جان ماري بفاف.. لقاء الدوحة هزّ مشاعره نحو العراق.. وآلمه فــراق أحمد راضي وبـراءة فيصل!

Sunday 28th of June 2020 09:36:12 PM ,
العدد : 4709
الصفحة : رياضة ,

 أختاره بيليه بين 125 نجماً عشقتهم الكرة في حياة الأمم

 يتمنّى زيارة بغداد ورفع تصنيف الأسود بين صفوة المنتخبات

 بغداد / إياد الصالحي

ثمّة حقيقة لا تقبل الشك والتأويل، خلصتْ من ثنايا السعادة والقهر بأن قيمة الإنسان تتجلّى أكثر بعد مَغِيبه مثلما كانت بائنة حينما كان حاضراً بحديثه وحركته ومواقفه، فالناس تُبدي الاهتمام المتساوي بذكرهِ في الزمنين، وتُنقّب عن سماته الأخلاقية أكثر من أي أمر آخر كون السلوك مفراس الشخصية، يُظهر سلامة الإنسان بعلاقاته المتوازنة أو فوضويته في مجتمعه، فما بالنا والعراق كلّه يبكي رحيل نجم مُبهِر في عالم المستطيل الأخضر، وشاطرته حُزن فقدِه كبرى الأندية الرياضية ونجومها العظام والاتحادات الكروية العريقة في مأتم عالمي غير مسبوق عن لاعب عربي بقامة هدّاف منتخب الأسود ولاعب القرن العشرين أحمد راضي.

صدمة

ومن بين نجوم العالم الكبار الذين أعربوا عن عميق حزنهم بوفاة أحمد راضي هو أسطورة الكرة البلجيكية والعالمية حارس المرمى جان ماري بفاف (67 عاماً) الذي اختاره ملك اللعبة البرازيلي بيليه في 4 آذار عام 2004 - لمناسبة مرور 100 عام على تشكيل الاتحاد الدولي لكرة القدم - بين أفضل 125 نجماً في تاريخ الكرة الذهبية، إذ تأثر كثيراً ولم يخف شعوره بالصدمة أزاء سماعه نبأ وفاة أسطورة الكرة العراقية في وقت كان يخطط لزيارة العراق واللقاء به لتبادل ذكريات المباراة الخالدة في ذاكرة العراقيين وأصدقائهم البلجيكيين في كأس العالم 13 التي ضيّفتها المكسيك بتاريخ 8 حزيران 1986 وانتهت بفوز الأحمر بهدفين مقابل هدف تاريخي لأحمد راضي توّج استحقاقه للقب الأسطورة بين زملائه الهدّافين الكبار حسين سعيد ويونس محمود وفلاح حسن وعلي كاظم وعماد محمد ورزاق فرحان وليث حسين وهشام محمد وهوار ملا محمد.

مفاجأة

منذ عام 1986، ظلّ اسم العراق يثير فضول بفاف في معرفة المزيد عن طبيعة شعبه وسلوكه وحضارته ومطاردة أخباره في الصحف والقنوات وتدوين انطباعات مستمرّة عن واقع الكرة المحلية ومستوى المنتخب في التصنيف الدولي، ولم تحن الفرصة لزيارته مُذ ذلك العام حتى تحقّق له ما أراد بنقل مشاعره للجمهور العراقي في مقابلة صحفية أجراها كاتب السطور في العاصمة القطرية الدوحة التي ضيّفت كأس آسيا لكرة القدم للفترة من 7 الى 29 كانون الثاني 2011، حيث دُعي بفاف لحضور حفل الافتتاح مع عديد نجوم العالم، وأعدّت قناة (بي إن سبورت) مفاجأة سارّة بجمع بفاف وراضي أول مرّة في أحد ستوديوهات التحليل الخاصة بالبطولة.

