خضير الحميري: الكاريكاتير فن معارض للسائد والمهيمن السياسي و الديني و الأجتماعي

Saturday 31st of October 2020 08:00:10 PM ,
العدد : 4800
الصفحة : عام ,

يرى أنه سعيد بكون رسومه تجد الصدى المناسب لكونه خـبـِر نفسية المواطن العراقي

حوار/ علاء المفرجي

رسام كاريكاتير عراقي من مواليد بابل، حاصل على بكالوريوس اقتصاد من جامعة بغداد 1981 وماجستير علوم اقتصادية من معهد البحوث والدراسات العربية 1989. 

عمل رساماً في مجلة الف باء (1979-2003) وصدر له كتاب كاريكاتيري بعنوان (كاري كاتير) ضم رسوماته المنشورة في المجلة لغاية 1988 وفيها اختار عناوين زوايا لرسوماته منها روتين تعقيدي - لو- شعيط ومعيط- مسامير- قرصة السنارة- هلاوين.

أقام معرضه الشخصي الأول في بغداد 1979، وشارك بالعديد من معارض الكاريكاتير المحلية في العراق والمعارض العالمية في اليابان بلجيكا فرنسا كوبا روسيا تركيا مصر ونال جوائز وميداليات تقديرية واختير كأفضل رسام ساخر من نقابة الصحفيين العراقيين ومنح (درع الإبداع) من ملتقى الخميس الإبداعي باتحاد الأدباء عام 2010 .

عمل رساماً في صحف ومجلات عربية وعراقية منها (العرب اليوم) الأردنية و (المدى- الصباح الجديد- الصوت الاخر- مجلة هلا الثقافية- الصباح- الغد…). يواصل نشر رسومه في مجلة الشبكة العراقية كما يشارك في مجلة (كه ب) الكاريكاتيرية التي تصدر بها باللغة الكردية في اربيل .

في البدايات كان متأثراً بالفنان العراقي رائد نوري، الذي جدّد في الشكل والمضمون الكاريكاتيري بخطوط وأفكار مميزة، وكذلك الفنان مؤيد نعمة، ومن الفنانين العرب تأثر بالفنانين حجازي وبهجوري وصلاح الليثي وصلاح جاهين.

المدى كان لها حوار مع رسام الكاريكاتير المعروف خضي الحميري.

* من أين ولجت عالم الكاريكاتير، من الرسم مثلاً، أم من موهبة تنامت مع مرور الزمن؟- 

- كنت منجذباً الى الفن والأدب عموماً، شأني شأن أغلب أبناء الجيل الذي تفتح في السبعينيات، الرسم، الخط ،الملصق ،الكاريكاتير ،الصحافة والقراءات الأدبية، ثم وجدت نفسي متابعاً لما تنشره الصحافة العراقية من كاريكاتير(ألف باء، الأذاعة والتلفزيون) والعربية (صباح الخير وروز اليوسف)، متابعة وإعجاب سرعان ما تحولا الى تقليد لخطوط "حجازي" و"رائد نوري" و"مؤيد نعمة" وآخرين من دون أن تكون عندي نية التخصص بهذا الفن، لكن تجري المصادفات بما لا تشتهي المُنى..

* أنت برأيي تقف في الصف الأول من رسامي الكاريكتير، مالذي يجعلك مقبولاً من المتلقين، هل هي محلية موضوعاتك أم الافكار التي تحملها؟

_ أنا سعيد بكون رسومي تجد الصدى المناسب لدى القراء والمشاهدين، وهي تحقق ذلك ربما لكوني خبِرت نفسية المواطن العراقي، مواجعه، مخاوفه، هواجسه، وتطلعاته، التي يعلنها أو يظمرها، ويحصل حين أحول المعلن والمظمر من تلك الهواجس الى كاريكاتير أن تمس رسومي ما يشعر به الناس، ولا أرى في المحلية "سُبة" مع أن رسومي تتجاوز المحلية في الكثير من المعالجات، وقد كانت لي تجربة ناجحة "أو هكذا أفترض" في مخاطبة القارئ العربي من خلال عملي لثلاثة عشر عاماً في جريدة العرب اليوم.

