فـي ندوة أقامتها مؤسسة المدى للإعلام والثقافة والفنون..باحثون وأساتذة يناقشون كيف تناول علي الوردي المسألة الاجتماعية وشخصية الفرد العراقي

Monday 16th of November 2020 07:03:47 PM ,
العدد : 4812
الصفحة : عام ,

متابعة المدى

يُعد علي الوردي (1913 – 1995) عالم الاجتماع العراقي المعروف علماً بارزاً من أعلام الفكر الاجتماعي التنويري الذي خلف وراءه مؤلفات قيمة في علم الاجتماع وعلم النفس وتاريخ العراق الاجتماعي.

ولعلنا لا نغالي حين نقول إن الاهتمام بأفكار علي الوردي ، وإعادة قراءته من جديد وفق ما استجد من أحداث، بمثابة إعادة الوعي بأهمية أفكاره وآرائه الاجتماعية النقدية.

فالوردي الذي يوصف بإعتبار من أبرز المروجين للفكر الاجتماعي الثقافي الموضوعي في المنطقة. وبأنّه عالِم العراق السوسيولوجي. والذي لاتزال كتاباته بحاجة الى الدراسة والمراجعة والتعريف بمنهجيته وآرائه ومفهوماته وإسهاماته في فروع علم الاجتماع المتعددة..مؤسسة المدى للإعلام والثقافة والفنون وضمن فعالياتها الثقافية أقامت ندوة بعنوان " علي الوردي وفهم الشخصية العراقية " شارك فيها الأساتذة الدكتورة لاهاي عبد الحسين والدكتور محمود القيسي والدكتور فيصل غازي وأدار الندوة الدكتور علي المرهج 

د. علي عبد الهادي المرهج أستاذ الفلسفة في الجامعة المستنصرية في استضافة لـ(المدى) يقول: "كما هو معروف إن علي الوردي يصح عليه كما أطلق على المتنبي مالئ الدنيا وشاغل الناس وعلى مستوى العراق شغل جميع العراقيين سواءكانوا مثقفين أو أناساً عاديين ، حاضر دائما في الثقافة والحياة وفي والفكر". 

ويضيف المرهج أن "واحدة من ميزاته في هذا الخطاب الذي نستطيع أن نسميه هو الخطاب الواضح الذي يتوجه به الى جميع الناس بشتى صنوفهم ، وبالتالي هو نجح في هذه المهمة قياساً ببقية أساتذة علم الاجتماع والفلسفة وغيرهم كلٌ له حضور لكن علي الوردي كان وما زال الأكثر حضوراً".

ويلفت المرهج "نحن الآن نعمل على منطقة مهمة وهي نقد الشخصية العراقية أو نستطيع القول المجتمع العراقي، والوردي لديه كتابات معروفة كدراسة طبيعة المجتمع العراقي أو لمحات اجتماعية عن تاريخ العراق وهو كتاب ينتقل بين الاجتماع وبين التاريخ وفمرة يحط رِحاله في التاريخ لكنه يقصد واقعاً اجتماعياً معيناً في لحظة زمنية تاريخية تقصد العراق بشكل عام".

د. علي عبد الهادي المرهج يتساءل عن الذي قدمه علي الوردي في قراءة الشخصية العراقية وفي قراءة المجتمع العراقي كأن نقول الفرد العراقي هل شخصية الفرد العراقي هي واحدة كأن يكون في الشمال أو في الجنوب؟

د. لاهاي عبد الحسين الدعمي أستاذة علم الاجتماع في كلية الآداب بجامعة بغداد تقول في استضافة لها في (المدى) إن "الشخصية العراقية " محاورة علي الوردي نشرت فيما بعد بعنوان الشخصية العراقية قدمها سنة 1952 في كلية الملكة عالية للبنات ، كانت في الحقيقة عبارة عن جزء من مزاج الزمان آنذاك وقبله في الأربعينيات كانت كاتبة أميركية باسم "روث بلبكت" كانت معروفة بكتابات حول الشخصية الوطنية كُتبت عن الشخصية اليابانية والشخصية الأميركية ، بعدها ظهرت كتابات علي الوردي في الخمسينيات وفيما بعد استمرت الدراسات في الاتجاه حتى على المستوى الدولي الى الستينيات".

