نافذة من موسكو..لماذا آفاق الاقتصاد العراقي غير مفرِحة في عام 2020

Sunday 23rd of August 2020 07:01:46 PM ,
العدد : 4756
الصفحة : آراء وأفكار , د. فالح الحمراني

 د. فالح الحمـراني

تبدو آفاق الاقتصاد العراقي في 2020 قاتمة(*). ويتوقع صندوق النقد الدولي انخفاضاً في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بنسبة 5 % على الأقل هذا العام ، وهو متفائل بحذر بشأن انتعاش النمو الاقتصادي في 2021-2022. عند مستوى 1.9 - 2.7 % .

ومع ذلك ، فإن مثل هذا السيناريو الإيجابي سيصبح ممكناً فقط عند تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الأساسية واستقرار أسعار النفط في الأسواق العالمية. ووفقًا للبنك الدولي سيصل عجز الميزانية في البلاد هذا العام وحده إلى 19 % من الناتج المحلي الإجمالي ، مما قد يمنع الحكومة العراقية من الشروع أخيراً في استثمارات طال انتظارها في البنية التحتية والإصلاحات في قطاعي التصنيع والخدمات. وسيتعين عليها استخدام احتياطيات البنك المركزي والبنوك الوطنية الأخرى لتغطية الاحتياجات المالية.

وهناك مؤشرات على أن عدم دعم الحكومة للقطاع الخاص ومستخدميه سيخلق مخاطر كبيرة لمزيد من تهميش منتسبي هذا القطاع ، خاصة بين الشباب العاطل عن العمل. وسيؤدي هذا حتماً إلى زيادة الاحتجاجات الاجتماعية وتراجع الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية ويهدد آفاق التنمية الاجتماعية والاقتصادية للبلاد بعد عام 2020. ووفقًا لتوقعات البنك الدولي ، قد يؤدي فقدان الوظائف وانخفاض الدخل في القطاع غير الرسمي ، جنباً إلى جنب مع التهديد بارتفاع أسعار المواد الغذائية ، إلى مضاعفة معدل الفقر في البلاد في الأشهر المقبلة من 20 % حاليًا إلى 40 %.

وبالتالي ، فإن الكثير سيتوقف على نهج الحكومة العراقية الجديدة برئاسة مصطفى الكاظمي. ويتعين على الحكومة العراقية أن تواجه في وقت واحد مجموعة كاملة من التحديات التي تهدد التنمية الاقتصادية للبلاد. فمن ناحية توقف تنفيذ إصلاح القطاع العام الذي اصبح قضية ملحة، بعد الحرب ضد داعش، بما في ذلك المشكلة الحساسة المتمثلة في اللامركزية السياسة والاقتصادية ونقل الصلاحيات إلى المحافظات، وخاصة إقليم كردستان. وهنا تفرض نفسها أيضاً وبشكل حاد، مشاكل التغلب على الفساد في الاقتصاد ، وزيادة الشفافية والمساءلة ، فضلاً عن الكفاءة والمحاسبة والفعالية. وتحتل مشكلة تطوير القطاع غير النفطي في العراق مكانة خاصة في أولويات الحكومة ، وتعلق عليها آمال كبيرة على خلفية هبوط أسعار النفط العالمية وخفض حصة العراق بعد الاتفاقات التي تم التوصل إليها في إطار " أوبك + " الربيع الماضي.

من ناحية أخرى ، فإن المشكلة الأكثر حدة وإلحاحاً للحكومة الجديدة هي التغلب على التركات الاجتماعية والاقتصادية لوباء COVID-19 ، الذي ألحق أضراراً كبيرة في القطاع الخاص للاقتصاد العراقي ، ولا سيما المشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم ، والتي في الواقع ، جرت المراهنة عليها لتكون قوة دافعة في عملية إصلاح القطاع غير النفطي للاقتصاد العراقي، وفي سياق الإغلاق والقيود المفروضة على التجارة الدولية والمحلية ، فضلاً عن التهديد بانهيار آليات الاستيراد ، ستسعى الحكومة ، على العكس من ذلك ، إلى فرض سيطرة أكثر صرامة على إدارة الموارد والأصول ، بما في ذلك البنية التحتية والنقل والتجارة الحدودية لحل مشاكل الأمن القومي ، بما في ذلك الأمن الغذائي والإمداد المستدام وغير المنقطع للسلع والخدمات الأساسية ، إن هذا الإجراء المهم والإلزامي إلى حد كبير مفهوم ، لكنه يدفع بالمهام العاجلة لتعزيز التنمية الاقتصادية على حساب القطاع الخاص وزيادة الأعمال.