* أنت من جيل متميز لرسامي الكاريكتير، وهو الجيل الثاني بعد الرواد بماذا اختلفتم عن الجيل السابق؟

- الجيل المؤسس لفن الكاريكاتير في العراق وهم (عبد الجبار محمود وسعاد سليم ومصطفى أبو طبرة ونوري ثابت) ممن عملوا في جريدة حبزبوز وأبو حمد وغيرهما سرعان ماتفرقوا الى مهن ومشاغل أخرى أكثر أمنا و رزقا بسبب الصعوبات التي واجهوها في هذا الفن الجديد على المجتمع ولم يواصل أي منهم الرسم الكاريكاتير سوى لأشهر أو سنوات معدودة وبنشاط محدود، إلا ان الجيل اللاحق (غازي البغدادي وحميد المحل وبسام فرج) كان لهم دور مهم في ترسيخ فن الكاريكاتير وجعله جزءاً من الصحافة العراقية، كما نجحوا في تقديم الكاريكاتير للقارئ بوصفه فنا إنتقاديا ساخرا يتناول مختلف جوانب الحياة (التناول السياسي كان حذراً) وإستمروا في الانتاج الكاريكاتيري طويلاً (حميد المحل أكثر من عشر سنوات، غازي البغدادي قرابة الأربعين عاما، بسام فرج منذ أواسط الستينيات ومازال عطاءه الأبداعي مستمرأ). أما جيلنا الذي ولد على دفعتين، الأولى في مطلع السبعينيات والثانية في منتهاها "أنا أنتمي للثانية" فقد دشن الرسم الكاريكاتيري في فترة مختلفة توفرت له فيها حواضن صحفية محفزة، على رأسها مجموعة فناني ثقافة الأطفال، ومجلة ألف باء، حيث إنخرط مجموعة من الرسامين المميزين في رسوم الكومكس والكاريكاتير، مدججين بالثقافة الفنية والأكاديمية مع توسع النافذة التي يطلون منها على النشاط الكاريكاتيري في العالم، فأثروا وأثروا وجربوا وألهموا، إلا أن التحفظ في الكاريكاتير السياسي سيظل قائما في هذه الفترة والفترة التي تليها أيضاً. فغازي الخطاط مدرسة قائمة بذاتها، والذي استمر باسلوبه الفنانين بسام فرج وضياء الحجار، فادخل بسام فرج لمحات حديثة في الخطوط ، ولابد أن أذكر الفنان رائد نوري في السبعينيات وهو نجل الفنان الكبير نوري الراوي، فهو فنان حداثوي أدخل ملامح حديثة في رسومه، وكانت في وقتها تمثل ثورة بالحداثة.

* على الرغم من أكثر من سبعة عقود لانطلاق الكاريكتير كاسلوب نقدي، إلا أنه لم يحظ باستقبال كبير من المتلقي العراقي .. ماذا تقول عن ذلك.؟

- ربما لعبت الأنظمة السياسية المتعاقبة الدور المُقيد والمعرقل لتطور فن الكاريكاتير حيث غابت الصحافة المستقلة التي يمكن أن تحتضن الكاريكاتير غياباً شبه كامل، وظل الكاريكاتير معتمداً على المبادرة والمجازفة الشخصية خارج الرضا والحضن الحكومي، أما بشأن التلقي فإني أختلف معك تماما، فحيثما وجد الكاريكاتير طريقا ميسراً الى القارئ كان له السطوة والحضور والتأثير الفاعلين، وأذكر في هذا المجال تجربة مجلة الف باء في السبعينيات والثمانينيات تحديداً، حيث إعتمدت شعبية المطبوع أساساً على وجود الكاريكاتير، وفقا لاستطلاعات عديدة مما دفع المجلة الى استقطاب المزيد من رسامي الكاريكاتير لرفع رصيدها التسويقي.

