فرسان المنبر الشيوعي مطايا نظام صدام حسين..!

Wednesday 12th of August 2020 08:43:04 PM ,
العدد : 4748 (نسخة الكترونية)
الصفحة : الأعمدة ,

 محمد علي سالم

من افضال نظام الاسلمة والمحاصصة الطائفية، أنه لم يكتف باعادة تدوير العناصر الأكثـر إجرامية في النظام السابق، بل أعاد تسويق المتعاونين معه، كوكلاء، أو متطوعين، أو مرتزقة، معروضين في سوق النخاسة السياسية، ولم يتعفف عن احتوائهم، بعد أن "زودهم" بما يتطلبه دورهم الجديد، من وسائل العمل والإخفاء: لُحىً محنّاة، وأوشامٍ حسب الدور والمكانة، ومواقع في قيادات الاحزاب الإسلامية وميليشياتها ووسائل الاعلام، وتسويقهم ككتاب ومفكرين وصحفيين، بل ومناضلين.

وقد برز هؤلاء "الفضلات" ممن خانوا قضية شعبهم وتوسلوا باقبح الادوار للنيل من القوى والاحزاب والشخصيات الوطنية التي ناهضت نظام البعث، تحت شعاراتٍ مفضوحة، واكثرها "خداعًا" شعار "الدفاع عن الوطن ". وهو الشعار الذي وظفه النظام لتبييض صفحته واظهار حروبه التي انهكت العراق ودمرت بنيته التحتية، وخزينته، وكبلت البلاد بديون ما زال يرزح تحت وطأتها، وأتت على مئات الآلاف من الضحايا. ويكفي ما دفعه العراقيون من ثمن باهظٍ في مغامرة الدكتاتور وأطماعه التوسعية العدوانية بجره البلاد الى أتون الحرب العراقية الايرانية، واحتلال الكويت.

لقد تمادى بعض هؤلاء المأجورين، متجاوزين كل حدود للإساءة والتعريض والتشهير بالوطنيين، والتواري تحت أقنعة "الوطنية" بل "الشيوعية" وإدعاء أدوار في قيادة النضال الوطني. وصار بعضهم من "الدكاترة"، والكتاب، مصادر لكُتّاب الاطروحات الجامعية، وخبراء ومفكرين في تناول تاريخ الحركة الوطنية والشيوعية. ولا يتوانون، بل لا يستحي من يقدمهم بوصفهم "مفكرين" وعلماء، ومدافعين عن حقوق الإنسان .

وقد ظهر من بين هؤلاء، بعض الذين استقامت لهم الحياة السياسية المشوّهة، فتنقلوا بين التجمعات والبؤر المشتبه بمراجعها، دون استثناء أجهزة المخابرات الدولية والإقليمية والعربية .

وقد تميز بعضهم بـ"جرأة" المرتزق، فلم يخف هويته وارتباطاته المباشرة وغير المباشرة بتلك الاجهزة، ومن بينهم من أعلن صراحة ارتباطه بنظام البعث وخدمته، كما فعل "فاضل الربيعي" الذي زار بغداد علنًا ولم يتستر على علاقته، مواصلًا دوره المشبوه في إطار نشاطه الإعلامي وكتاباته. لكن البعض الآخر فضّل أن يقوم بدور "العلّاسة" و"الصكاكة" و"الخماطة" .!يلتقط ضحاياه، ويسوقها لنظام صدام، عبر غسل دماغه، واستغلال عوزه المادي في المهجر والمنافي، أو تشوشه، وعجزه عن تحمل مصاعب النضال وتضحياته، وبلغ الأمر حدًا عند بعضهم أن طالب قيادة الحزب باستئجار طائرة جارتر - خاصة تنقلهم الى بغداد للانخراط في الدفاع عن الوطن تحت قيادة صدام حسين وإحياءجبهته الوطنية..!

وقد لعب "المنبريون" في مرحلة تزايد التشوش بين الاوساط العربية والإقليمية الذين اربكتهم الاختلاطات بين "أسر" صدام حسين ومصادرته لإرادة العراقيين