وتضيف الدكتورة لاهاي أنه "الى الستينيات شهدت دراسات الشخصية ازدهاراً وفيما بعد بدأت بالتضاؤل لأننا أصبحنا نتحدث عن مجتمعات من الصعب أن تُعمم. يمكن أن نقول إن الصفات التي يحملها شخص معين أو مجموعة من الأشخاص هي بالحقيقة تعبر عن الاتجاه العام لشخصية المجتمع".

وتلفت الى أن "الإسهام الكبير للدكتور علي الوردي أنه تكلم عن قضية أخرى وهي إنه نبه الى أن نظريات العقد الاجتماعي لا تناسب المجتمع الشرقي ومنها المجتمع العراقي وهو لذلك استلهم تراث ابن خلدون وبنى عليه مدعياً أن مجتمعاتنا لم تكن فيها دولة قوية بإمكانها أن تسوق المجتمع وهذا طبعاً يعتبر انجازاً لأنه أسس ووضع الأساس للفكر في هذا المجال".

وتشير دكتورة الاجتماع الى أن "النقد ممكن أن يوجّه لدراسة عمرها سبعين سنة لكنه لا يُقلل من إسهامات الوردي بل يلفت النظر الى قضية التنوع ووسائل التواصل الاجتماعي وثورة المعلومات والعولمة وقضايا كثيرة جعلت من الصعب أن نقول إن هناك نموذجاً لشخصية يمكن الحديث عنها".

د علي عبد الهادي المرهج يقول "حتى قبل سبعين سنة هناك تنوع بيئي كبيئة جبلية وبيئة صحراوية كأن تنتج سلوكاً معيناً والوردي اعتمد في قضيته على تداخل الصحراء مع المدينة أو البداوة مع الحضر وبالتالي ربما تنطبق مع حدود الحضر في وسط العراق أو في جنوبي العراق".

تضيف لاهاي عبد الحسين أن "ازدواج الشخصية والتناشز الاجتماعي وصراع الحضارة والبداوة هو ما بنى عليه الوردي في تقييم الشخصية العراقية".

وتشير الى أن "ما أنتجه الوردي فيما بعد كثير من المفهومات التي تغيبت أو ضلل عليها أو لم تنتشر بما فيه الكفاية والمفهوم الأول والمهم هو "القوقعاتية" والتي هي بنظر الوردي أن المجتمع العراقي ميال الى التقوقع في قوقعات سواء عائلية أو مناطقية أو دينية أو مذهبية أو ما الى ذلك وهذه مسألة في غاية الأهمية كما نرى أن هذه النزعة موجودة اليوم".

وتؤكد الدكتورة لاهاي أن "هذا المفهوم، مفهوم القوقعاتية الذي أخذ فيما بعد من قبل الدكتور عبد الجليل الطاهري وبنى عليه إسهاماته النظرية في مجال علم الاجتماع العراقي وفي الحقيقة هو أخذه من المفهومات الحديثة في مجال علم الاجتماع "الاثنوستنروزم" المركزية العرقية وهذا بحد ذاته دليل على أنه من الصعب أن تخرج بخلاصة وتقول هذه هي ملامح الشخصية العراقية فهناك تنوع كبير وهذه مسألة لابد من الاعتراف بها".

وتتابع حديثها "لديه مفهوم آخر مهم أيضاً هو مفهوم الشفاعة، والشفاعة هي واحدة من المفهومات التي ممكن أن يستلها الشخص من خلال أعماله اللاحقة فيما بعد خاصة لمحات إجتماعية من تاريخ العراق الحديث و هو أيضاً دراسة اجتماعية بدرجة 100% ولكنه استخدم المنهج التاريخي واعتمد المادة التاريخية".

الدكتورة لاهاي تقول إن "هناك من يخلط ويعتقد أن الدكتور علي الوردي ربما خرج من علم الاجتماع الى مجال التاريخ لكنه خرج بمسألة مشروعة جداً ، إذ إنه قد خرج من ميدان الى آخر حسب تطور الجهود والولع في قضية معينة ولكن علي الوردي اجتماعي وبدأ اجتماعياً وانتهى اجتماعياً ولكنه استخدم التاريخ والمادة التاريخية وذكرها في عدد من المصادر".