* خطوطك إضافة لعناصر أخرى.. بوصفها الأسلوب الذي تتبعه في الرسم تبدو معروفة للمتلقي.. هل لذلك علاقة بما تحققه رسومك من رواج؟ 

- مع مرور الزمن تطور وإستقر أسلوبي بالشكل الذي تراه، تركته ينمو ويستقر بلا تدخلات قسرية ، حتى التوقيع الشخصي تركته يتنفش وينكمش لوحده، ركبتني لفترة محدودة رغبة جامحة بتغيير أسلوبي، جعله أكثر حداثة و(تمقلجا) وحين وجدت نفسي أخرج من ثوبي المعتاد، عدت واعتذرت وتركت ريشتي تمشي على هواها.

تدرجت في الرسم بأقلام الروترنج، والفرشاة، وأقلام الماجك، ثم السلاية، وأخيرا بأقلام الخط العربي الجاهزة في الأسواق، وأرى أن أداة الرسم ونوع الورق والمكتب الذي يرسم عليه الرسام تؤثر كثيراً على الأسلوب وقد تتحكم به، بالنسبة لي فأن الأداة الأقرب الى مزاجي كانت هي "السلاية" التي رسمت بها من عام 1992 وحتى 2008، لأنها تنقل إنفعال اليد الى الورق بأمانة.

* تتميز رسومك بالتعليقات (حوار أو إشارة) .. هل هناك اختلاف من حيث التاثير بين الرسوم التي تعتمد على قوة الخطوط دون التعليق، وبين تلك التي تعتمد التعليق.. طالما أن رسومك تعتمد في الغالب على التعليق؟

- تتنوع طرق توصيل الأفكار الكاريكاتيرية للمتلقي، فيمكن أن تكون اللوحة صامتة عندما تكتفي برموزها الداخلية، وقد يحتاج المتلقي الى مفتاح كلمات بسيطة في اي مكان من اللوحة، وقد يلجا ايضا الى استخدام التعليق لزيادة فاعلية الرسم، الأمر في هذا متروك لرسام الكاريكاتيروطبيعة الرسم والجمهور الذي يتوجه إليه، وبالنسبة لي فقد اعتمدت كل الأساليب المذكورة، بحسب الموضوع الذي أتصدى له، ويشكل الرسم الصامت أكثر من نصف أعمالي، علما أن الكاريكاتير الغالب في الصحافة العالمية هو الكاريكاتير الذي يستعين بالتعليق.

* عادة ما يتسم الكاريكاتير بوصفه أداة مشاكسة بل صادمة بالمواجهة مع المؤسسة المهيمنة ، دينية كانت أو إجتماعية أو سياسية.. هل دخلت في مواجهة من هذا النوع؟ 

- من وجهة نظري فأن الكاريكاتير فن معارض على طول الخط، معارض للسائد والمهيمن السياسي و الديني و الأجتماعي، فن مشاكس ومناكد يثير الأسئلة ولا يقترح الحلول، وحين يتخلى عن هذه المعارضة يتحول الى فن فكاهي أو توضيحي أو تعبوي، وقد وقع رسام الكاريكاتير العراقي "والعربي " بهذا الفخ مجبراً.

وبالنسبة لي فقد عزمت على ترك فن الكاريكاتيرأكثر من مرة بعدما وجدته يصطدم بتعنت السائد ورغبته في تحويلي الى رسام منزوع الدسم، و شرعت قبل عامين بنشر مجموعة رسوم على صفحتي الفيسبوكية تحت عنوان (كاريكاتير إصطدم بجدار المنع) بعد أن تجمع عندي أكثر من مئة كاريكاتير تم منعه من النشر!.