لقاء

وجود بفاف في فندق (لا سيكال) بين جموع المُرحّبين به من وسائل إعلام وومدربين مثل الكابتن فتاح نصيف فرح كثيراً لرؤيته كونه شارك في المونديال والتقط صورة معه، وبعض مرتادي الفندق ونزلائه، دفعنا لمفاتحة صديقه المغربي أحمد مرادي لنُجري معه لقاءً صحفياً لجريدة (المدى) ومجلة (حوار سبورت) الصادرة عن مؤسسة المدى للإعلام والثقافة والفنون، حيث تواجدنا كفريق عمل مع الزميلين حيدر مدلول وإكرام زين العابدين لتغطية البطولة، وحال معرفة بفاف بالأمر أعرب عن سعادته الكبيرة، وأكد أنه جاهز بالحال للقاء برغم ارتباطه بالتزام إعلامي، وكان ذلك ظهيرة افتتاح البطولة، وأوكل لمرادي مهمّة الترجمة.

هدية

أستهلّ بفاف حديثه بالقول (أنا سعيد جداً بهدية لقائِكَ، وشرف كبير لي أن أجلس بجوار صحفي عراقي يُترجم مشاعري الى العراقيين الذين أحبّهم وأتابع مجريات أحوالهم اليومية وما عانوه وما زالوا من ظروف صعبة لم تجرِ على بقية الأمم والشعوب في العالم، وأثبتوا أنهم على قدر التحدّي دائماً من أجل الدفاع عن حرّيتهم .. إنه شعب حي يستحق التحية الكبيرة، وأوصيك أن تنقل كلامي بأمانة) .

صراحة

طوال جلسة الحوار لم يستطع بفاف أن يُخفي فرحه الغامر بمخاطبة العراقيين ويشير بين الحين والآخر (أرجوك لا تنسى تضمين هذا الرأي) وتنوّع الحوار في شؤون عراقية وعالمية، وكان مبهوراً عند حديثه عن المشاركة العراقية الأولى في المونديال، ووصف ذلك (منتخبكم الذي واجهته في كأس العالم كان بارعاً جداً في مجاراة الكرة الأوروبية وأمريكا اللاتينية، وسجّل مشاركة عربية لن تُمحى من ذاكرتنا ما حيينا) وكان في قمة الصراحة الوجدانية الصادقة عندما كشف عن ردّة فعله تجاه هدف أحمد راضي في مرماه (صدّقني، لحظة تسجيل راضي هدفكم الوحيد شعرتُ بأنه دغدغ حُبّاً جديداً في قلبي نحو العراق، لم أحزن على دخول الكرة في شباكي بقدر فرحتي لرؤية آلاف المشجعين وهم يصفّقون بحرارة لإنجاز عراقي تاريخي كنت سبباً في تحقيقه دون أن اقصد طبعاً)!

العقرب

وبرغم مضي 25 عاماً على مباراة تولوكا في ملعب نيميسيو دييز، وقت إجراء مقابلتنا مع بفاف، إلا أنه أبهرنا بقوّة ذاكرته وهو يرسم صورة واقعية عن فاعلية أحمد راضي بقوله (راضي أذهلني بإمكاناته وقدرته الفذّة على التحكّم بالكرة وإيقافها ودحرجتها متى ما شاء، وتحكّمه بها أثناء التوغّل والتسديد، وكذلك إجادته الكرات الرأسية اللاسعة كالعقرب، فضلاً عن سرعته بالتعاون مع لاعب آخر طويل القامة ولعب مسانداً له في الخلف - يقصد الراحل ناطق هاشم - كان يمتلك هو الآخر تكتيكاً عالياً جداً بتمريرات مُدهشة، أعتقد إنهما وراء العروض الخلاّبة للعراق في مونديال المكسيك) .

فخر

ولعلّ الدرس البليغ الذي لن ينساه بعد انتهاء لقاء أسود الرافدين ما أكد عليه في المقابلة (لم أنم ليلتي بعد المباراة ليس لفوزنا بصعوبة (2-1) بل كنت أتمتم مع نفسي ومخاطباً الكرة : كم أنت مجنونة .. تشعلين الحماسة لدى الطامحين من ذوي الخبرة اليافعة ليخرجوا فخورين بأنفسهم حتى وإن خسروا بشرف) .

