التشكيلة الاجتماعية العراقية وتحولات بنيتها السياسية

Tuesday 4th of August 2020 05:45:46 PM ,
العدد : 4741 (نسخة الكترونية)
الصفحة : آراء وأفكار ,

 لطفي حاتم

تمتاز الدولة العراقية وتشكيلتها الاجتماعية بتعدد قومياتها وأديانها وطوائفها السماوية وبالضد من تلك التعددية احتكرت الأقلية السنّية قيادة أجهزة الدولة السيادية منذ تأسيسها وحتى انهيارها على يد الاحتلال العسكري الأميركي عام 2003.

أولاً – الدولة العراقية وسمات تشكيلتها الاجتماعية. 

- استناداً الى هيمنة الطائفة السنّية على السلطة السياسية اتسم بناء الدولة العراقية منذ نشوئها حتى انهيارها بكثرة من السمات نحاول ايجازها بالمحددات التالية - 

المحدد الأول – هيمنة الطائفة السنّية وكادرها الطبقي المتعلم على المراكز الأساسية في سلطات الدولة الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية.

المحدد الثاني – بسبب مقاطعتها لسلطة الدولة السياسية (لأسباب دينية) اتجهت الطائفة الشيعية الى التجارة حيث شكلت التجارة حرفة رئيسة لأبناء الطائفة الشيعية. 

المحدد الثالث – شددت القوى المتنفذة في الطائفة الشيعية وصايتها الطائفية على قاعدتها الاجتماعية الفقيرة عبر فعاليات دينية مختلفة منها – مناسبات دينية، فتاوى مذهبية تعنى بالحلال والحرام، تقديس الشخصيات التاريخية، التبرك بأضرحة الأئمة المقدسة وغيرها من التقاليد الطائفية. 

المحدد الرابع - الانقسام الطبقي في الدولة العراقية تلون بصفة مذهبية حيث هيمن المذهب السنّي على أجهزة الدولة السيادية فضلاً عن قيادته للمؤسسة العسكرية بينما احتل أغنياء الطائفة الشيعية المراكز التجارية الأساسية في البنية الاجتماعية.

المحدد الخامس - تواصل الانقسام الطبقي الطائفي في تشكيلة العراق الاجتماعية الى ثورة 14 تموز التي حاولت كسر التوازنات المذهبية واعتبار أجهزة الدولة والمواقع الاقتصادية ملكاً لجميع طبقات الشعب العراقي. 

المحدد السادس –محاولات بناء تشكيلة طبقية عراقية تعتمد التوازن الطبقي في بناء الدولة العراقية لم تدم طويلاً حيث إعادة القوى العسكرية السنّية استلام مقاليد السلطة السياسية.

المحدد السابع - حاولت السلطات الجديدة فرض هيمنتها الطبقية على المواقع التجارية لطبقة البازار الشيعي المتهم بمحاباة الدولة الإيرانية.

- إقصاء الشيعة من المواقع التجارية والحياة السياسية وهيمنة الكوادر السنية على سلطة الدولة السياسية أدى الى نقل نزاعات العراق الطبقية التي ميزت تشكيلة الدولة العراقية الاجتماعية في عهدها الملكي والعهد الجمهوري الأول الى صراعات طائفية بين الطائفتين المتنازعتين على قيادة سلطة الدولة السياسية.

ثانيا- الاحتلال الأميركي للعراق وسيادة الروح المذهبية 

أدى الاحتلال الأمريكي-البريطاني للعراق بعد انهيار الديكتاتورية عام 203 الى العديد من المتغيرات السياسية والطبقية في الدولة العراقية وتشكيلتها الاجتماعية تمثلت بكثرة من المؤشرات منها-

أ- أفضى انهيار سلطة البعث الاستبدادية ذات الأردية الطائفية الى هيمنة أنصار القوى المحتلة على المراكز القيادية في أجهزة الدولة السيادية. 

ب– أحدث الاحتلال الأميركي-البريطاني للعراق خللاً في بنية التشكيلة العراقية الاجتماعية تمثل في إقصاء الكوادر السنّية عن السلطة السياسية وأجهزتها الإدارية وما تمخض عن ذلك من تقليص مواقعها الطبقية - السياسية. 

ج– صعود الطائفة الشيعية الى مراكز الدولة الأساسية باعتبارها أغلبية مضطهدة في تشكيلة العراق الاجتماعية وما نتج عن ذلك من -

- إضعاف المؤسسة العسكرية عبر إحالة طواقمها القيادية على التقاعد باعتبارها معقلاً أساسياً لهيمنة الطائفة السنية.

- تفكك أجهزة الدولة البيروقراطية السنّية واستبدالها ببيروقراطية شيعية جديدة أفرزتها سيطرة القوى الشيعية على مراكز أجهزة الدولة الإدارية. 

- تشكيل قوى شعبية مسلحة موازية للمؤسسة العسكرية لخشية أحزاب الطائفية الشيعية من المؤسسة العسكرية ودورها في الحياة السياسية.

- قادت الإجراءات الجديدة للقوى الشيعية المتنفذة والمتعددة المراكز القيادية الى شيوع الفساد الإداري وما نتج عنه من تردي الدولة العراقية وانحدارها الى حافة الإفلاس والانهيار. 

ثالثاً- الهيمنة المذهبية في الدولة العراقية الجديدة.