وتضيف "علي الوردي لم يتوقف واستمر في الإنتاج ولكن توجد اشكالية علمية في هذا المجال إذ بدأ مؤكدا على قضية الأصالة والإرث الخلدوني وحقق الطفرة الكبيرة والمهمة التي لاتزال تُذكر للآن".

وتشير الى أن "قضية الشفاعة مهمة ليست فقط في المجال الديني حيث يبحث الناس عن شفيع أو وسيط بينهم وبين الإله ، إنما حتى على المستوى السياسي ونلاحظ هذه المسألة موجودة في العراق فعندما يواجه الفرد مشكلة معينة فهو لا يخاطب المسؤول المعني وانما يكون توجههم مباشرة للإله إذ يشبهون المسؤول الأعلى بالإله بنظر الوردي ليكون وسيطاً بينهم وبين المسؤول".

د. علي عبد الهادي المرهج متسائلا "الى أي مدى نستطيع أن نقول إن علي الوردي كتب المحات برؤية واضحة عن هذه الأحداث التي تكلمنا بها؟".

د. محمود القيسي الأستاذ في كلية الآداب بجامعة بغداد يقول في الندوة التي استضافتها المدى "الوردي كان متّهماً من قبل كثير من المتخصصين ، إنه ضيع نفسه بين مجموعة من العلوم ويعتقدون أنه ضاع بين الفلسفة والتاريخ وعلم الاجتماع ، وأنا وقفت على نقطة محددة ما علاقة الوردي بنصوص التاريخ ومن يقرأ لمحات اجتماعية يظن للوهلة الأولى أن الوردي مؤرخاً وإنه قدم نصاً تاريخياً إلا أنه من يتعمق في وعاظ السلاطين ولمحات اجتماعية يصل الى نتيجة مهمة جداً". ويضيف القيسي أن "الوردي كان عالما اجتماعيا وبامتياز واستخدم نصوص التاريخ من أجل تأكيد وجهة نظره السوسيولوجية"، مشيراً الى أنه "قبل كل شيء علينا لنفهم علاقة علي الوردي بالتاريخ وان نفهم الثنائيات التي استغرق بها الوردي في رسالته للماجستير عن دراسة سوسيولوجيا الإسلام وعن اطروحته للدكتوراه تحليل سوسيولجي لنظرية ابن خلدون دراسة لسوسيولوجيا المعرفة.من سوسيولوجيا الاسلام الى سوسيولوجيا المعرفة حاول الوردي أن ينطلق من الخاص الى العام". 

يلفت القيسي اأن "الوردي عاش واستغرق في أحضان النص التاريخي ولو نتابع طفولة الوردي وشبابه الأاول نرى أنه كان مأخوذاً ويعيش في سلسة من الثنائيات وإذ نظرنا الى ثنائيات الوردي فأن البيت الذي نشأ فيه الوردي في منطقة الكاظمية ببغداد فالوردي عاش في بيت يطل من جانب على حي الأنبارين ومن جانب على حي الشيوخ إذ كان حي الانبارين يعيش في حالة من الانفتاح وعدم المحافظة بينما كان حي الشيوخ محافظاً جدا".

ويضيف البرفسور أن "الوردي عاش بين الكاظمية والاعظمية، حتى في عيد ميلاه احتفل مرتين مرة في عام 1989 عندما بلغ الثمانين هجرياً وفي عام 1993 عندما بلغ الثمانين ميلادياً وهذه الثنائيات التي عاشها الوردي بين السنّة والشيعة، والبداوة والحضارة، والتقليد والحداثة، والكاظمية والأعظمية، والرصافة والكرخ"، مضيفاً أن "الوردي كان معمماً في البداية ثم لبس لباس الافندي".

ويقول القيسي "علينا أن نفهم البيئة التي نشأ فيها الوردي من مجتمعه المحافظ وانطلاقه الى الكرخ ومن ثم انطلاقة الى الجامعة الأميركية في بيروت، وكذلك واقع العراق السياسي الذي عاشه الوردي الواقع الذي كان في العهد الملكي والعهد الجمهوري كان واقعا مضطرباً جداً وينعكس بشكل أو بآخر على واقع المجتمع العراقي والهويات الفرعية للمجتمع العراقي والعلاقة بين الهويات المتعددة".