حلم

ولم يخف بفاف حلمه بزيارة العراق لتحقيق هدفين مهمّين كما يراهما (أنا مدرب محترف لديّ اتصالات وعلاقات كثيرة مع شخصيات رياضية مهمة وأندية ومنتخبات عالمية، أتعهّد بوصول منتخبكم الى مركز متقدّم بين صفوة منتخبات العالم في تصنيف الاتحاد الدولي لكرة القدم، وأمتلك الشجاعة لإعداد المنتخب وتحضيره في بغداد، وأتوق للمغامرة في بلاد الرافدين صاحبة الحضارة العريقة، وسيرافقني ملاك تدريبي متكامل فضلاً عن وجود أعمال استثمارية تعود بالفائدة على اللعبة واللاعبين عامّة واتحاد الكرة العراقي على وجه الخصوص ليتمكّن من تمويل نفسه وتلبية احتياجات تطوير مفاصل الكرة) .

شوق

لم ينقطع بفاف عن متابعة أخبار الكرة العراقية والسؤال عن نجومها وتحديداً أحمد راضي، كان تطبيق (الواتساب) حلقة الوصل بيننا للتعبير عن حبّه للعراق ورغبته الجامحة في زيارته عندما تستقر ظروف جائحة كورونا التي تفشّت في الكرة الأرضية دون أن تميّز بين ضحياها من الجنسيات، ولمصادفة مرور الذكرى 34 عاماً على مباراة الثامن من حزيران 1986، استجاب بفاف لطلبنا بتسجيل رسالة مرئية يخاطب فيها الجماهير العراقية، وكان متشوّقاً لرؤية التفاعل في موقع التواصل الاجتماعي يوم 14 حزيران 2020، حيث أكد في حديث استغرق خمس دقائق أنه سعيد باستذكار اللقاء في المكسيك، وكان المنتخب العراقي مجهولاً بالنسبة لهم، وتمتّع لاعبوه بالقوة والانضباط، وجدّد رغبته في زيارة العراق لمدة أسبوعين لمتابعة الرياضة واللقاء بالجماهير، وتمنّى أن يعيش الشعب بسلام، وأمتدح العراقيين المقيمين في بلجيكا وقال أنهم طيبون جداً.

حدس

لم يمضِ على انتشار فيديو بفاف في وسائل التواصل وبعض القنوات التي بثّت رسالته سوى يوماً واحداً حتى فُجِع بنبأ دخول أحمد راضي مستشفى النعمان لإصابته بجائحة كورونا وظلّ يراقب أخباره بخوف مثلما أكد في أحد اتصالاته، وصدق حدسه صباح 21 حزيران 2020 برسالة منّا تشير الى رحيل صديقه الذي تمنّى اللقاء به في بغداد، وجرى دفنه بعد ساعات من موته، وأكثر ما آلم بفاف هو براءة أبنه فيصل، وتساءل عن سنّه وكيف يتحمّل غياب والده الذي لم يودّعه؟

تعزية

حرص بفاف على تعزية أسرة الفقيد برسالة مرئية نشرت في مواقع التواصل يوم 27 حزيران 2020 أكد فيها أنه أصيب بالقشعريرة عند سماعه وفاة راضي الذي عدّه من أفضل الأصدقاء وكان مثالاً للاعبين الشباب والعرب، مطالباً أياها أن تكون أكثر قوة من أجل أن تستمر في الحياة، وختم رسالته بقوله (سيبقى أحمد في قلبي) .

دعوة

دعوة الى وزارة الشباب والرياضة بتحقيق رغبة الحارس الأسطورة جان ماري بفاف بلقاء الجماهير الرياضية في العاصمة بغداد ومتابعة أنشطة الرياضيين وتفقّد ملعب الشعب الدولي الذي كان حاضناً لموهبة أحمد راضي ومنطلقاً لمنجزات أسود الرافدين عربياً وقارياً وعالمياً إكراماً لحبّ دغدغه الهدف المونديالي اليتيم لأبي فيصل.