( وداعاً يامن في الأعالي ) والتي جرت أحداثه في الفترة التي شهدت أحداث مذابح الحرب مابين 1914-1918 وكان عمرها آنذاك عشر سنوات وتعيش مع والدتها التي استأجر منها اثنين من أبطال الرواية حجرة متهالكة وهم إدوارد بيركور الذي شوّهته الحرب وألبير ميلارد ،وقد حاز هذا الجزء على جائزة غونكور للأدب في عام 2013 وكان ينتمي الى جنس الرواية الصعلوكية ويروي قصص جنود شاركوا في الحرب العالمية الاولى ثم سُرّحوا من الخدمة..

كانت لويز آنذاك طفلة صغيرة ، حيوية وتلقائية وكانت الشخص الوحيد الذي لايخشى النظر الى وجه ادوارد المشوّه ، أما في الجزء الثاني الذي تناول فترة الثلاثينيات فقد غابت لويز عن الأحداث أذ ركز فيه الروائي بيير لوميتر على مادلين بيركور شقيقة إدوارد ..

يبدأ الجزء الاخير من الثلاثية مع السخرية من الحرب وينتهي بالنزوح من فرنسا في عام 1940 قبل أن يحدث الاحتلال الألماني ، فبالاضافة الى موهبته في بناء السرد ، نجح الروائي البارع في استخدام السخرية والتهكم ضمن الأحداث المأساوية ، مؤكداً على أن انهيار العصر يمكن أن يكون مؤاتياً لبروز شخصيات استثنائية وإبداعية بطريقتها الخاصة ..

ويصور لوميتر لجوء الدولة الى استخدام الدعايات الكاذبة فيقول :" في زمن الحرب ، تكون المعلومة الصحيحة أقل أهمية من المعلومة المطمئنة !" إذ تتغلغل بالتدريج الأفكار الواقعية الى أذهان الناس ويحاول أغلبهم الاستفادة من كل المواقف لكنهم سينتهون أخيراً الى النزوح من بلدهم ..

ويمثل نزوح عام 1940 بالنسبة للروائي لوميتر ظاهرة فريدة في التاريخ فيصور الذعر والهرب بلا هدف أحياناً ، في الوقت الذي يعرف لوميتر جيداً ماذا يفعل وأين يذهب في نسج حبكة روايته الحاذقة على الرغم من الفوضى الواضحة فيها ..

ربما يمكن اعتبار الجزء الأخير ( مرآة آلامنا) أقل ميكافيللية من الجزأين السابقين فهو يقدم حبكة أكثر كلاسيكية ويعتمد على مراقبة المجتمع بعين ثاقبة لتقديم رؤية مدهشة ومليئة بالتفاصيل ..بهذه الطريقة احتل بيير لوميتر المولود في عام 1951 مكانة مميزة جداً في خارطة الأدب الفرنسي بعد أن بدأ ككاتب سيناريو واشتهر بروايات الجريمة التي تعرض الشخصية الخيالية القائد كامبل فيرهوفن..وقد فازت روايته الأولى ( أليكس ) كأفضل رواية جريمة مترجمة في مسابقة (CWA) الدولية لعام 2013 ، وهو نفس العام الذي حاز فيه على جائزة غونكور للأدب عن رواية ( وداعاً يامن في الأعالي ) ثم فازت روايته ( كاميل) بحائزة عالمية أخرى في عام 2016 .. ثم تحول الى كتابة الروايات الواقعية فغاص في دائرة الأدب ورواية التاريخ ليحقق نجاحاته الحقيقية وليصور بمهارة شخصيات لاتنسى إسوة بتلك الشخصيات الإيقونية في روايات عظيمة مثل ( الحرب والسلام ) ..

عن جريدة لاكروا الفرنسية