ويضيف "الوردي وعبد العزيز الدوري وصالح أحمد العلي ثلاث قامات عراقية كانوا في كلية الآداب وكان لهم دور كبير جداً في المشهد الاجتماعي والمشهد التاريخي في العراق أحدهم تخرج من جامعة لندن عام 1942 والثاني تخرج من اكسفورد والثالث تخرج من تكساس هذه الفترة كانت هناك موجة جديدة من العلوم الاجتماعية والإنسانية بما نطلق عليها بمدرسة الحوليات الفرنسية والتي بدأت توظف العلوم الاجتماعية والإنسانية، وتنقلها من الجانب السياسي الى الجانب الاجتماعي والاقتصادي والبحث عن فهم قاع المجتمعات والمهمشين في المجتمع"، مشيراً الى أن "رياح هذه المدرسة هبت من فرنسا وانتقلت الى كل أوروبا وذهبت الى بريطانيا وانتقلت الى الولايات المتحدة الاميركية والى جامعة تكساس بالتحديد التي كان فيها الدكتور علي الوردي فبدأت الدراسات الاجتماعية تتطور بشكل كبير جداً وبدأ نوع من الزواج بشكل خاص بين التاريخ وبين علم الاجتماع وهذا الزواج الكاثوليكي في تلك الفترة الذي حدث بين التاريخ وبين علم الاجتماع أفاد منه علي الوردي بشكل كبير جداً ونلاحظ أن اختيارات العناوين التي كتب عنها الوردي كرسالة الماجستير وأطروحة الدكتوراه سوسيولوجية الإسلام وسوسيولوجية المعرفة ثم وعاظ السلاطين ولمحات اجتماعية نلاحظ وهنا تكمن مشكلة الفهم الخاطئ لعلي الوردي".

ويلفت القيسي "علي الوردي في كتاباته الأربعة كان مهيأ اكاديمياً ومهيأ علمياً ليتعامل مع النص التاريخي في العراق ودرس المجتمع العراقي، في بيروت حصل على البكالوريوس في الاقتصاد ثم ذهب الى الولايات المتحدة وحصل على الدكتوراه في علم الاجتماع"، مضيفاً "نستطيع القول إن علي الوردي كان نتاجاً باراً لهذه الموجة الجديدة التي زاوجت بين مختلف العلوم الاجتماعية والإنسانية لكن هل فقد علي الوردي طابعه السوسيولوجي كعالم في الاجتماع وأصبح مؤرخاً من يدرس نصوص الوردي يصل الى نتيجة مهمة جداً ، ان الوردي كان ينزل من الحاضر الى الماضي ليأخذ الرحيق (النصوص التاريخية) ويصنع منها العسل لا كما يُتهم كثير من المؤرخين إنهم يجمعون الرحيق ولا يجمعون العسل فالوردي استطاع أن يصنع العسل كمنتج سوسيولوجي ولم يستغرق بالنص التاريخي والتعامل بالنصوص التاريخية ".

ويتابع "ربما هذا هو الفرق بين مؤرخ بارز عراقي وهو عبد العزيز الدوري الذي قدم كتاباً يقترب من وعاظ السلاطين وهو مقدمة في دراسة صدر الإسلام وناقش العلاقة بين المثالي والواقعي بين عمر وبين علي وأيضا الوردي ناقش هذه العلاقة في وعاظ السلاطين بين المثالي والواقعي بين عمر كممثل للواقعي في المجتمع الاسلامي والإمام علي كممثل للمثالي الذي ظل متمسكاً بمثاليته وهذه أحد الأسباب التي اعتمد فيها الوردي بشكل كبير جداً على رسالته للماجستير عن سوسيولوجية الإسلام وسوسيولجية المعرفة".

د.علي عبد الهادي المرهج يقول إن "علي الوردي حاول قدر الإمكان أن ينتقل من الواقع الى النظرية وليس من النظرية الى الواقع". 