وتكريس سلطته المطلقة على العراق، وتسببه بدماره وتبديد ثروته، واستقدامه عبر سياسته التوسعية العدوانية للقوات الاميركية والاجنبية للمنطقة، وبين الشعب العراقي الرافض للحروب، والمتطلع لتحرير ارادته وحماية سيادته الوطنية واستقلاله دون أن يستطيع الى ذلك سبيلا. ولم تأخذ تلك الاوساط والدول بالاعتبار أن أسباب تفكك العالم العربي ونكباته وضياع قضيته الفلسطينية إنما هي نتيجة مباشرة لنهج الدكتاتور والمستبد ونظامه الفاشي. كما لم يلتفت الى حقيقة مريرة، تتمثل في أن الشعب العراقي كان الضحية، المُكبّل بقيود النظام، معزولًا، منكوبًا بالحصار والحروب، مسلوب الإرادة للدفاع عن وطنه الذي لا يمكن أن يتحقق دون إسقاط النظام الدكتاتوري المستبد. وهذا الاختلاط في التقييم والرؤى والمفاهيم هو ما أوهم أوساطًا كثيرة بعدالة شعار" الدفاع عن الوطن" الذي كان يعني في التطبيق العملي، تزكية صدام حسين ونظامه ونهجه الاستبدادي. وهو الشعار الذي رفعه البعثيون وامتداداتهم السياسية من قوميين وإسلاميين وشذاذ آفاق، أغدق عليهم النظام أموالًا طائلةً من أموال الشعب العراقي نقدًا أو بكوبونات النفط، لإمراره على قوى وحركات معادية للولايات المتحدة والمتحالفين معها وأنصار السلام والمعادين للحرب .

لكن الاخطر من جميع هذه الاوساط والقوى التي توهمت عن حسن نية أو تواطؤٍ وممالأة، هم فرسان ما سُمي بـ"المنبر الشيوعي". وقد أخذت هذه الجماعة التي تشكلت من المطرودين من الحزب بسبب أدوارهم السياسية المنحازة الى "مصاهرة" صدام حسين والتحالف معه بغض النظر عن استباحاته وارتكاباته ونهجه المعادي لأبسط الحريات وحقوق المواطنة، ومن بينهم من وضع نفسه حقًا تحت تصرف السفارات العراقية، ولم يتوان البعض في الارتباط بصيغ مختلفة مع الاجهزة الامنية والمخابراتية العراقية، وبين هؤلاء أعضاء في اللجنة المركزية والمكتب السياسي الذين أسقط عضويتهم المؤتمر الوطني الرابع، وانضم اليهم بعض الكوادر الثانوية الذين طُردوا من الحزب أكثر من مرة لأسباب، لا علاقة لها بالسياسة والانضباط الحزبي، كما هو الحال مع عبد الحسين شعبان أحد فرسانهم الذي ظل يصول ويجول ويتنقل بولاءاته وانتمائه السياسي، حتى الآن نافثًا سمومه ضد كل القيم الوطنية ومتعرضًا للمناضلين الذين ضحوا بحياتهم دفاعًا عن سيادة البلاد واستقلالها وحرية العراقيين واستعادة إرادتهم. ويزعُم البعض أو تَشتبه عليه حقيقة هؤلاء، كما لو أنهم "وطنيون"، بل" شيوعيون" مخالفون فكريًا وسياسيًا لنهج الحزب الشيوعي وسلوك قيادته ...!

لقد تحرك قادة "المنبر الشيوعي" وهم الذين يسميهم الشيوعيون والديمقراطيون أصحاب "الچمبر الصدامي" والمتعاطفون معهم في مختلف الاوساط والبلدان التي يتواجد فيها العراقيون في المنافي والمهاجر القسرية، لحثهم على العودة الى البلاد والنضال في ظل النظام "المستعد" لاحتضانهم وتمكينهم من النشاط السياسي والحزبي بحرية وضمان عودتهم الى وظائفهم السابقة وتأمين معيشة من لا وظيفة له .

وبين أبرز من أسسوا المنبر أوتعاطفوا معهم ممن قاموا بادوار خطيرة في انتكاسة العراق والحركة الوطنية والحزب الشيوعي، مهدي الحافظ ونوري عبد الرزاق وحسين سلطان وماجد عبد الرضا وعبد الحسين شعبان وهذا الأخير لم يكن يومًا كما يدعي قياديًا، وخليل الجزائري، وخالد السلام، ومحمد جواد فارس وعلي عرمش شوكت واحمد كريم وشوكت خزندار الذي كُشف النقاب عن علاقته بـ"المخابرات العراقية" .

والى جوار هؤلاء وبالتعاون معهم، نشط باقر ابراهيم المطرود من الحزب لممالأته للنظام وانحيازه له دون تحفظ ولـ"جبهته الوطنية" فاقدة الصلاحية التي ولدت وهي في حالة احتضار و"موتٍ سريري"، وآرا خاجادور، الذي انقلب على أعقابه بعد ان سقط في انتخاب المكتب السياسي، ورثى صدام حسين عند إعدامه ..!

وكان من بين إنجازات هؤلاء، توريط كلٍ من حسين سلطان وخليل الجزائري وخالد السلام للسفر الى بغداد لتشكيل نواةٍ لهم وتمهيد عودتهم ومشاركتهم في الجبهة والسلطة كبديلٍ عن الحزب الشيوعي.

