نافذة من موسكو..عودة لانعكاسات زيارة الكاظمي لطهران على آفاق العلاقات الثنائية

Sunday 2nd of August 2020 08:17:06 PM ,
العدد : 4739 (نسخة الكترونية)
الصفحة : آراء وأفكار , د. فالح الحمراني

 د. فالح الحمـراني

تناول تقرير لمعهد الشرق الاوسط في موسكو، خلفيات الزيارة التي قام بها رئيس وزراء العراق مصطفى الكاظمي في تموز الماضي، والتي انطوت نتائجها على دلالات هامة، ليس فقط في آفاق العلاقات مع الدولة الجارة، وإنما رسمت بعض مؤشرات السياسة الخارجية التي على ما يبدو ستعتمدها حكومة الكاظمي في الفترة القادمة، والقائمة كما تنم التحركات الدبلوماسية للعراق،

على حسن الجوار والانفتاح على كافة الدول التي تنوي التعاون، واخذ الأطراف بمصالح بعضها الآخر، والتعامل على أساس التكافؤ والاحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.

وتعد هذه أول زيارة خارجية يقوم بها السيد مصطفى الكاظمي منذ توليه منصب رئيس الوزراء. وكان من المفترض أن يقوم بأول زيارة خارجية له كرئيس وزراء للعراق إلى السعودية في 20 تموز. ولكن تقرر تأجيل الزيارة إلى الرياض فقط بسبب دخول الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود إلى المستشفى، ولو ان البعض ربطها بأسباب أخرى.

وكان الرئيس الإيراني حسن روحاني قد عبر عن أمله في أن تصبح زيارة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى طهران نقطة تحول في العلاقات الإيرانية العراقية. وقد عبر روحاني عن هذا الرأي في مؤتمر صحفي عقب محادثات مع رئيس الوزراء العراقي. وقال "أنا واثق من أن هذه الرحلة ستشكل نقطة تحول في العلاقات الودية بين البلدين". وتم بث المؤتمر الصحفي من قبل الخدمة الصحفية للرئيس الإيراني. وأضاف روحاني أن "الأطراف تحدثت عن [تحقيق] الاستقرار في المنطقة، وكيف يمكن للعراق أن يلعب دورًا خاصًا في ذلك كدولة عربية قوية".

وبحسب الرئيس روحاني ، فقد ناقش السياسيون أيضًا حالة نهر أرفاندرود الحدودي (شط العرب) وعدد من القضايا التي تهم البلدين. وأضاف أن "الدولتين تحدثتا لصالح زيادة حجم التبادل التجاري إلى 20 مليار دولار".

بدوره أكد الكاظمي أن العراق لا يعتزم أن تصبح بلاده "نقطة انطلاق لأي هجوم على إيران". وهذا قليل من العزاء لطهران، بالنظر إلى الهجمات الأخيرة على الأهداف الإيرانية من المجال الجوي العراقي على خلفية افتقار البلاد إلى أي أنظمة دفاع جوي واضحة. وأشار إلى اهتمام بغداد ببناء علاقات متوازنة مع طهران. وقال رئيس الوزراء "زيارتي اليوم هي تأكيد على أهمية العلاقات التاريخية القائمة بين العراق وإيران". واعتبر ان "الشعب العراقي يسعى لبناء علاقات مع ايران وفق مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية". مؤكدا "إن بلداننا تواجه تحديات اقتصادية، وتتوقع شعوبنا الكثير منا". وأضاف الكاظمي أنه من المستحيل تحقيق أهدافنا دون تعاون.

ولاحظ التقرير في هذا الصدد، نقطة اعتبرها "مثيرة للاهتمام". مشيرا الى حديث روحاني عن "نقطة التحول" في العلاقات الإيرانية العراقية، وبرأيه ان الرئيس الإيراني حسن روحاني أدرك "أن معظم الاتفاقات المعلنة مع رئيس الوزراء العراقي لن تُنفذ". معتبرا "إن الاتفاق الوحيد على إمدادات الكهرباء هو النتيجة الإيجابية الوحيدة لهذه الزيارة. لكن طهران فشلت في تحقيق المهام الأخرى، السياسية بالدرجة الأولى". 

