ثيمات التحول فـي قصة المسخ لفرانز كافكا

Monday 9th of November 2020 05:47:35 PM ,
العدد : 4807
الصفحة : عام ,

كتابة / إيما بالدوين *

ترجمة / أحمد فاضل

على الرغم من أنه عاش وتوفي منزوياً ، إلا أن فرانز كافكا (1883-1924) ، تمكن من أن يصبح أحد أكثر المؤلفين تأثيراً في القرن العشرين ،

فمن خلال التقاط مشاعره ومخاوفه على مجمل ما كتبه ، فقد ركزت أعماله بشكل مكثف على الأفراد وعلاقتهم بالمجتمع ، وهو الشعور الذي سيطر على النصف الأخير من القرن العشرين ، وبينما يسبق التحول إلى العصر الذي حاولت فيه الأيديولوجيات الشمولية تسخير الفرد لاحتياجات الجماعة ، رأى كافكا بوضوح كيف أن الحياة الحديثة تتطلب إخضاع الإرادة لمطالب المجموعة ، سواء من خلال الحاجة لكسب العيش أو الحفاظ على التقاليد الاجتماعية ، وبحلول الستينيات من القرن الماضي ، أصبح تصويره للثقل الساحق وعدم الجدوى المطلق لكونه ابناً وأخاً صالحاً للشباب الذين يحاولون خلق عالم أفضل قائم على الفردية والإبداع والعفوية ، في حين أن آليات التوافق قد تغيرت عن أولئك الذين طحنتهم الحياة بآلتها المدمرة حروب ، مجاعات ، قتل وتشرد .

تتنقل قصته " المسخ " من العزلة إلى المسؤولية الأسرية وتتطرق موضوعاتها إلى ما يعنيه كافكا أن تكون إنساناً وما يحدث عندما يتوقف من حولك التعامل معك على هذا النحو ، في " المسخ " تصبح التأثيرات المنفردة للمجتمع الحديث ملموسة عندما يستيقظ ذات صباح مندوب المبيعات المتجول جريجور سامسا ليجد نفسه وقد تحول إلى حشرة شنيعة ، فيستمر في حالة الإنكار ويظل قلقاً بشأن كيفية إعالة أسرته ، في البداية تحضر له أخته الطعام وتنظف الغرفة وتظهر له بعض الاهتمام ، لكن سرعان ما تتدهور حالته الجسدية وتفقد الأسرة صبرها ، هنا يقرر غريغور التوقف عن إثقال كاهل الأسرة فيموت .

ومع أن جزءاً كبيراً من " المسخ " يعتمد على علاقة فرانز كافكا المضطربة بوالده ، إلا أن القصة تتطرق إلى مجموعة واسعة من القضايا : الاكتئاب المنهك ، والاشمئزاز من الجسد ، والطبيعة الخانقة للأعراف الاجتماعية والأسرية ، لينشأ داخلها رعب من التوتر بين عبثية الموقف ونبرة الراوي النزيهة ، وبصفته يهودياً يتحدث الألمانية في براغ ذات الأغلبية الناطقة بالتشيكية ، كان كافكا غريباً مرتين في المجتمع الذي يعيش فيه ، تمرده على واقعه ، وفشل " المسخ " فشلاً تجارياً عندما نشرت في عام 1915 بسبب عدم تقبل أفكاره الكابوسية ، فأمر صديقه ماكس برود بحرقها هي ومجموعة أخرى من أعماله ، لكن الأخير تجاهل رغبة صديقه ما سمح لنا التعرف على ما سيكون لهذا الكاتب العبقري من تأثير ، وإلى ولادة مصطلح جديد هو " كافكا " .

التحول 

الموضوع الأول والأكثر أهمية في " المسخ " أو " التحول " ، هناك هو التحول الأساسي في الرواية وهو تحول غريغور الإنسان إلى حشرة كبيرة ، ومع تقدم أحداثها ، يكافح غريغور للتشبث بإنسانيته ، وتنزلق منه عندما يتحول إلى الأشياء التي تجلب له في شكله الجديد يجد ملاذاً في الأماكن المظلمة ، ويفرح في الزحف على الأسقف والجدران ، ولا يقدر إلا على هضم الطعام الفاسد .

بالإضافة إلى ذلك ، هناك التحول الذي يمر به أفراد عائلته يظهر بشكل بارز في جريت ، أخته ، في البداية كانت تهتم باحتياجات غريغور وتطعمه وتزوره ، ولكن مع مرور الوقت تكبر جريت وتتغير أولوياتها يصبح من الأسهل على الأسرة تجاهل حقيقة وجود غريغور بدلاً من الاستمرار في الاهتمام به .

الانفصال 

يجلب تحول جريجور معه سلسلة من التحولات العاطفية والعقبات التي يتعين عليه التغلب عليها ، العامل الرئيس هو الانفصال عن عائلته ووظيفته ودوره السابق باعتباره المعيل الرئيس ، ينفصل غريغور عن إنسانيته السابقة بشكل عام وعن شخصيته السابقة ودوره على وجه التحديد ، غريغور أيضاً معزول جسدياً في غرفته الشبيهة بالزنزانة ومن هناك ، منفصلاً عن الأسرة ، يستمع إلى استمرار حياتهم بدونه .

