الفساد .. وابتلاء البلاد بسرقات الساسة والعباد

Wednesday 23rd of September 2020 09:12:24 PM ,
العدد : 4777
الصفحة : آراء وأفكار ,

 حسين رشيد

تحث حكومة السيد الكاظمي الخطى (المتأنية) نحو مكافحة الفساد ومحاولة تنظيف مؤسسات الدولة من اللصوص او بالأحرى من ظاهرة اللصوصية التي يبدو انها لم تعد مثلما كانت (عيبا) اجتماعيا وجريمة مخلة بالشرف ترافق مرتكبها طوال الحياة، ففي عراق ما بعد 2003 تحولت الى بطولة وشطارة واستعادة حقوق كما يصورها بعض السراق على مختلف احجامهم .

تشير المعلومات إلى أن آلة الفساد اجتاحت أكثر من ستة آلاف مشروع في مجالات مختلفة، منها مشاريع وهمية وأخرى متعثرة منذ عام 2004، بحسب تأكيد الحكومة ان قيمة هذه المشاريع ثلاثمائة مليار دولار وربما اكثر من هذا المبلغ الذي وفر غطاءً ماليا للفاسدين واللصوص مكنهم من لجم افواه اي جهة وشخص يمكن ان يتحدث عن تلك المشاريع التي علقت على شماعة الازمة الاقتصادية في حين ان نسبة كبيرة من الاموال المخصصة لها سُلمت الى الجهات المعنية بالتنفيذ لكنها بقيت دون رقابة او متابعة. ومن لم يتمكنوا من لجم فمه برشوة ومشاركتهم الفساد، فالامر الاخر محاربته وظيفيا اونقله لوزارة اخرى وما اكثر هذه الحالات التي تحتاج الى مراجعة وانصاف ، وان لم ينجحوا فالتصفية مصيره اذ لم يذعن لهم.

على صعيد إهدار المال العام، تتحدث مصادر غير رسمية عن أكثر من 800 مليار دولار خلال السنوات الماضية اهدرت وتبخرت بين فسادٍ وسرقة واختلاس وسوء ادارة ومحسوبية وكسب غير مشروع ومحاصصة حزبية من خلال مكاتب الاحزاب الاقتصادية التي تعد احد اكبر ابواب الفساد في البلاد.

فما ان يتبادر الى مسامع تلك المكاتب وجود مناقصة لمشروع معين تسارع الى خلق شركة وتسجيلها في غرفة تجارة واتحاد الشركات وتضع لافتة كبيرة على جدار احد البنايات التابعة للحزب او التي استحوذ عليها ان كانت عائدة للمال العام او ملك شخصي هاجر ملاكها لشتى الاسباب والاحداث التي عصفت بالبلاد، وما اكثر تلك الاملاك التي تم الاستيلاء عليها بالسلطة والسطوة المسلحة. وما أن ترسو عليهم المناقصة او تنفيذ المشروع حتى يحال ( يباع) الى شركة اخرى وربما الى ثالثة وكل جهة تنال حصتها من الاموال المخصصة ويبقى المشروع دون تنفيذ ثم يأخذ رقما في قائمة المشاريع المتلكئة.

٨٠ % من المسؤولين ومدراء المؤسسات الحكومية جاءت بهم المحاصصة والمحسوبية الحزبية ونسبة كبيرة منهم تجدهم يدعون الورع والتقوى ولا يفوتهم وقت صلاة هم وموظفيهم حتى انهم يتركون المواطنين بانتظار اتمام معاملاتهم ويؤدون فروض الصلاة في مساجد الدوائر التي باتت موضة جديدة من موضات قوى الاسلام السياسي المتنفذة في البلاد. نسبة كبيرة من هولاء الورعين التقاة العباد تجدهم لايفوتون فرصة للكسب غير المشروع (قانونيا) ان كان عبر الرشوة التي تتحول الى هدية حسب تخريجاتهم الشرعية او من خلال النسبة والعمولات جراء احالة المشاريع الحقيقية والوهمية . 