وارتباطًا بخلفيات زيارة الكاظمي اعاد التقرير الأذهان الى زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الرسمية لبغداد في 19 تموز، حيث أجرى الدبلوماسي الإيراني محادثات مع عدد من كبار السياسيين العراقيين بمن فيهم مصطفى الكاظمي ووزير الخارجية فؤاد حسين وزعيم الحشد الشعبي فالح الفياض. "وكان هذا تحضيرًا لزيارة رئيس الوزراء العراقي من حيث التنسيق النهائي لمواقف الجانبين حول عدد من القضايا الرئيسة". واستنتج التقرير " لكن زيارة ظريف لبغداد لم تكلل بالنجاح. وعاد خالي الوفاض"، موضحا: "لأن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي لم يعجبه ما اقترحه على الإطلاق". وأضاف: "بادئ ذي بدء، كان الأمر يتعلق بمطالبة بغداد بالعمل بشكل أكثر فاعلية في طرد القوات الأمريكية من البلاد، ورد السيد الكاظمي بأن العراق لديه وجهة نظره الخاصة بشأن هذه القضية، والتي سيقدمها في المفاوضات القادمة مع واشنطن، وأنه يرفض قبول أي تدخل إيراني في الشؤون الداخلية للعراق". وبعبارة أخرى "والكلام للتقرير": أراد الكاظمي أن تعرف طهران أن سيطرتها ونفوذها على عملية صنع القرار العراقية قد تضاءل، وأن بغداد تريد "وجودًا أمريكيًا" بشكل يتفق عليه مع واشنطن. وينظر العراق إلى هذا الوجود على أنه تجسيد للتوازن الذي يسعى إليه في علاقاته مع الولايات المتحدة وإيران. بالإضافة إلى ذلك، "كان ظريف غير راضٍ عن تصريح الكاظمي خلال اجتماعهما حول رغبة بغداد في إنشاء العديد من الشراكات الاقتصادية، وأقصى قدر من الانفتاح لجميع الأطراف من أجل تنويع فرص الاستثمار (خاصة دول الخليج) في بلاده. ورد بشكل دبلوماسي على مطالبة طهران بان تتمتع بالأفضليات الحصرية والحصول على أكبر حصة في العلاقات الاقتصادية مع بغداد". 

ومضى التقرير بالقول: إن خطة الكاظمي لفتح العراق أمام دول أخرى، وخاصة في العالم العربي، قد تحرم طهران من العديد من الفوائد، بما في ذلك تلك المتعلقة بقطاعي النفط والكهرباء. وعند حساب الأرباح والخسائر، فإن السياسة الاقتصادية الجديدة التي يريد الكاظمي اتباعها ستعني خسائر فادحة لطهران المهتمة بتلقي أرباح العملات الأجنبية من خلال القناة العراقية. لقد اعتمدت طهران على هذه القناة خلال السنوات القليلة الماضية، مما سمح لها بوقف عواقب العقوبات الأمريكية إلى حد ما. وفي هذا الصدد، "ثبط موقف بغداد هذا عزم طهران، وستزيد بلا شك ضغوطها على بغداد". "كما استاء الجانب الإيراني من المظاهرات الجماهيرية للعراقيين أمام وزارة الخارجية، حيث استقبلوا وزير الخارجية الإيراني بشعارات لا تعكس الترحيب بوزير الخارجية الإيراني"، الذي يصفه البعض في العراق "طارق عزيز الإيراني" الشخصية المعروفة في عهد الدكتاتور صدام حسين، ونظر الجانب الإيراني لتلك الاحتجاجات على أنها "استفزازات متعمدة للسلطات العراقية". والكلام ما زال للتقرير.

الاستنتاجات التي خرج بها التقرير تتمحور حول ان تلك التطورات الجديدة التي لاحت مؤشراتها منذ تعيين الكاظمي رئيسًا للوزراء: ستجبر طهران على زيادة ضغطها على العراق باستخدام الأساليب التقليدية. مشيرا إلى أن: الحادث الذي لفت الانتباه خلال زيارة الوزير الإيراني، كان إطلاق صواريخ كاتيوشا على المنطقة الخضراء فور مغادرة ظريف. وكانت هذه رسالة إلى حكومة الكاظمي، على الرغم من أن بعض المصادر تقول إن ظريف، اكد خلال اجتماع مع هادي العامري، ضرورة التحلي بضبط النفس وعدم السماح بتصعيد المواجهة مع الأمريكيين قبل زيارة مخططة للكاظمي للعاصمة الإيرانية. ولكن حتى قبل أن تنتهي هذه الزيارة، كما هو متوقع، بدأ تكثيف الهجمات الصاروخية على القواعد الأمريكية في العراق. وأصيبت طائرة هليكوبتر من طراز Mi-17 تابعة للجيش العراقي بأضرار نتيجة لإطلاق صاروخ على قاعدة عسكرية تقع في منطقة التاجي شمال بغداد، والتي تأوي أيضًا القوات الأمريكية. هذا ما أعلنته قناة السومرية يوم 27 تموز / يوليو في إشارة إلى مصادر في القوات المسلحة العراقية. وقالوا إن "الصواريخ التي أطلقت على معسكر التاجي أصابت مروحية عراقية من طراز Mi-17".