المسؤولية

عندما اكتشف غريغور لأول مرة أنه لم يعد في جسده البشري ، كان أول تفكير له هو عائلته ، إنه يشعر بالقلق على الفور من أنه لن يتمكن من الوصول إلى العمل في الوقت المحدد وسوف يفقد وظيفته ، الصفحات الأولى من الرواية مكرسة لنضال غريغور لإجبار جسده الجديد على فعل ما يمكن لجسده القديم بسهولة ، فيهتم بمسؤوليته تجاه أسرته ، لتسديد ديون والده وإعالة أخته وأمه ، هنا يجب على القارئ أيضاً أن يفكر في المسؤولية التي تتحملها أسرته تجاهه بعد تحوله وكيف لم يوفوا بها ، وتسديد كرمه .

تقنياته 

تمت كتابة " المسخ " في الأصل باللغة الألمانية 

وهذا يعني أن بعض التقنيات السردية ستضيع أو تُبتكر في الترجمة إلى الإنكليزية داخل الرواية ، يمكن للقارئ القريب أن يجد أمثلة على الاستعارة والسخرية والرمزية ، الأول في هذه القائمة ، الاستعارة ، هي مقارنة بين شيئين مختلفين لا يستخدمان ، موجودان أيضاً في النص ، فعند استخدام هذه التقنية ، يقول الكاتب أن شيئًا ما هو شيء آخر ، فهما ليسا متشابهين فقط ، إنها مهمة جداً في هذه الرواية وتواجه القارئ على الفور ، تم نسج موضوع السجن في جميع أنحاء القصة ، تكشف الاستعارات للقارئ أن غريغور هو في الوقت نفسه سجين المجتمع والمال وعائلته ، والأكثر وضوحاً ، بجسده الجديد ، إنه محاصر بطريقة أو بأخرى ، لكن سجنه متنوع ،

مثال آخر أقل وضوحاً هو الطقس ، لحظة واحدة ، على وجه الخصوص ، تتبادر إلى الذهن في بداية القصة عندما يستيقظ غريغور ، ويشير إلى أنه يستيقظ متأخراً ، ويشعر بالضعف ، ولا يزال هناك " مثل هذا الضباب " في الخارج ، ضباب كثيف على المدينة ، إنه كئيب ، مظلم ، يحجب الدفء والنور ، يتم استخدامه كاستعارة وإشارة إلى ما سيأتي ، يكمن مستقبله في المنزل ، وليس خارجه ، وسوف يكون الظلام مثل الطقس في ذلك الصباح .

الرموز في التحول صورة المرأة

" المسخ " ، واحدة من أكثر الرموز المؤثرة في صورة المرأة على جدار غرفة غريغور ، في الصورة ، ترتدي فراء وقبعة وبوا ، من غير الواضح من يجب أن تكون ، لكنها هناك لتذكير بمستقبل غريغور الضائع ، ودفء رفقة البشر ، وإنسانيته البعيدة ، أكثر من أي شيء آخر ، حقيقة حصوله على الصورة وتعليقها والإعجاب بها بينما كان لا يزال بشرياً أمر مهم بالنسبة له ، وعند إزالة الأثاث من غرفته ، يبدأ غريغور في الذعر ، يلجأ غريغور إلى الصورة باعتباره الشيء الوحيد الذي سيقاتل من أجل الاحتفاظ به، إنه يائس في هذه اللحظة ، ومن خلال أفعاله ، يجب على القارئ تفسير الحاجة إلى التمسك بقطعة من إنسانيته .

غريغور كحشرة

والمخلوق الذي يتحول إليه غريغور ، والذي يشار إليه أحياناً باسم حشرة عملاقة ، يمثل الحياة التي يعيشها بتحولاته ، وأصبحت ضمن يومياته بمجرد أن يتم تحويله .

طعامه

يعتبر الطعام رمزاً لما تبقى من احترام عائلة غريغور لابنهم ، جريت الشخصية الثانوية الأكثر أهمية في الرواية ، تأخذ على عاتقها مسؤولية الإطعام والتحقق من غريغور، يرجع إلى جريت أنه قادر على تناول الطعام والحفاظ على جزء من إنسانيته ، في البداية اعتقدوا أنه سيأكل نفس الأشياء التي كان يفعلها عندما كان إنساناً ، لكنهم سرعان ما اكتشفوا أنه قادر فقط على تناول الطعام الفاسد ، مع مرور الوقت ، تفقد الأسرة الاهتمام بغريغور فتوقفوا عن إطعامه وأجبر على المعاناة من الجوع .

* إيما بالدوين ، تخرجت الكاتبة والناقدة الأمريكية إيما من جامعة إيست كارولينا بدرجة البكالوريوس في اللغة الإنجليزية ، وتخصص ثانوي في الكتابة الإبداعية ، ولمنتدى بواو الآسيوي في الفنون الجميلة ، ودرجة البكالوريوس في تاريخ الفن ، الأدب هو أحد أعظم اهتماماتها التي تسعى وراءها في تحليل الكتاب .