وكانت مصائر بعضهم مأساوية : تم ذبح خليل الجزائري بطريقة مريعة، مربوطًا الى كرسي، ممزقًا ومشوه الملامح، توفي حسين سلطان دون ان يرى نتيجة اوهامه وانخراطه مع المجموعة المشبوهة، ماجد عبد الرضا انضم تدريسيًا في الجامعة وكاتبًا ممجدًا لفكر صدام حسين وعبقريته الفكرية والسياسية في جريدة الثورة الناطقة باسم البعث، ومات بعد إصابته بالزهايمر، ولم يسلم سوى خالد السلام الذي استطاع النفاذ بجلده والهرب عائدًا الى باريس، ولمن لا يعلم تاريخ هذا المنبري المتحمس، أنه كان من بين من نشروا براءة من الحزب الشيوعي العراقي قبل ثورة ١٤ تموز، دون أن يتعرض الى التعذيب .

أما من ظل في الخارج، فكانت مصائرهم لا تشرف وطنيًا يعتز بنضاله ورصيده الوطني:

وضع باقر ابراهيم نفسه تحت تصرف السفارة العراقية في القاهرة، متعهدًا بالاخلاص للنظام "والدفاع عن الوطن"، ممجدًا "كتائب ثورة العشرين" الإرهابية وزعيمها حارث الضاري، وهي الكتائب التي أودت بحياة المئات من العراقيين، وفي وثيقة مخابراتية كُشف عنها بعد سقوط النظام، إشارة الى تعهده بخدمة النظام، لكنه لا يريد الانخراط في جهاز المخابرات .

للأسف مات مهدي الحافظ مبكرًا بعد أن تنقل في مسيرته السياسية منذ تأسيس المنبر في تشكيلات سياسية عديدة، انتهى به المطاف الى الانضمام الى جماعة الباججي، ثم استدار عشية كل دورة انتخابية من قائمة انتخابية الى أخرى، دون أن يستنكف عن العمل مع اي جهة تُؤمن له وزارةً أو مقعدًا برلمانيًا.

واختار نوري عبد الرزاق أن ينَفُذ بجلده "وينكفئ سياسيًا" مكتفيًا بالبقاء في صومعة منظمة التضامن الافرو آسيوي في القاهرة .

ومن بين الوقائع الدامغة المثيرة، في تاريخ باقر ابراهيم تسببه باعدام الضابط الشيوعي الشهيد الملازم "عامر الهيتي" الذي سارع بالتوجه بملابسه العسكرية من كركوك الى المقرالمركزي للحزب الشيوعي العراقي في بغداد لاخبار قيادة الحزب بنيّة المخابرات العراقية تفجير السينما التي كان في نية منظمة كركوك تنظيم احتفالية فيها بذكرى تأسيس الحزب، وبعد تردد باقر إبراهيم بمقابلته، استجاب للقائه طالبا منه كتابة رسالة بخط يده تتضمن ما أبلغه به شفهيًا، وعند محاكمته عُرضت عليه تلك الرسالة وحُكم عليه بالإعدام، وكان باقر إبراهيم قد أوصل الرسالة عن طريق مهدي الحافظ الى صدام حسين لتبييض صفحته باعتباره من المطالبين بتحريم النشاط الحزبي في القوات المسلحة ..!

يظل وحده عبد الحسين شعبان لم يتعب من انتقالاته من "حضن دافئ" الى آخر، فمن المنبر وارتباطه بالسفارة العراقية في براغ، حيث صار جسرًا لمن يريد العودة الى العراق بتسهيل متطلباته الى جانب ادواره الاخرى، وجد عبد الحسين ضالته التي تحقق له ذاته المُضيّعة ونرجسيته المتورمة في المؤتمر الوطني العراقي وحاضنته السياسية والمالية واللوجستية المخابرات المركزية، ليصبح امينا عاما له الى ان اكتشفت قيادة المؤتمر صلته بالمخابرات العراقية وتسريبه لمحاضرها، ووضعته أمام أحد خيارين: كشف هويته الحقيقية وفضح ارتباطه بالمخابرات أو الاستقالة من المؤتمر، ويقول البعض إن نوري عبد الرزاق ومهدي الحافظ كلفا من قبل الدكتور أحمد الجلبي باقناعه بالاستقالة وقد فعل ذلك مرغمًا، وادعى دون خجل أنه استقال لأسبابٍ سياسية..!

ومن بين أخطر محطاته، انضمامه الى تجمع "المقاومة الارهابية" التي كان من بين قادتها الضاري والخالصي والبعثي جبارالكبيسي وفوزي الراوي واشتراكه في مؤتمر بيروت الذي نظموه للتنسيق بين الفصائل الارهابية المناهضة للعملية السياسية، وفي إحدى صولاته الملفتة مشاركته في الوفد الذي نظمه التجمع المذكور الى ليبيا واللقاء مع القذافي، وفي حركة تكفي لفضح الهوية الحقيقية لعبد الحسين شعبان إهداءه كتبه حول القانون لـ"الاخ القائد" معمر القذافي :

"الى خير من أهديه كتبي في القانون الى حامي القانون" ..!

وكان مصير هديته أن وضعته الثورة الليبية في قائمتها السوداء..!