الوطنية- الديمقراطية ومكافحة التخريب الرأسمالي

Tuesday 13th of October 2020 06:56:52 PM ,
العدد : 4789
الصفحة : آراء وأفكار ,

 لطفي حاتم

تتسم العلاقات الدولية الراهنة بتحولاتها وعدم ثباتها بسبب تغيرات بنيتها الدولية وبهذا المسار يمكن رصد أهم الظواهر الجديدة في بنية العلاقات الدولية التي يتصدرها تنامي النزعة الكسموبولوتية التي تحملها المراكز الرأسمالية المعولمة وتنامي المشاعر القومية والوطنية لدى الدول الرأسمالية الأخرى.

-استناداً الى تلك الظاهرتين يمكننا رصد تأثيراتهما على العلاقات الدولية بمحاور سياسية - فكرية محددة تتمثل بالمداخل التالية --- 

أولاً -- العولمة الرأسمالية والنزعة الكسموبولوتية. 

ثانياً—اليمين المتطرف ونهوض الروح القومية. 

ثالثاً-- الوطنية -الديمقراطية ودولة العدالة الاجتماعية.

ارتكازاً على المحاور وعناوينها المعتمدة نعمل على دراسة العنوان الأول الموسوم ب-

أولاً--- العولمة الرأسمالية والنزعة الكسموبولوتية.

--تسعى الرأسمالية المعولمة الى تخطي المسألتين القومية والوطنية ويعود ذلك لأسباب كثيرة يمكن إيجازها بالموضوعات السياسية التالية- 

-- تجاوز السيادة الوطنية. 

حملت الاحتكارات الاقتصادية الدولية الكبرى توجهاً سياسياً عابراً لحدودها الوطنية وبهذا المعنى اتسمت الاحتكارات الدولية بسمات كسموبولوتية متخطية مصالح بلدانها الوطنية - والقومية وما نتج عن ذلك من --

1- نشوء رأسمالية كسموبولوتية. 

أفرزت العولمة الرأسمالية نخباً رأسمالية كبيرة مهيمنة تجمعها مصالح أممية عابرة للحدود القومية ويجري توظيف أمميتهم الإدارية – الاقتصادية بعيداً عن المصالح الوطنية لبلدانهم. 

2- إعلاء القوانين الوطنية. 

تعمل الدول الكسموبولوتية الى إعلاء قوانينها الوطنية على القوانين الدولية وهذا ما تجسده سياسة العقوبات الاقتصادية وقوانين محاصرة الدول الرافضة لهيمنة الاحتكارات الدولية. 

3- سيادة مصالح الاحتكارات الاقتصادية. 

تعمل القوى الرأسمالية المتحكمة في الدول الكسموبولوتية على أولوية مصالح الاحتكارات الدولية على المصالح الوطنية. 

4- تهميش الدول الوطنية.

تميل النزعة الكسموبولوتية في العلاقات الدولية الى تهميش الدول الوطنية وتحويلها الى حارس مسلح لحماية مصالح الاحتكارات الدولية. 

5—تفكيك التشكيلات الاجتماعية الوطنية. 

تسعى الاحتكارات الدولية الى تفكيك الدول الوطنية وتحجيم تطور قواها الطبقية وتخريب تشكيلاتها الاجتماعية.

إن انتقال الرأسمالية الاحتكارية الى هيمنتها الدولية يحمل في طياته مخاطر جسيمة أهمها اندلاع الصراعات الوطنية وتهميش الطبقات الاجتماعية والحروب الأهلية لغرض إدامة سيطرة الاحتكارات الدولية. 

ثانياً-- اليمين المتطرّف ونهوض المسألة القومية.

أفرزت الروح الكسموبولوتية للاحتكارات الدولية نتائج فكرية - سياسية تمثلت بنهوض المسألة القومية في البلدان الرأسمالية المتطورة متشحة بالصفات التالية-- 

أ- قيادة اليمين المتطرّف للروح القومية ومناهضته لأممية اليسار الاشتراكية.

ب- اتشاح اليمين السياسي بالروح الانعزالية وعزوفه عن المساهمة في تنمية العلاقات الدولية المبنية على المساواة والتضامن الدولي. 

ج— مناهضة اليمين المتطرّف للمهاجرين واعتبار الوافدين الجدد مواطنين من الدرجة الثانية. 

د-- تلازم كفاح الأحزاب اليمينية بالعنصرية وإعلاء شأن الدولة القومية المناهضة للدول الأخرى. 

