الفيزيائي مارسيلو جلايزر: إن دروس وباء كورونا تكمن فـي الهشاشة التي أفرزها الوباء

Saturday 28th of November 2020 07:22:58 PM ,
العدد : 4820
الصفحة : ترجمة ,

مارسيلو جلايزر

ترجمة: منعم الفيتوري

ربما لو تساءلنا عن الدروس المستفادة من أزمة كورونا لدى المواطن العربي لتحتّم عليه أن يجيب:

لا شيء على الأقل، إن لم يكن ناكراً للأمر بالكليّة. وهذا رأيه على أنه ينبغي أن لا نشكو أو نعزو قلة صحتنا وانهيار الأنظمة الصحيّة في بلداننا إلى الغرب. 

الفيزيائي والفلكي البرازيلي مارسيلو جلايزر أستاذ بـ جامعة دارموث الأميركية، يعيش في أميركا، كتب عدة كتب في تخصصه، وحاز على جوائز عدّة منها: تيمبلتون. كما اهتمّ بالمخاطر التي تُحدق بالطبيعة والكون.

يوصي جلايزر بأنّ على البشرية أن تستفيد من وضعيتها الحالية مع كورونا وأن يكون جّل اهتمامها ناحية المعرفة العلميّة. فهي المنقذة الرئيسية لمشاكل البيئة والصحة والمناخ والإرهاب. فمن دون المعرفة العلميّة سيكون الوضع مأساويّاً حدّ التدمير!

ما يثيرُ الرعب تجاه السّكان بحسب الفيلسوف، أنّ من يعتلون سُدّة الحكم ويتولّون مناصب قياديّة لا زالوا ينكرون دور العلم -وهو السبيل الوحيد للخروج من هذه الأزمة-.

هناك دولٌ عدّة نجحت في احتواء وباء كورونا، وكانت مثالاً رائداً في ذلك، ولسوء الحظ لم تكن من بينها البرازيل، ويعزو جلايزر ذلك إلى: سوء الإدارة السياسية في البلاد، وخطأ المعلومات المتناقلة كما حدث مع الكلوروكين بوصفه علاجاً للوباء؛ لأننا لا يمكن لنا أن نعالج أزمة كالحياة أو الموت بشكلٍ سطحي!

بدون سياسة اجتماعيّة تتفق والأهداف العلميّة من المستحيل أن نحارب وباء كورونا .. يضيف جلايزر.

ومنتقداً سوء إدارة البرازيل وأميركا؛ لأنّهما أسوأ نموذج يتعامل مع الوباء؛ ولأنّ هناك مواجهة واضحة بين القيادة السياسيّة والقيادة العلميّة!

كثير من الدول والمجتمعات، لا سيما العربية منها واللاتينية واجهتْ صعوبةً في اتّباع توصيات وإجراءات العزل والتباعد الجسدي والاجتماعي، ويرجع ذلك بحسب جلايزر إلى مشكلة ثقافية واجتماعية، فالأفراد غير ناضجين اجتماعيّاً ولا ثقافيّاً.

ثقافي من ناحية أن الفرد البرازيلي اجتماعي بطبعه ومن الصعب تغير عقليته؛ لأنّه لا يحبّ العزلة.

واجتماعي من ناحية أخرى؛ لأنّ الناس الذين أصابهم الفايروس كان ينبغي عليهم أن يتحرّكوا بشكلٍ فردي؛ كي يحقّقوا عزلةً اجتماعيّة تقيهم من الوباء ومخاطره حماية لهم وحمايةً للآخرين. لكن هذا لم يحدث كما كان مرجوّاً له أن يكون.

لسوء الحظّ يقول جلايزر أنّ الناس تسترشدُ بكلام السياسيّين ومجمل كلامهم ورسائلهم متناقضة ومختلطة وتتعامل مع المرض بسخف وازدراء!

يرى جلايزر أنّ الإسراع في إنتاج اللقاح قد يسبب مخاطر إلى الإنسان، فلا ينبغي أن تتهوّر الشّركات الطبيّة في إنتاج وإيجاد اللقاح لعلاج الفايروس.

فاللّقاح يحتاج لاختبار على مراحل متضمّنة أعداداً متزايدة لمن لهم خلفية طبيّة واطلاع على اللقاح. فالتّسرع في إنتاج اللقاح وعرضه في السوق وتناوله من الممكن أن يسبّب في أثار لا تُحمد عقباها. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإنّ إنتاج اللقاح سيكون مغرياً للشركات المنتجة له، لذا ينبغي أن سستوجب الأمر العناية في ذلك.

ما الذي يمكن أن نستفيده من وباء كورونا؟

يرى جلايزر أن دروس وباء كورونا تكمن في: الهشاشة التي أفرزها الوباء، على الرغم مما نتمتّع به من تقنية عالية وتطوّر هائل في كافة المناحي. فكيف يمكن لفايروس يبلغ قطره 100 نانومتر أن يسبب في هذا الوضع؟ ينبغي أن نهتم بالطبيعة وأن ننظر إليها بتواضع.

أيضاً، من أحد الدروس المستفادة ينبغي أن نفهم أن وجودنا معا يحتم علينا أن نتشارك فيه بكل شيء، وأن نتعاون ونتضامن في الملمّات.

أيضاً، مدى حاجتنا في اعتمادنا على الأطقم الطبية، وعلى الأطعمة التي نتناولها، ومن يملؤون أرفف المحلات بالمواد الغذائيّة، من يهتمون بأن تبقى شوارعنا نظيفة، وطاقتنا ممتازة دون أن تتوقّف. إذا لم يكن هذا الأمر داخل المجتمع، فعلى المجتمع السلام؛ لأنه سيسبّب لنفسه في الرّعب والهلع ويزعزع استقراره الطّبيعي.

يضيف جلايزر: هذا الوضع يُبيّن لنا مدى احتياجنا لبعضنا البعض، ممّا يُبرز لنا وجهة نظر أنّ الإنسانيّة فريدة من نوعها، وليست خليطاً من القبائل تكون في صراعٍ دائم.

ما الذي يمكن أن نفكر فيه بعد هذا الوضع كي ننفّذ سياسات الصحة العامة والعلوم؟

أشياء كثيرة يجيب جلايزر. فالحكومة لا يمكن لها أن تتخلّى عن حكمة العلماء. فالعلم ليس اختياراً، بل ضرورة حتميّة. من لا يؤمن بذلك فهو محكومٌ عليه العيش في ظلام سيحكم مستقبل بلاده.

من أهمّ الأشياء التي ينبغي التعويل عليها بحسب جلايزر: الاستثمار في قطاع التعليم وتدريب العلماء والمهندسين الجُدد. عندها ستشارك البرازيل في اقتصاد القرن الحادي والعشرين، وبسكّان سيتمتّعون بصحة جيّدة.

يختم حلايزر قوله بتعبيره عن حزنه وأسفه لدور السياسة السيء، فيقول: من المحزن أن تؤثر السياسات الحاليّة على جيلٍ كامل من الشّباب، فهم يتطلّعون إلى مستقبل فيه وظائف مهنية مهمة في جميع العلوم.