استعادة هيبة الدولة لمواجهة التحديات الجيوسياسية -الاقتصادية

Monday 27th of July 2020 07:07:11 PM ,
العدد : 4734
الصفحة : آراء وأفكار ,

 د.أحمد عبد الرزاق شكارة

إن ما مر ويمر به العراق اليوم من تطورات جيوسياسية – إقتصادية مميزة يقتضي من حكومة السيد مصطفى الكاظمي رئيس الوزراء العراقي إستعادة هيبة الدولة أو على الأقل جزءاً منها كونها الجوهر الأساس لإضفاء مركز قوة جيوسياسي – إقتصادي محترم من خلاله يتمكن العراق أن يلعب دوراً حيوياً في النظامين الاقليمي والدولي باعتباره دولة مفتاحية مؤثرة في توازن منطقة الشرق الأوسط الأمر الذي أكده وزير الخارجية الفرنسي في زيارته الأخيرة للعراق معتبراً أن للعراق دوراً مهماً في توازن القوى الاقليمي .

المسألة ليست هينة أو يسيرة التحقق وتستحق منا التوقف عندها كثيراً بدءاً بتقديم مفهوم واضح يبين ما المقصود بهيبة الدولة؟؟ إلى التعمق بمعنى الهيبة؟ ومن ثم ماهية التداعيات في حالة إفتقادها؟ المعنى قد يأخذ أشكالاً متنوعة متعددة تتكامل أو تتقاطع مع بعضها في حقول حياتية متنوعة منها مثلاً: تأثيرات القوة المعنوية التي تغرس في العقول والنفوس وأثرها في مناح السلوك العام لمسؤولي الدولة ، قد تأخذ الهيبة أيضاً معنى مرتبطاً بشكل مباشر بقابلية النفوذ الذي يصلنا إما بطريق واعٍ أو بصورة غير متوقعة أو ربما عن وعي مسبق عن أهمية ما تحقق أو سيتحقق من إنجازات قيمة في المستقبل . 

الهيبة تغطي أيضاً مفهوماً واسعاً للسلطة أو لممارسة مظاهرها من خلال تكريس كافة الجهود العلمية والموضوعية لإدارة الحكم الرشيد بالتزامن مع التكييف مع متغيرات جديدة بهدف كسب ولاء الشرائح المجتمعية – الاقتصادية – الثقافية على أختلاف مستوياتها وانواعها في عراق الطيف المتنوع الذي يثري ويجمع ولا يفرق نظريا . الهيبة التي نقصدها من مجمل ما ذكر تتمحور حول تولد إرتقاءا في مشاعر وسلوك التمييز والتفوق الوطني الذي تنشده الامم والشعوب والانظمة السياسية ومنها بلدنا مايوفر في النهاية سمعة التفوق الحقيقي المميز. عراق منتج مبدع منجز وليس كيانا مستهلكا بل دولة "حقيقية" تسمح أيضاً بتطبيق دولة القانون والعدالة الاجتماعية دون إعتماد كلي او بصورة غير متكافئة أمنياً واقتصادياً على الاخرين من دول وقوى دولية . 

عراق نرى فيه تطبيق للمعادلة المتوازنة الموضوعية نسبياً التي لاتعطي أطرافاً معينة حزبية أو كتلوية الضوء الأخضر المهيمن على حساب أطراف أخرى تعد ضوءاً أحمر في حساباتها الستراتيجية تجاهها مما يضعف دور العراق الرسمي الوطني في مواجهة تحديات تفرضها أطراف المعادلة الإقليمية والدولية . 

المتطلب الأساس أن يتعامل العراق بصورة متوازنة ومتبادلة مع كل أطراف المعادلة الاقليمية والدولية مثل تلك التي بين العراق وإيران ، تركيا ودول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة . 

علماً بإن بعض المعايير التي يستند إليها في تحديد مسار هيبة الدولة يمكن قياسه مادياً من خلال ما يحتسب من مدخولات مالية واستثمارات اقتصادية رصينة يركن لتحققها مستقبلاً بالتواز مع تطور آمني تقني يتكيّف مع روح العصر التقني الحديث ، وبعكسه يتم قياس الكلف المادية والبشرية المستثمرة في مشروعات ضخت أموالاً طائلة فيها دون جدوى تذكر منها مشروعات الطاقة الكهربائية وغيرها من مشروعات صناعية وزراعية يطلق عليها تجملاً "متلكئة" جاوزت أعدادها مايقارب الستة آلاف أو أكثر .