ه –تلحف اليمين المتطرّف بسمات قومية استعلائية بهدف مناهضة النزعة الكسموبولوتية. 

و-بسبب سياسته القومية استطاع اليمين المتطرّف استلام السلطة السياسية في بلدان أوروبية فضلاً عن احتلاله مواقع مقررة في السلطات التشريعية.

- ترافقت الصعوبات الفكرية – السياسية أمام كفاح اليسار الاشتراكي وتصاعد فكر اليمين المتطرّف ونهوض النزعة الإرهابية في الدول الوطنية. 

استناداً الى تلك المؤشرات نسعى الى ملامسة صعود نزعة الإرهاب والتطرّف في الدول الوطنية في الظروف التاريخية المعاصرة.

ثالثاً-- الوطنية -الديمقراطية ودولة العدالة الاجتماعية.

- رغم انعدام الديمقراطية السياسية وسيادة النظم الاستبدادية في الدول الوطنية إلا أن مشروع الوطنية الديمقراطية يمكن اعتباره برنامجاً مرحلياً لإنقاذ الدولة الوطنية من التهميش والتخريب والإلحاق حيث يشكل ذلك المشروع رداً وطنياً على الميول التخريبية التي تحملها الرأسمالية المعولمة المتجسدة في الموضوعات التالية - 

- احتضان الرأسمالية المعولمة للطبقات الفرعية أسهم في انتشار الأصولية الإسلامية واعتمادها الإرهاب السافر نهجاً لسياستها الانعزالية. 

-- تتلاقى الرأسمالية المعولمة في نهوجها التخريبية مع الأصولية الإسلامية المتطرّفة في مساندة النظم الاستبدادية وإشاعة الإرهاب ضد القوى الوطنية - الديمقراطية. 

- تسعى الرأسمالية المعولمة الى مباركة الطبقات الفرعية وفكرها السلفي المتطرّف الهادف الى تقسيم الدولة الوطنية الى أقاليم إسلامية تتحكم فيها قوى الإرهاب الأصولية. 

-- تتجاوب الأصولية السلفية مع الرأسمالية المعولمة في إضعاف كفاح القوى الطبقية المناهضة للهيمنة والالحاق والساعية الى بناء الدولة الوطنية الديمقراطية.

- تهدف الطبقات الفرعية الى مساعدة قوى الرأسمالية المعولمة وسعيها الهادف الى - تفكيك التشكيلات الاجتماعية الوطنية كبح تطور طبقاتها الاجتماعية. 

-- تسعى الطبقات الفرعية الى مساندة الرأسمالية الوافدة بسبب مصالحها الطبقية الهادفة الى اضعاف النشاط الوطني الديمقراطي وسيادة الهيمنة والتهميش.

- انطلاقاً من ذلك تشكل التحالفات الوطنية المستندة الى مشروع الوطنية الديمقراطية رداً وطنياً على سياسة التبعية والتخريب. 

استناداً الى ما جرى استعراضه نحاول تثبيت الاستنتاجات التالية –

أولا ً- يترافق انتقال الرأسمالية من طورها الاحتكاري الى مرحلتها المعولمة وتنامي النزعة الكسموبولوتية الهادفة الى تجريد القوى الديمقراطية من كفاحها الوطني – الديمقراطي.

ثانياً – رداً على نزعة العولمة الكسموبولوتية تتنامى أنشطة اليمين القومية الهادفة الى العزلة والتطرّف ومعاداة الأجانب. 

ثالثا ً – يهدف مشروع القوى الوطنية - الديمقراطية الى تحصين الدولة الوطنية من التبعية والإلحاق وحماية تشكيلتها الاجتماعية من التخريب والتهميش.

رابعاً- تدفع سياسية الرأسمالية المعولمة المتسمة بالتهميش والإلحاق الى توسيع الكفاح الوطني الديمقراطي الهادف الى بناء دولة الوطنية - الديمقراطية والعدالة الاجتماعية. 

خامساً - نهوج العولمة الرأسمالية التخريبية تدفع القوى الدولية المناهضة للتبعية والهيمنة الأجنبية الى التحالفات الدولية المبنية على احترام السيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. 

إن الدالات المشار إليها ربما تساعد على تجميع القوى الوطنية الديمقراطية وتدفع بالكفاح الوطني الى بناء دولة الديمقراطية والعدالة الاجتماعية الرافضة لسياسة العولمة الرأسمالية المتسمة بالتبعية والتخريب.