بسبب صراعات بنيتها الطائفية تتعايش في الدولة العراقية كثرة من الظواهر تسعى القوى المذهبية المتنفذة على ترسيخها والتي يمكن تحديدها في الموضوعات التالية –

1 - سيادة الطائفية السياسية في أجهزة الدولة العراقية 

تتجلى تلك السيادة في تقاسم أجهزة الدولة وسلطاتها الثلاث على الطوائف السياسية عبر مبدأ اقتسام السلطات حيث هيمنة الطائفة الشيعية على قيادة السلطة التنفيذية بينما احتلت الطائفة السنّية رئاسة البرلمان فيما تبوأت الأحزاب الكردية رئاسة الجمهورية.

- التقسيم الطائفي- القومي المشار اليه لم يستند على قاعدة دستورية بل جرى اعتماده على Hساس التوافقات المذهبية- القومية وسيادتها لاحقاً كعرف (دستوري) في الحياة السياسية.

2– تغيرات التشكيلة الطبقية العراقية. 

تعرضت التشكيلة العراقية الطبقية الى تبدلات سريعة حيث تراجعت الطبقات الاجتماعية الفاعلة في الدورة الإنتاجية - الطبقة العاملة وشرائح الطبقة البرجوازية - بينا تعززت مواقع الطبقات الاجتماعية الفرعية - الكمبورادورية والشرائح المالية الربوية –. 

– نشوء قوى طبقية فرعية جديدة تتسم بغياب روحها (الوطنية) بسبب ارتكازها على الربح السريع وتحالفاتها السياسية مع الوافد الأجنبي. 

– تبدل مهام القوى الوطنية الديمقراطية بعد تراجع تأثيراتها السياسية وما اشترطه ذلك من تغيير برامجها الطبقية والسياسية.

– اندلاع حركة عراقية وطنية شعبية واسعة مناهضة للدولة الطائفية.

- التغيرات الطبقية والسياسية الجارية في تشكيلة العراق السياسية تطرح أسئلة كثيرة أهمها- ما هو مستقبل الدولة العراقية وتشكيلتها الاجتماعية؟

وماهي القوى الطبقية في تشكيلة العراق الاجتماعية القادرة على إدارة الصراع الاجتماعي- السياسي في الظروف التاريخية المعاصرة ؟

للإجابة على التساؤلات المثارة لابد من قراءة دقيقة لفكر القوى السياسية المتنازعة وبرامجها السياسية ومواقفها من قضايا تطور سلطة الدولة العراقية ودورها في النزاعات الاجتماعية. 

- بات واضحا بأن هناك نزاعاً اجتماعياً محتدماً في تشكيلة العراق السياسية حول طبيعة الدولة العراقية - مضمون نهجها الاقتصادي - ومستقبلها السياسي وبهذا المسار تتنازع ثلاث مشاريع وطنية مختلفة تتمحور حول المؤسسة العسكرية ودورها في الدولة العراقية. 

المشروع الأول – الرؤية الطائفية للمؤسسة العسكرية.

يتمثل الموقف الطائفي من المؤسسة العسكرية بسياسة تياري الإسلام السياسي الشيعي - السنّي حيث يسعى التيار السياسي الشيعي الى حل الجيش العراقي واستبداله بالمليشيات المسلحة انطلاقاً من خشيته من النزعة الانقلابية ، بينما يسعى المشروع الطائفي السنّي الى إعادة بناء المؤسسة العسكرية بما يضمن عودة شبكة كادرها القديم وتقوية روحه الانقلابية الهادفة الى استلام السلطة السياسية. 

المشروع الثاني -الدولة الوطنية وهيمنة المؤسسة العسكرية

تحتل المؤسسة العسكرية موقعاً أساسياً في بناء الدولة العراقية نابعاً من وظائفها العامة الهادفة الى منع تحول النزاعات الوطنية الى حروب أهلية فضلاً عن دفاعها الوطني عن الدولة العراقية، وتماشياً مع تلك الرؤى تسعى بعض القوى السياسية الى بناء نظام سياسي- عسكري ذي سمات استبدادية. 

المشروع الثالث - الرؤية الوطنية -الديمقراطية. 

ترتكز رؤية المشروع الوطني - الديمقراطي لدور المؤسسة العسكرية على طيف واسع من برامج القوى السياسية الشعبية في الدولة العراقية نسعى الى تحديد عناوينها السياسية -

العنوان الأول - الولاء الوطني للدولة العراقية.

وما يعنيه ذلك من ضمان سيادة الدولة الوطنية وتطور بناء تشكيلتها الطبقية ومنع التدخل الخارجي في شؤونها الوطنية. 

العنوان الثاني- بناء الدولة الوطنية على مبادئ الشرعية الديمقراطية. 

تتمتع الشرعية الديمقراطية للدولة الوطنية بإطار جامع للقوى السياسية العراقية والتي تهدف الى إعادة بناء الدولة العراقية ومؤسستها العسكرية على قاعدة الولاء الوطني للدولة الديمقراطية وسيادتها الوطنية. 

العنوان الثالث –الشرعية الوطنية للحكم. 

إعادة بناء الدولة الوطنية الديمقراطية على أساس الشرعية الانتخابية للسلطة السياسية بعيداً عن الهيمنة الحزبية والروح الانقلابية. 

العنوان الرابع -إقامة جبهات وطنية – ديمقراطية. 

السعي الى بناء الدولة الوطنية وفق برامج اقتصادية – اجتماعية وليس ولاءات خارجية طائفية أو إقليمية.

إن الموضوعات المشار اليها تستمد فعاليتها السياسية من كفاح القوى الوطنية الديمقراطية المرتكز على بناء دولة وطنية ديمقراطية تحمي المواطن العراقي من الاضطهاد الطائفي والتمايز الطبقي وعسف الاحتلال الخارجي.