ولكن الشيء الأكبر الذي من الصعب قياسه فعلياً مرتبط بإنجاز أمور معنوية عالية القيمة ترتبط بحسن الإدارة وجودتها وضرورة التخطيط المسبق للمشروعات الحيوية التي إن تحققت فعلياً ترتقي بالعراق وبالضرورة بهيبة الدولة مستندة على دور مؤسسات حقيقية تعتمد النهج الديمقراطي الحقيقي بعيدا عن تاثيرات شخصية أو حزبية – كتلوية سياسية، مؤسسات شفافة تتسم بحكم رشيد يتم من خلاله المحاسبة المتطلبة لكل جرائم الفساد والارهاب وبنفس الوقت تعد ذات سمعة تتسم بالنزاهة بعيداً عن أية شائبة من فساد أو سوء إدارة أو فشل في تطبيق الالتزامات والاجراءات التي ترتقي بدور العراق في مسار التنمية البشرية المستدامة .

إن عدم وجود رؤية جيوستراتيجية –أمنية - اقتصادية – صحية وعلمية – معرفية شاملة "عقب أزمة كورونا" على المستويين الاقليمي والدولي يرافقها الفشل في تحديد مهام وأولويات ومتطلبات الأمن الوطني والقومي ستنعكس سلباً على الوجه الآخر لعملة الإرهاب ونعني به مكافحة الفساد . 

قد أكون مخطئاً أو مصيباً في سماعي قولاً من مسؤول عراقي مهم يؤكد أن الفساد قد أصبح "ثقافة حكم" من الصعب استئصاله قانوناً ما يعني لابد من إعادة تقسيم مصادر الثروة العراقية التي مازالت ريعية –نفطية في إطار ماتبقى من كعكة إقتصادية – مالية لاتتجاوز قيمتها بضعة مليارات بعد أن كانت تعج بخزين مالي مقداره مليارات الدولارات .

أقول وبحسرة وألم إننا نعيش اليوم في أسوأ وأخطر مراحل التطور السياسي والاقتصادي مسألة تفسر لنا طبيعة الدور الاقتصادي والمالي السلبي لتكتلات و بعض الأحزاب التي تغطي ذاتها بآيدولوجية دينية لاتزال تعد مسؤولة بدرجات مختلفة عن استشراء وتجذر الفساد في أجهزة ومؤسسات وقطاعات الدولة الاقتصادية والاجتماعية. 

بمعنى أخر إن خوض معركة الفساد وبجد على كل جبهات الدولة وقطاعاتها الحيوية قد لاتتجاوز ساحة الحديث والكلام الجميل الذي يبعث على التفاؤل دون أن يكون له نصيب في التطبيق العملي خاصة إذا لم تتوفر الإرادة السياسية الحازمة . من منظور مكمل ، الحديث عن ضرورة توفر إرادة سياسية فاعلة لإنجاز متطلبات التغيير الايجابي في المعركة أو قل الحرب المستعرة ضد الفساد لن يتاح لها الانطلاق من مواقع القوة معززة الهيبة لسلطات الدولة الثلاث "التشريعية ، التنفيذية والقضائية" إذا لم تتغير الخريطة الذهنية لصناع القرار بصورة جذرية "ثورية إن صحت التسمية" تنم عن إهتمام رائد وحقيقي بدولة قانون وعدل إجتماعي توفر تكافؤا في الفرص للجميع بعيدا عن تأثيرات محاصصة مقيتة سياسياً – إجتماعياً - أمنياً – اقتصادياً ومالياً ما يضفي أحتراماً لحقوق الانسان وحرياته الاساسية. مثل هذه المرحلة الحرجة الصعبة بل والمعقدة تستوجب استقطاب كافة الطاقات والكفاءات المادية والبشرية العراقية المبدعة من أجل مواجهة التحديات وبناء عراق جديد ينظر إليه بإحترام وتقدير بعيداً عن حالات الضعف السياسي والاقتصادي والأمني.. حكومة الكاظمي تؤكد جهاراً على ضرورة القضاء على الفساد وسوء الإدارة في كل مناسبة ومنها على وجه التحديد ما إنعكس وتداعى من زيارته لمحافظة البصرة ومحافظات أخرى مثل كربلاء حيث ضرورة السيطرة على كافة المنافذ الحدودية في إطار بناء قوات مسلحة تستند إلى مهنية عالية قوية مؤثرة تنهي حالة الضعف ، التخبط وسوء الإدارة والبيروقراطية غير المنتجة الذي أفرز فساداً متجذراً في عدة منافذ برية وبحرية مع إيران والكويت . 