* رسم الشخصيات السياسية، هل واجهت صعوبات في رسمها ؟-

- هي ليست صعوبة بقدر كونها تخوفاً من عدم تفهم الشخصية السياسية (أو الأشخاص الذين يحيطون بها ويصفقون لها)، لأسلوب النقد الكاريكاتيري، فالسياسيون لدينا أكثر استعداداً لتقبل لغة المديح والإطراء، وهم حريصون كل الحرص على تلميع صورتهم الأنيقة وإنجازاتهم التاريخية وهي تتصدر الصحف، ولذلك تتحول الصورة الكاريكاتيرية لديهم إلى شتيمة لا تغتفر، بالنسبة لي فقد جربت رسم بعض الشخصيات السياسية لمرات معدودة ثم عدت للسير 

* من يستوقفك ولماذا من رسامي الكاريكاتير العرب والعراقيين في أعمالهم؟-

- من الكاريكاتيريين العراقيين أنا معجب بخطوط وأفكار مؤيد نعمة القوية، و سلاسة رسوم عبد الرحيم ياسر، ومن البورتريهيين ينصَبُ إعجابي على الرائع علي المندلاوي، ومن الجيل الجديد أمير عجام وعلاء كاظم وغزال محمـد.

ومن الفنانين العرب، عماد حجاج من الأردن الذي يرسم بطريقة تستثمر كل معطيات ورموز التقنيات الحديثة، وكذلك ياسر أحمد وعلي فرزات من سوريا، ودعاء العدل من مصر.

* الحرية هي الوسيط الملائم لآزدهار فن الكاريكاتير، هل تفتقد توفر هذا الشرط على مدى تاريخك المهني؟

- مشكلة الكاريكاتير العراقي الأساسية هي إن هذا الوسيط حاضر شكلاً وغائب مضموناً، وحتى حين حضر بعملية قيصرية كان حضوره موشى بالخطوط الحمر.."الرقيب لا يفارق أهل الرأي في العراق، فهو موجود بطريقة أو بأخرى. ولكن بإمكاني أنا كرسّام كاريكاتير التحايل قليلاً على الرقيب لأقول رأيي كما أريد. والروح التهكمية في رسوماتي موجودة أيضاً في الشارع العراقي بشكل واضح، فعندما أزور ساحة التحرير أرى الناس البسطاء يحملون قدراً من التهكم والسخرية يفوق قدرة رسّامي الكاريكاتير كافة".

* هل قادتك رسومك يوما الى المحاكم؟

- أحياناً وآخرها الدعوى التي قدمت عليً من قبل الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية، هذه الدعوى تمثل نموذجاً في قصور المسؤول عن فهم رسالة الكاريكاتير، فبدلاً من تثمين جهده وشكره لأنه وضع (ريشته) على الجرح، ونبه المسؤول للفساد والقصور الذي ينتاب عمل مؤسسته ،يتم سوقه الى المحاكم، أحمد الله أن القضاء كان في هذه القضية أكثر تفهما من المسؤول ورد الدعوى شكلاً وموضوعاً.

* أثار معرضك الأخير بعنوان الكرسي ردود فعل كثيرة هل تحدثنا عنه؟

- للأسف، أصبح الكرسي في العراق هو محور العملية السياسية، وهناك استماتة من أجل الرئاسة والكرسي بما يعني ذلك من نفوذ. المعرض يتضمن 36 عملاً حول علاقة المسؤول بالكرسي. فالعراق بفترة مفصلية وصلت أوجها في الفترة الأخيرة. ويُخشى أن يتم تأجيل الأزمة مثلما تم تأجيلها سابقاً. والشعب في قمة غضبه، يقود البلاد بمنتهى البساطة والفطرية. وأتمنى أن تؤدي هذه المرحلة الى نتائج حقيقية تعيد للعراق وجهه الحقيقي. المتظاهرون اليوم هم أناس يريدون وطناً واختصروا كل الكلام بجملة "نريد وطناً.