ويضيف د. فيصل غازي أستاذ الفلسفة في كلية الآداب جامعة بغداد خلال استضافته في (المدى): "يتطلب من الباحث أو المفكر أن يتطلع على التاريخ ليس علي الوردي فقط، فطه حسين أيضاً كتب في التاريخ كتباً مهمة حول الفتنة الكبرى وحول هذه المرحلة لابد أن يكون له رأي معين ومقدس ومحرك للمجتمع ، وهذا ما قاده الى قراءة التاريخ وهو ليس منفصلاً عن التاريخ".

ويضيف غازي "علاقة الوردي بالفلسفة بوصفه باحثاً في علم الاجتماع ليس بعيداً عن الفلسفة فهو دارس وقارئ لعلم الاجتماع فلابد أن يرجع الى الفلسفة في بعض المسائل التأسيسية والفلسفة تعد أساساً لكل هذه العلوم ومع ذلك لا يمكن لشخص أن ينقد الفلسفة كلها ولكنه نقد نوعاً من الفلسفة التي رأها أصبحت غير نافعة وغير مجدية بل معرقلة ومن ضمنها المنطق، والوردي كان ناقداً ليس للمجتمع فقط كان ناقداً للدين وناقداً للغة وناقداً للفلسفة والمنطق ومسائل كثيرة جداً".

ويشير غازي أن "الوردي شخص تنويري والتنويري أوالد اعي الى الإصلاح يكتب في مسائل عدة لأنه يوظفها في مجال معين فيتطلب منه أن يكتب كتابات قد تكون ليست مهمة ، أن تكون في تخصص دقيق لكن لابد أن يتطرق اليها والوردي في هذا المجال هو امتداد للمدرسة التجريبية الناقدة للمنطق الأرسطي والفلسفة القديمة"، مضيفاً أن "الوردي هو من أوائل المفكرين الرواد الذين انتبهوا الى أن السفسطائية ليس ذمّاً كما هو معروف في تاريخ الفلسفة وهذا أيضاً امتداد للبراغماتية واخرون أعادوا قراءة السفسطائية ورأوا انها مدرسة نسبية وليست مطلقة".

بالنسبة لقضية المنطق فيقول استاذ الفلسفة إن "المنطق من الناحية التاريخية تعرض للنقد وهناك أحياناً ، الغاء تام للمنطق والفلسفة من قبل بعض الفقهاء المتشددين الذين يعدون المنطق دخيلاً على الثقافة العربية الإسلامية وغير ذلك لكن الوردي لم يكن ناقداً للمنطق بوصفه منطقاً فقط وانما كان ناقداً لرجال الدين الذين يستعملون هذا المنطق فكان الوحيد من يتكلم بالمنطقية هم رجال الدين وكان جزء من نقد الوردي للمنطق هو نقده للخطاب الديني الذي يستعمل الأقيسة المنطقية الأرسطية بكل ما فيها من مسائل وأخطاء حتى الامثلة التي يضربها الوردي كانت متعلقة برجال الدين، أما نقده للفلسفة فهو ينقد نوعاً من أنواعها التي يراها معطلة والتي انتهت في وقتها وأن إعادتها لا يجدي نفعاً وليس فيها شيء جديد".

ويلفت غازي "فيما يخص ظاهرة الازدواجية في الشخصية فإنها عامة في المجتمعات لكن علي الوردي ركز على المجتمعات الريفية والبدوية".

د. علي عبد الهادي المرهج يضيف في حديثه "لاحظت أن فالح عبد الجبار يستخدم عنوان العمامة والأفندي وحينما أفحص الكتاب لا أجد إلا ما يتعلق بمفهوم العمامة ودراسة الفكر الاسلامي السياسي الشيعي والعنوان مبهر وأيضاً ألاحظ في كتب الوردي فكرة اختيار عنوان يشكل ثيمة معينة".

تعقب د. لاهاي عبد الحسين على حديثها الاخير "عند قراءة المتن في كتاب (العمامة والافندي) فأن المتن منسجم تماماً ، يتكلم عن الاسلام الشيعي ويمكن اعتبار هذا الكتاب مرجعياً ومصدراً مهماً إذ يهتم بدراسة الحركات الإسلامية الشيعية على وجه التعيين وهناك نزعة في جامعات كثيرة اميركية وأوروبية وغيرها عند تقديمهم كتاب للعامة فأنهم يغيرون العنوان لجعله أسهل حتى يصل الى القارئ".