الأمر الذي استدعى إحداث تغييرات إدارية ستؤدي فعليا مع حزمة إجراءات أخرى مكملة مهمة لإحكام السيطرة الوطنية الحيوية تنقذ رئة العراق (من تواخم الحدود المشتركة مع الدول الجارة إلى بوابات بغداد وتخومها المباشرة ) من سيطرة جهات وطنية مهنية وأمنية لاتتنفس سوى عبير الوطن . 

أما معركة الحفاظ على سيادة العراق من تدخل الدول الجارة خاصة ايران وتركيا بصورة تتجاوز الخطوط الحمر فهي الأخرى تتطلب إنعاشا ذاتيا مرتبطا بتفعيل إمكانات او قدرات الدولة العراقية وإلا سنظل نطلب تدخل المجتمع الدولي لإنقاذنا دون مراعاة لقيمة معنوية تعكس أهمية الاعلاء من هيبة الدولة داخليا في الحفاظ على سيادة العراق الوطنية .. مسألة يجب التوقف مليا عندها كي لا يرجع العراق للمربع الاول من إفتقاد سلطة القانون ومن ثم غياب السيادة والهيبة الوطنية ، إن مباحثات العراق المقبلة مع الولايات المتحدة الامريكية لتحديد جدول زمني لإنسحاب قواتها لابد أن يأخذ بالاعتبار من منظور عراقي مدى إمكانية تبلور صيغة وطنية لتطبيق إتفاقية الاطار الاستراتيجي بصورة تبعد بلادنا عن سياسات المحاور التي تضعه في حومة صراعات لاناقة للعراق فيها ولاجمل ومن امثلتها التداعيات الخطيرة لاستمرار الصراع الامريكي – الايراني على الساحة العراقية. 

يضاف إليها الاستفادة من بنود الاتفاق العراقي – الاميركي للإطار الستراتيجي في بناء عراق متقدم إقتصادياً وتقنياً في مجالات متنوعة ومنها ونحن نعيش تداعيات أزمة كورونا الخطيرة في المجال الصحي – البيئي ( إذ افردت خطوات وإجراءات مسبقة للأزمة الراهنة ترتبط بضرورة للتعاون والتنسيق المشترك للاستفادة من التقدم الطبي – العلمي الأميركي) . 

ضمن هذا التصور الايجابي "المثالي" بعيداً عن هيمنة عسكرية أميركية يمكن للعراق من الارتقاء بدور جيوسياسي – اقتصادي مميز، أخذاً بالاعتبار أهمية حصول العراق على الدعم الفني والمهني المناسب الذي يسهم بالحفاظ على أمن الوطني دون ثلب لهيبته مسألة مهمة ولكنها ليست هينة في التطبيق طالما بقيت الذهنية العراقية بعيدة عن تفعيل الاستقلال العراقي وتأسيس نظام لتوازن القوى يرفد العراق بإمكانات وقدرات حيوية تحميه من تداعيات وتحديات القادم من الأيام ، علماً بإن للعراق حلفاء آخرين غير الولايات المتحدة ينتظر تأسيس علاقات عراقية متوازنة معهم ما يوسع من دائرة بناء علاقات دولية واقليمية حيوية لأقطاب آخرين (الاتحاد الاوروبي ، الصين ، روسيا دول مجلس التعاون الخليجي وغيرها).