والسؤال الوحيد هو مدى فعالية الخطوات الحقيقية للحكومة العراقية في المجال الاقتصادي، حتى الآن ، حيث لا تعمل الإجراءات المتخذة لمواجهة عواقب وباء كورونا فايروس بشكل جيد ، وتركز حزمة الإجراءات لتحفيز الاقتصاد التي أعلنت عنها الحكومة العراقية بشكل أساس على خلق وظائف جديدة في القطاع العام ، وجدولة الرواتب التقاعدية وإجراءات الحماية الاجتماعية للفئات الأكثر ضعفاً. وفي سياق COVID-19 ، يتم اتخاذ تدابير للحد من قيود الاستيراد على عدد من المنتجات الغذائية من أجل خلق ظروف مواتية لتحفيز نمو الإنتاج الزراعي المحلي. في الوقت نفسه ، لا توجد خطوات ملموسة أو إنها غير كافية لتعزيز النمو الاقتصادي من خلال القطاع الفعلي ، فضلاً عن الإصلاحات الهيكلية لخلق وظائف جديدة في الصناعات التنافسية ، وجذب الاستثمار من القطاع الخاص. وبالتالي ، فإن الاستثمارات في القطاع غير النفطي للاقتصاد في النصف الأول من عام 2020 لا تزيد عن 18 % ، ومن المتوقع أن يكون الانخفاض في الناتج المحلي الإجمالي في القطاع غير النفطي في عام 2020 كبيراً للغاية ، بترتيب أعلى من المتوسط ​​المرجح لصندوق النقد الدولي البالغ 5 %.

وعامل خطر آخر للاقتصاد العراقي يتمثل بالانخفاض الحاد لتحويلات العمالة العراقية المهاجرة من الخارج نتيجة لتأثير الوباء، ففي السنوات الأخيرة ، وصل إجمالي قيمتها إلى ما معدله مليار دولار سنوياً، ولكن في عام 2020 ، من المتوقع أن تنخفض هذه الإيرادات بشكل حاد.

وما يتعلق بالدعم المالي لحزمة الإصلاح ، فمشروط أيضاً في عدد من القيود الموضوعية. وتضطر الحكومة إلى تحقيق التوازن بين الإصلاحات الملحة والاحتياجات الأكثر إلحاحاً في مكافحة الوباء. 

وباختصار، أهم مفتاح لنجاح مبادرات الإصلاح الجديدة في الاقتصاد هو دعم القطاع الخاص في العراق ، وهو الأكثر عرضة لتأثيرات الوباء ، ولكن في الوقت نفسه لديه إمكانات عالية للغاية لتحفيز النمو الاقتصادي العام في البلاد. إن القطاع الخاص للاقتصاد العراقي يتنامى باستمرار منذ بداية النزاع المسلح وتدخل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في عام 2003 وإلى اليوم ، ووفقاً لتقديرات مختلفة ، يمثل 60-80٪ من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. فهو الذي يشكل أساس التنمية غير النفطية للاقتصاد العراقي ويخلق الشروط المسبقة للنمو الاقتصادي المستدام طويل الأجل للبلاد بعد عام 2020. في الوقت نفسه ، وفقًا لتقديرات أولية لخبراء من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) ، نتيجة لتأثير الوباء ، انخفض الإنتاج بين المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في القطاع غير الرسمي في أبريل 2020 بنسبة 52 % في المتوسط. كان الانخفاض الأكثر أهمية في البناء والإنتاج الصناعي - حتى 68 % ، وكذلك في صناعة الأغذية - 61 %. وفي الوقت نفسه ، فإن تراجع القوة العاملة في القطاع غير الرسمي يشكل تهديداً أكبر - فهو في المتوسط ​​أكثر من 60 % في الصناعات ، وفي البناء والإنتاج الصناعي يصل إلى 80 %. وتأثرت جميع القطاعات الرئيسية في الصناعة غير النفطية تقريباً - التجارة والبنوك والنقل والسياحة والحج ، إلخ. إن هذا الاتجاه مقلق للغاية ومن المهم أن تبذل الحكومة كل جهد ممكن لمنع خطر إفلاس جميع هذه الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم. وبالإضافة إلى حزمة الحوافز المالية ، هناك حاجة إلى تدابير الحماية الاجتماعية للمستخدمين في القطاع الخاص ، والتي تتجاهل حتى الآن القطاع الخاص، لأن المستخدمين في هذا القطاع خارج نظام التأمين والضرائب والدعم الحكومي ولا يمكنهم ، وفقاً لذلك ، التأهل للحصول على المزايا والمدفوعات التفضيلية الأخرى في سياق الوباء.

 

* اعتمدت المادة على تقارير معهد الشرق الأوسط بموسكو