وتعقيباً على كلام غازي والقيسي تقول لاهاي "في ما يتعلق في كتاب اللمحات والمادة التاريخية نحن الاجتماعيين مادتنا الواقع أي الإنسان والسلوك إذ لم ننزل الى الميدان الواقعي سيكون عملنا منقوص، والمشكلة أن البحث الميداني مكلف والدكتور علي الوردي كان من الرواد، والأجيال التي أعقبته وأنا من ضمنها عندما نأتي الى البحوث الميدانية نجد انفسنا مقلين ونتوجه الى المادة النظرية".

وتضيف الدعمي "بالنسبة لموضوع التناشز وازدواج الشخصية فأن علي الوردي قدم محاورته المشهورة في شخصية الفرد العراقي سنة 1952 كان حجم المجتمع العراقي 4 ملايين واليوم أصبح عددهم 40 مليون، نستطيع أن نقول إن ما ينطبق على المجتمع آنذاك ينطبق على مجتمع بهذا الحجم وكذلك التباين بين الريف والمدينة فأن ابن خلدون بنى على التناقض بين الريف والمدينة وكذلك علي الوردي تكلم في نظريته عن التناقض بين الريف والمدينة. وكان تناقض كبير حتى منتصف الخمسينيات وعند الهجرة من الريف الى المدينة بسبب نظام الاقطاع والظلم وعدم اهتمام الحكومات المتتالية بالريف العراقي فظهرت مسألة الازدواجية والتناشز".

وتشير الدعمي "من السبعينيات فما فوق التلفزيون لعب دور في تقريب المسافة بين الريف والمدينة والهجرة والتعليم اذا عملت على محو الكثير من الفوارق والآن وسائل التواصل الاجتماعي فأن ما نشاهده ونتابعه يتابعه أيضاً الأشخاص الذين يسكنون الارياف".

د. علي عبد الهادي المرهج يتساءل "الى أي مدى تم تجاوز علي الوردي أو إضافة اشياء جديدة الى الشخصية العراقية".

د. لاهاي عبد الحسين الدعمي تقول "أكد علي الوردي في نظريات العقد الاجتماعي بأنها غربية وتنسجم مع المجتمع الغربي أكثر من مجتمعنا وقد تسلط بحد ذاتها الضوء على المحن التي نعاني منها الآن على عملية التحول الديمقراطي المرتبطة بالطائفة والدين والعشيرة والى ما ذلك".

وتضيف الدعمي "نلاحظ أن العولمة كظاهرة ظهرت فيما بعد وهناك من يرى أن كل النظريات الاجتماعية والسوسيولوجية التقليدية ليس فقط في العراق وإنما في العالم لم تعد تنسجم مع ما يحدث في أي مجتمع لأنها كانت مصممة لمجتمعات معينة محدودة بما في ذلك أوروبا والولايات المتحدة وغيرها من البلدان فعملية الانجاز النظري ليس أمراً سهلاً ولماذا لم يخرج وما الى ذلك ويبقى علي الوردي إضاءة كبيرة ولا يمكن لأي طالب في مجال علم الاجتماع أن يتجاوز علي الوردي في هذه المسألة". 

وتضيف الدعمي "علي الوردي من أكثر العلماء والأكاديميين العراقيين حرصاً على تشجيع النقد وهو ذكر هذا في أكثر من مرة في كل مصادرة وأقول اليوم إن علي الوردي ليس عقبة وإنما محطة مهمة واحترامها واجب"، مشيرة أنه " استخدم التاريخ استخدام مادة نظرية من حيث الأساس واليوم الشباب يقومون بدراسات ميدانية كدكتور عدنان ياسين ودكتور خالد حنتوش وغيرهم وهذا بحد ذاته خروج على ما ذهب عليه الوردي لأن علي الوردي كان لديه توجس من أن دراسة الواقع مثلاً من خلال الاستبيان كما نفعل اليوم في أقسام كلية الاجتماع ودكتور علي الوردي انتقد هذا الجانب".

