باليت المدى: مقالة واعدة

Sunday 11th of October 2020 06:31:25 PM ,
العدد : 4787
الصفحة : الأعمدة , ستار كاووش

 ستار كاووش

كيف نعطي الآخرين حقهم؟ كيف نمنحهم مايستحقونه منا من تقدير؟ كيف نحتفي بهم بشكل يليق بقيمة إنجازهم؟ ليس هناك مكافأة يحصل عليها الإنسان أكبر وأهم من تقدير الآخرين لما يقوم به، ولا توجد هدية أعظم من تثمين صادق نابع من نفس صافية ومتوازنة وروح محبة للجمال،

روح نقية مثل حديقة يانعة تخلو من أعشاب الحسد والغيرة. فلا الهدايا العينية ولا الدروع ولا الشهادات الفخرية وغير الفخرية تساوي شيئاً أمام صدق الإنسان عند التعبير عن إعجابه، ومحاولته وضع من يستحق في المكانة المناسبة والصحيحة، ولا شيء يعلو على الثناء حين يكون نابعاً من روح عالية ومترفعة عن الصغائر. لكن مهما فعل الإنسان ومهما أنجز وقَدَّمَ، سيـظهر أمامه شخص هنا أو هناك، يحاول التقليل من شأنه وما يقدمه، وليس بإستطاعة هذا الشخص الذي يشرَئِب في أوقات معينة مثل قط، المضي في حياته بشكل طبيعي دون التوقف لإعلان رأيه الذي يعكس غالباً ضعف روحه وإنكسارها لأنه يحاول أن يعكس صورته الضئيلة على الآخرين، وذلك لعدم ثقته بنفسه، وهذه طبيعة بشرية أيضاً وميول إنسانية موجودة وستبقى ثابتة الى الأبد، فعدم التقدير هو ايضاً من طبيعة الإنسان مع الأسف، وهو مثل سوء الفهم والتعصب واللامبالاة تماماً، إنه يعكس شخصية الإنسان ومكنونات نفسه التي لم تجد طريقة تكبر من خلالها سوى في محاولة تصغير الآخرين. 

حين يَطَّلِع صديق أو شخص ما على لوحاتي ومقالاتي، فهذا اكثر من رائع، فأنا لديَّ فضول ايضاً لمعرفة رأي هذا الصديق أو ذاك، إن كان سلباً وايجاباً، فربما يكون لديه ما يفيدني به ويضيف لي شيئاً ما. لكن بعض الآراء تثير عندي تساؤلات معينة حول شخصية الانسان ودوافعه، وهنا استعيد (صديقاً) قرأ مقالة لي، ليقول بعدها رأيه الذي اختصره بجملة واحدة (كتابتك واعدة) وهنا ليست لديَّ مؤاخذة أن كان رأيه جيداً أم سيئاً، فأنا مازلت مثل غيري أتعلم، لكن السؤال هو، هل كلمة واعد مناسبة هنا؟ وهل كان هذا الرأي نابعاً من نفس صادقة وحقيقية؟ وما معنى أن يكون الشخص واعداً؟ فهذه الكلمة تقال للشخص الذي يبدأ أولى خطواته في عالم ما، وأنا استخدمها مثلاً حين أطلع على رسومات ابناء اصدقائي الصغار، فأقول لهم لديكم مواهب واعدة يمكن أن تتطور في المستقبل، و(صديقي) الذي لم يكتب مقالاً واحداً، ربما أراد أن يقول بأني سيئاً، لكن يبدو أن الأمور قد اختلطت عليه فأطلق عليَّ كلمة واعد، لكنه مع ذلك نسي أن يقول لي متى أجتاز مرحلة (الواعد) وانا اكتب هذا العمود الثقافي في جريدة المدى منذ أكثر من سبع سنوات دون توقف! وكذلك لدي عمود باللغة الهولندية في مجلة باليت المهمة في هولندا، وبإمكاني أن أهمس في أذن (صديقي) بأني أجيد اللغة الروسية أيضاً كوني عشت في مدينة كييف ست سنوات، وتفاصيل اخرى كثيرة لا داعي لذكرها هنا. 

لقد أعادتني كلمة (واعد) الى صديق قديم اسمه هاني هليل، كان يقرأ كثيراً، بل كان ينغمس مع الكتب بشكل ليس له مثيل، وهو بالاضافة الى دراسته العربية، كان قد تعلم الانجليزية بشكل مدهش، وحين تطورت خبراته اللغوية والثقافية والجمالية، إضافة الى ذكاءه واستعداداته الذاتية، شعرَ بميل للكتابة، وحين انتهى من احدى الدراسات النقدية، أحَبَّ أن يريها لأحد الأصدقاء في مقهى حسن عجمي. قَلَّبَ الصديق مقالة هاني بشكل خاطف وإطَّلَعَ عليها سريعاً جداً، ليلتفت نحو هاني قائلاً بترفع (مقالة واعدة) ثم أكمل حديثه بطريقة العارف والاستاذ والخبير (من خلال كتابتك لاحظت شيئاً مهماً، وهو انك لم تقرأ بما يكفي، عليك ياصديقي ان تقرأ أكثر) فما كان من هاني سوى أن يطوي المقالة ويضعها في جيبه، ويطرق بنظرته الحائرة متأملاً حقيبته القديمة المليئة بالكتب وهو يقول (هل تعرف بأني اقرأ كل يوم كتابين أحدهما بالعربي والآخر بالانجليزي، فماذا ترديني أن أفعل أكثر من ذلك؟) ليحمل بعدها حقيبته الثقيلة مثل خطواته ويخرج من المقهى تاركاً خلفه إبتسامة ساخرة من الحياة والنفاق الثقافي.