عمل لجنة التحقيق في قضايا الفساد الكبرى والجرائم الاستثنائية والمُشكلة من قبل رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي وتعمل بمتابعته اثارت جدلا في مواقع التواصل الاجتماعي والاعلام فالجماعات المتضررة (ماديا) شنت حملة ضد اللجنة والكاظمي، وثمة جماعات اخرى مستفيدة (ماديا) لكن بدرجة اقل من الجماعات الاولى بل ان استفادتها مقرونة بما تجني تلك الجماعات اخذت نشر الشكوك بعمل اللجنة في محاولة قتل التفاؤل الشعبي بهذه الحملة التي اثمرت عن القبض على شخصيات كبيرة في ملفات فساد مهمة ربما تفتح الابواب على ملفات اخرى اكبر. فحسب التسريبات ان هناك مئات اوامر الاستقدام والقاء القبض غير قابلة للطعن ستتم في الايام المقبلة ومنها ما تم بسرية، والذي يبدو ان هذه اللجنة رغم ما تتعرض لها من ضغوطات ليست كما بقية اللجان التي شكلت في فترات سابقة واخرها (المجلس الاعلى لمكافحة الفساد) الذي شُكل في عهد حكومة عادل عبد المهدي المستقيلة بضغوط انتفاضة تشرين ودماء الشباب الباحث عن وطن.

ربما لايمكن غلق كل ابواب ومنافذ الفساد بوقت واحد لكن يمكن وضع تلك الابواب تحت المراقبة الصارمة والمتابعة الدورية مع العمل على اعادة فتح كل الملفات المثارة وغير المثارة، او تلك التي اغلقت في زمن الحكومات السابقة، وبشكل خاص ملف البطاقة التموينية، والمصانع المعطلة، وقطاع الاستثمارات وكيف تحولت عشرات الحدائق والمتنزهات إلى مولات ومراكز تجارية لجهات غير معروفة، ملف الاستيراد العشوائي وغسيل الاموال والمرتبط باكبر باب فساد في البلاد متمثل بمزاد العملة اليومي والمرتبط بالمنافذ الحدودية التي تحتاج للتطوير والتحديث عبر ادخال التكنولوجيا الحديثة في عملها، كذلك ملف املاك وعقارات الدولة التي نهبت علنا وسرا، وملف الكهرباء الذي لايحتاج للتذكير ، وملف الماء الصالح للشراب والمشاريع المعطلة لصالح معامل تعبئة وتصفية الماء، ملف محطات الوقود الحكومية والاهلية وانتشارها السريع، ملف القروض الصناعية والزراعية التي ذهب اغلبها إلى مشاريع وهمية، ملف الثروة الحيوانية وتعطيل المعامل الانتاجية اذ كانت معامل الالبان ومنتجات الحليب او معامل اللحوم والمنتجات الاخرى، ملف مصافي وتكرير النفط التي بسببها يستورد العراق وقود بقرابة 3 ترليون دينار سنويا، يمكن بها بناء عشرات المعامل والمصافي وتشغيل عشرات الاف من الشباب الباحث عن عمل، ملف طباعة المناهج الدراسية الذي يتكرر كل موسم دراسي، ملف الجامعات والمدارس الاهلية، وملف الاتصالات، ملف صفقات الاسلحة. 

لكن حملة القاء قبض واستقدام وحدها لاتكفي ولا تفي بالغرض فلابد من إجراءات ادارية وقضائية سريعة ودقيقة وحازمة، إتجاه كل اللصوص والمتلاعبين بالمال العام، والمستغلين للمناصب الوظيفية ممن اثروا بشكل فاحش، وذاك ليس بصعب ابدا فجرد حساب لأملاك كل مسؤول قبل ان يكون في المنصب وبعده ومن بقي منهم في منصبه الى اليوم يمكن معرفة الكثير، كذلك يتوجب ايجاد تشريعات وقوانين جديدة اكثر صرامةً، فالقوانين الحالية لاتتناسب وحجم آلة الفساد ومعتداتها التي التهمت الحرث والنسل وهنا ياتي دور مجلس النواب ولجان النزاهة والرقابة بسن قوانين جديدة أو تعديل النافذة منها كقانون العقوبات رقم(111) لسنة 1969 وقانون الإثبات رقم (107)لسنة 1979 وقوانين أخرى تحتاج للمراجعة والتعديل واعادة تفعيل ديوان الرقابة المالية واعطائه صلاحيات اكبر، وإلحاق هيئة النزاهة بالديوان الذي يحظى باحترام وثقة ابناء الشعب الذين حتما لن يطول صبرهم اذ استمر الحال على ما هو عليه الان ...