موسيقى الاحد: مراسلات موتسارت

Saturday 25th of July 2020 06:32:58 PM ,
العدد : 4732
الصفحة : عام ,

ثائر صالح

كان فولفغانغ أماديوس موتسارت كاتب رسائل خصباً مثلما هو مؤلف خصب، والمراسلات التي يبلغ عددها قرابة 1400 رسالة بينه وبين أفراد عائلته وأصدقائه مصدر ثمين للبحث، فهي تساعد على توضيح ظروف تأليف الكثير من الأعمال المهمة لأنها تتطرق الى الحلول الفنية.

فهي تسلط الضوء على التسلسل الزمني للمؤلفات وتزودنا بتفاصيل هامة تتعلق بسرعة الأداء ونوع الزخارف (التحلية الموسيقية) فيها، وحجم الفرق عند تقديمها. في نفس الوقت تشكل هذه الرسائل مصدراً مهماً لدراسة أدق تفاصيل سيرة حياة موتسارت. مع ذلك يجب التحيط عند دراسة آرائه الفنية في رسائله الى أبيه، فقد لا تعكس قناعته الحقيقية خوفاً من سطوة الأب.

هناك العديد من التفاصيل المثيرة في المراسلات بسبب لغتها واستعمال اللغات الأخرى (اللاتينية والفرنسية في أكثر الأحوال) وطابعها الساخر اللاذع وتضمينها الكثير من التوريات التي لا تخلو من البذاءة بحسب عرف اليوم، لكنها شائعة في بافاريا والنمسا في القرن الثامن عشر. نلمس تفاؤله الشديد حتى في أحلك الظروف، كذلك معرفته بقيمته وعبقريته رغم صعوبة حياته وقلة موارده، إذ فشل في الحصول على وظيفة تؤمن له ولعائلته حياة مستقرة رغم محاولاته المتواصلة. بعض الرسائل التي أرسلها الى أصدقائه ليقترض منهم مبلغاً من المال تعبر عن الحالة هذه. ونعرف أنه قد مات مديوناً للكثير ممن كانوا حوله رغم احتفاء أوروبا كلها به.

راسل فولفغانغ أباه وعائلته كلما ابتعد عنه في سفرة "عمل" أو جولة موسيقية. كان الأبن والأب يتبادلان الرسائل أسبوعياً على الأغلب، وأحياناً أكثر من رسالة في الأسبوع. لكن اثارت انتباهي رسالتان مؤرخة في 3 تموز 1778، وهو يوم وفاة أمه أثناء وجودهما في باريس أملاً في الحصول على وظيفة هناك. في الرسالة الأولى يخبر موتسارت أباه بمرض أمه الشديد، وبرر عدم رده على رسالة الأب تاريخ 11 حزيران بمرضها. ويخبره في الجزء الثاني من الرسالة عن تقديمه سيمفونية [هي السيمفونية رقم 31 الباريسية، العرض العام الأول في 18 حزيران]، وعدم رضاه عن التدريبات وتخوفه من فشلها، ثم يذكر نجاح العرض الأول واعجاب الجمهور بالسيمفونية ويصف التصفيق الحار الذي أثارته السيمفونية. في ختام الرسالة يبلغه بوفاة فولتير، ويصفه بالملحد الشرير، ربما لإرضاء والده. وقت كتابة الرسالة غير معلوم، لكن من المحتمل أن يكون بعد وفاة امه في الساعة العاشرة والثلث ليلاً بسبب الرسالة الثانية المكتوبة بنفس التاريخ والتي كتبها في الثانية صباحاً بعد وفاة امه وقد أرسلها إلى صديق له يطلب منه تبليغ أبيه واخته بالخبر المؤسف.