التطبيع أم الاتفاق

Saturday 15th of August 2020 06:14:56 PM ,
العدد : 4750
الصفحة : آراء وأفكار ,

 د. أثير ناظم الجاسور

عندما وقع الرئيس المصري " محمد أنور السادات" معاهدة السلام في كامب ديفيد مع " مناحيم بيغن" رئيس وزراء الكيان الصهيوني كما يسمونه العرب في السابق عام 1978 قامت الدنيا ولم تقعد ما انفكت الصحافة العربية والمثقفون العرب من أن يصفوا الموقف المصري بالموقف المشين والمسيء للعرب ولتاريخهم التليد،

وحتى ينتقموا لأنفسهم تركوا تبعات نكسة حزيران وعجرفة قادتها الذين أوصلوا العرب لما هم عليه ونسوا أن النفط سلاح المعركة ولم يفكروا أن مصر تقع على خط تماس مع إسرائيل وإسرائيل مدعومة من أكبر قوى العالم ومن واجب صانع القرار المصري أن يحقن دماء شعبه وأن لا يبقيهم مشاريع موت من أجل مشروع أمة لا جدوى منه بعد أن تربعت على كراسي حكمه دكتاتوريات جمهورية وملكية لا تعرف سوى أن من الضروري أن تبقى وتستمر، أما الشعب العربي فقد انتابته موجات من الغضب والإحباط والحسرة ونزلت الجماهير إلى الشوارع منددة بهذا الحدث الجلل الذي أصاب العرب في مقتل، فراح العرب يعملون على عزل مصر بشتى الطرق عن الركب العربي ونقلوا الجامعة العربية بعد أن تم تعليق عضوية مصر في الجامعة العربية منذ العام 1979 حتى العام 1989، بالرغم من أن الشعب المصري لم يكن راضياً عن هذه الاتفاقية وكان من أشد الرافضين لكن الإرادة السياسية ارتضت ذلك وراحت أبعد من كل التوقعات فبعد حرب وعداء بدأت صفحة جديدة من العلاقات مع أشرس عدو للعرب، واستطاع السادات بطريقته وسياسته إعادة أراضيه المحتلة تحديداً تلك التي تم احتلالها عام 1967 وأكد على أنه ليس الأول ولن يكون الأخير عربياً.

بهذه الكلمات لسنا من المدافعين عن الخطوات المتبعة في كامب ديفيد أو قضية التطبيع الخ ،خصوصاً وإن إسرائيل تحتل أرضاً عربية وتضطهد وتظلم شعباً عربياً كل ذنبه أنه طُلب منه أن ينتظر اليوم الذي تدخل جيوش أشقائه العرب لتحرره من هذا الاحتلال، لكن ما نريد أن نصل لمسألة مهمة وهي مهما كانت طموحات الشعوب العربية مع تفاوت نسب هذه الطموحات يبقى رأس الهرم العربي يعمل لصالح بقائه واستمراره، فالحديث عن الصراع العربي – الإسرائيلي ليشهد الجميع أنه دعاية لتأجيج الشارع العربي حالما حدثت أزمة داخلية لهذا النظام أو ذاك، وفلسطين القضية المركزية هي قضية تعيش في قلوب من عاشها واكتوى بنارها وخيبة زرعت في نفس شعبها ولوعة الشعوب الفقيرة والمظلومة، أما المترفين المرفهين فهم بعيدون عن تلك الترهات التي تصدع الرأس ولا تجدي نفعاً بعد التجارب التي مرت بها الأمة العربية أصبحت متمرسة سواء كانت مع الحق أم مع الباطل، لسنا مدافعين عن السادات وغاياته لكننا نتساءل اليوم أين الأصوات المنددة بتطبيع دول الخليج مع إسرائيل من غير القوميين الذين لا زالوا يعيشون على أطلال الماضي؟، وأين الجماهير العريضة التي تملأ الشوارع لمجرد خدش أصاب الجسد العربي؟.

تساءل مواطن عربي وهو يعقب على الاتفاق الإماراتي – الإسرائيلي هل تركتم فلسطين تعاني لوحدها؟، السؤال فيه عتب شديد وحيرة وانكسار لكن الجواب واضح ولا يحتاج إلى تفسير فالحقيقة تقول من قال لكم أن فلسطين كان يحميها اشقاؤها العرب؟، ومن قال لكم إن الحكام العرب يوماً سينصرون قضية عربية للنصرة لا للفائدة ، ففلسطين لم تكن الأخيرة والعراق لحقته سوريا واليمن وليبيا، وعدو الأمس أصبح صديق اليوم وضامن المستقبل وبوصلة العداء تشتت حتى أصبح العربي لا يعلم أي جبهة يحارب و أي طرف يعادي، لم يعد أمام العرب إلا أن يجلسوا في بيوتهم ويفتحوا قوس قائمة المطبعين فهم كثر في الأشهر أو السنوات القادمة فكل الدول ستذهب مهرولة من أجل أن تنال هذه الحسنى، وقضية التطبيع وتوقيع الاتفاق أصبح أمراً واقعاً على الجميع تقبله والتسليم له، فسواء كان التوجه من الخليج العربي أم من المغرب أم من المشرق فكلها لذات الغاية وذات السبب ليست فقط قضية خوف من القوى الكبرى المساندة لإسرائيل ومشروعها ، إنما أيضاً أصبحت قضية التطبيع أمراً مسلماً به ومن يعتبر هذه الخطوات أمراً كارثياً على مستقبل الأمة العربية فهو بالنتيجة إيجابي لإسرائيل في إطار علاقتها مع العرب عدوها الأول في المنطقة فهي حريصة على أن تعزز علاقتها مع هذه الدول لاعتبارات الأمن والبقاء، فالكل يبحث عن مصالحها فرادى وتسعى أن تعزز دورها من خلال بقائها واستمرارها وما على الحكام العرب إلا السمع والطاعة.