يقول د. محمود القيسي "طرح عليه في العديد من المؤتمرات سؤال من هو خليفة علي الوردي في العراق فتبادر في ذهني المرحوم فالح عبد الجبار لكنهم أجابوني نريد خليفة علي الوردي من داخل العراق ففكرت أن دكتوره لاهاي الدعمي هي فعلاً من تلاميذ الوردي البارزين والتي حافظت على تراث الوردي". ويضيف "من خلال البحث الذي انجزته هل الوردي مؤرخاً أم سوسيولوجياً اعتقد وليس جزماً انني وصلت الى نتيجة مهمة أن الوردي لم يأخذ التأريخ أي لم يتحول الى مؤرخ بل ظل عالم اجتماع ولكنه استخدم نصوص التاريخ من أجل تأكيد وجهة نظر وهذا لا يعني أن الوردي استخدم التاريخ فقط". ويشير القيسي "هناك ثلاث نصوص مختصرة للوردي معاصرة للواقع عندما نطبقها سنرى كم كان الوردي متقدماً إذ يقول الوردي في وعاظ السلاطين إن ما فرق بين الشيعة والسنّة هم السلاطين ووعاظ السلاطين فكلاهما ثارا ، الشيعة ثاروا بسيوفهم وأهل الحديث ثاروا بأقلامهم، ويقول أيضاً ويتحدث (الوردي) إذا أراد الشيعة وأهل السنّة في هذا العصر أن يتحدوا يرجعوا الى شعارهم القديم أي شعار زيد ابن علي وابو حنيفة أي شعار الثورة على الظلم في شتى صوره لا فرق بين الظالم الشيعي او السنّي كذلك قال آن الاوان لكي نحدث انقلاباً في أسلوب تفكيرنا فقد ذهب زمن السلاطين وحل محله زمن الشعوب".

ويضيف القيسي "اختم بنص جميل لفالح عبد الجبار يقول لو صحى ابن خلدون اليوم على واقع حالنا لهتف ألم أقل لكم إن الرياسة في أهل العصبية ولقلنا نحن لعلي الوردي ولكنك لم تقل لنا إن اللاشعور يمتطي الدبابات ويقرأ".

القيسي يقول "علي الوردي استخدم النصوص برؤية اجتماعية وهذا لا يمنع أن يتجول في المقاهي فكان يجلس مع كبار السن الذين عاشوا في العهد العثماني ويأخذ منهم المعلومة ويحاول أن يوازن فينزل من الحاضر الى الماضي ويصعد من الماضي الى الحاضر وهذه هي الميزة في كتابات علي الوردي".

د. فيصل غازي يقول إن علي الوردي أسهم إسهاماً كبير في تدمير الثوابت وهو من الرواد الذين أدخلوا الكثير من المسائل التي كانت غير مستساغة وهذا يعتبر نوعاً من أنواع تهديم أصنام العقل أو أوهام كانت متداولة ، بل حتى في بعض الأوساط الجامعية إذ اسمع من كثيراً من الاساتذة لم يكن الجميع متأثرين بأفكار علي الوردي لأنهم أيضاً محكومون بإطار معين ينظرون من خلاله الى الأشياء 

تضيف أيضاً لاهاي عبد الحسين "الطبيعة الاجتماعية للعراق لم تتغير نحن نبقى أغلبية مسلمة بانقسام مذهبي شيعة وسنّة وأقليات عرقية عرب وكرد وتركمان وغيرهم ولكن الذي يتغير والذي نبه عليه الوردي دور الدولة. الدولة القوية تستطيع أن تضبط ذلك فكثير من القضايا ومنها تريّف المدن هو بسبب ضعف الدولة والتريّف هو نوع من أنواع الخلاص من تأثيرات الفساد".

أيضاً يقول محمود القيسي "أرى أن البعض من الجيل المؤسس ابقى في نفسه نوعاً من العتب عندما يرى الاهتمام والاحتفاء بالدكتور الوردي ، هذا الاهتمام والاحتفاء لأن الوردي نقل العلم من الجامعة الى المجتمع".

ويختتم فيصل غازي حديثه بالقول "الاهتمام بعلي الوردي مهم جداً يصلح أن يكون نموذجاً جيداً للشخصية العراقية التي حاولت أن تزرع أفكاراً تنويرية وحطمت كثيراً من المفاهيم البالية ، ويبقى علي الوردي شمعة مضيئة في تاريخ العراق الحديث".