المحاصصة الطائفية والسياسية: مكمن الخلل في العملية السياسية

Tuesday 15th of September 2020 06:52:39 PM ,
العدد : 4771
الصفحة : آراء وأفكار ,

 أ.د علي كاظم الرفيعي

تداولت وسائل التواصل الاجتماعي يوم الاربعاء المنصرم 9/9 موضوعاً حساساً لايمكن السكوت عنه وهو قبول طلاب في الكلية العسكرية على أساس طائفي ، إذ خُصص حقل في قوائم القبول يُدرج فيه إزاء اسم كل طالب مذهبه الديني (شيعي ، سني )

وهو إجراء يدل على سياق جديد تم اتباعه في الكلية العسكرية بعد عودتها للعمل ويراد له أن يتجذر ، والمستغرب كذلك أن قوائم القبول اقتصرت على ابناء المذهبين الشيعي والسنّي فقط ولم تتضمن القوائم اسماء طلاب يمثلون الديانات المسيحية والصابئة المندائين والأيزيديين والديانات الأخرى.

إن هذا السياق الطائفي في القبول مؤشر خطير يدل على تجاهل قادة هذه المؤسسة العسكرية والجهة التي يرتبطون بها وزارة الدفاع على تجاهل وعدم احترام صوت الشعب العراقي الرافض لنهج المحاصصة الطائفية والأثنية الذي اعتمدته الأحزاب والكتل السياسية الماسكة بزمام السلطة منذ عام 2003 ووجدت فيه مبرراً في الاستحواذ على قيادات الجيش العراقي والقوى الامنية والمواقع المهمة في السلطة التنفيذية والهيئات المستقلة نزولاً الى الدرجات الأدنى في الوظائف المدنية بحجة أنها – الكتل السياسية المتنفذة – تمثل (المكون) الشيعي والسني والكردي ، ووجد هذا النهج المحاصصي طريقة لتوزيع رئاسات السلطات التشريعية والتنفيذية والوزارات والهيئات المستقلة ووكلاء الوزارات والمستشارين والمدراء العامين والمواقع الرئيسة في المحافظات على أسس المحاصصة النفعية . 

لا نروم هنا أن نعود الى مناقشة موضوع المحاصصة الذي أجمع العراقيون على رفضه وجسدته انتفاضة تشرين بما قدمته من شهداء وجرحى تجاوز عددهم الخمسة وعشرين ألفاً من شباب العراق مما اضطر أحزاب المحاصصة مجاراة مطالب الانتفاضة ودعوتها على ألسنة قادتها الى إعادة النظر في العملية السياسية ورفض نهج المحاصصة . 

إن المسؤولين في الكلية العسكرية ووزارة الدفاع فاتهم أن سلوكهم هذا يبقى خفياً ولن يكشفه مجهر مراقبة ابناء الشعب وبالأخص الطلاب الذين تم استبعادهم من القبول . 

كلنا يعلم أن هناك معايير للقبول في الكليات والمؤسسات العسكرية ، في المقدمة منها الهوية الوطنية والشهادة الدراسية واللياقة من حيث العمر والصحة البدنية والعقلية . 

المفترض في الجيش الوطني أن يكون حاضنة لكل العراقيين ويؤدي دوره في إعدادهم للدفاع عن الوطن وهذا هو أساس العقيدة العسكرية التي نشأ عليها قادة ومراتب الجيش العراقي منذ تأسيسه . كم تكون هذه المؤسسة مثالاً في تعزيز الوحدة الوطنية لو أن كلياتها العسكرية في بغداد وإقليم كردستان ومدن العراق الأخرى تفتح أبوابها لكل العراقيين بمختلف أديانهم وقومياتهم ومذاهبهم ومعتقداتهم . 

إن الابتعاد عن المعايير الوطنية والمهنية واعتماد الطائفية المذهبية والأثنية يمثل ضربة قاتلة لهدف وحدة الوطن ومنفذا للفساد وهو ما يحصل في واقعنا الحالي إذ يتم تعيين الموظفين في مؤسسات الدولة ومنها المؤسسة العسكرية والأمنية من خلال الرشى لأفراد من الفاسدين يمتهنون ذلك ولهم علاقات قوية مع المسؤولين في مركز القرار الذين لديهم صلاحيات القبول والتعيين في هذه المؤسسات . ما زال هذا الواقع المأساوي في الحصول على فرص العمل في الدولة ساريا حتى يومنا هذا ، ففي احد الاجهزة الامنية الرفيعة في الدولة تم قبول أشخاص في الدورات التي يعدها هذا الجهاز بترشيح من رئيس إحدى السلطات الثلاث على أساس الحصص وسميت بشكل غير رسمي وعلى ألسنة المقبولين والعاملين في دوائر الجهاز بالاسم الشخصي لذلك المسؤول الرفيع . 

إن إصرار مؤسسات الدولة ومنها المؤسسات العسكرية والأمنية على اتباع نهج المحاصصة بعد كل المآسي التي عاشها العراق ما هو إلا دليل واضح ومتعمد على عدم احترامها الدستور الذي قرر في المادة (14) منه على أن العراقيين متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب او المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي ، وكذلك المادة (16) التي نصت على أن تكافؤ الفرص حق مكفول لجميع العراقين وأن الدولة تكفل اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحقيق ذلك ، وهذا ما أكدته المحكمة الاتحادية العليا بقرارها ذي العدد 89 / اتحادية / 2019 في جلستها المنعقدة في 28/10/2019 والذي جاء فيه أن السير في خلاف ما نص عليه الدستور قد خلق ما يدعى بـ (المحاصصة السياسية) في توزيع المناصب التي ورد ذكرها ، وما نجم عن ذلك من سلبيات اثرت في مسارات الدولة وفي غير الصالح العام ، اضافة الى مخالفتها لمبدأ المساواة بين العراقيين الذي نصت عليه المادة (14) وكذلك المادة (16) ، وفي ضوء ذلك قررت المحكمة الاتحادية العليا بقرارها انف الذكر عدم دستورية الفقرة (6) من قرار اتخذه مجلس النواب بالعدد (44) لسنة 2008 الذي تضمن موافقة المجلس على مطالب القوائم والكتل السياسية على توزيع المناصب العليا في الدولة (وكلاء الوزارات ورؤساء الهيئات والدرجات الخاصة ) فيما بينها دون مراعاة تكافؤ الفرص لكافة المواطنين. 

إن التوجيه الذي صدر عن مكتب رئيس الوزراء بالغاء حقل المذهب في استمارة قبول الطلاب في الكلية العسكرية وإن أشار الى اعتماد الهوية الوطنية في موضوع القبول إلا أنه ليس كافياً ولابد من إصدار تعليمات او توجيهات يحدد فيها شروط القبول في هذه الكليات على أساس الهوية الوطنية وابعاد العناصر التي تتبنى النهج الطائفي عن المشاركة في لجان قبول الطلبة . 

إن قبول أو تعيين الكادر في وزارة الدفاع والطلاب في الكلية العسكرية على أساس مذهبي يتضمن مخالفة صريحة لنصوص دستور جمهورية العراق المشار إليها أنفاً ويتطلب الأمر بالتالي إعادة النظر في قبول الطلاب على الاساس المذكور ، كما يحق للطلاب الذين حرموا من فرصة القبول أن يطالبوا باعادة النظر في قبولهم مجدداً أو التقدم بشكوى أمام القضاء المختص كونه يشكل مخالفة صريحة لنصوص الدستور .