د. بلاسم محمد: الفنانون العراقيون لهم حضورٌ بارزٌ فـي معارض عالمية مهمة 

Monday 28th of December 2020 07:06:08 PM ,
العدد : 4841
الصفحة : عام ,

حاوره / علاء المفرجي

ولد الفنان التشكيلي بلاسم محمد جسام في مدينة الكوفة عام 1954. وتعلق بفن الرسم والفنون الموسيقية منذ صغره رغم معارضة والده والبيئة الدينية التي نشأ فيها،

عام 1968 انتقل الى بغداد وأكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة ، وخلال سنوات الدراسة الخمس في معهد الفنون الجميلة درس في قسم الكرافيك والخط العربي ليتخرج عام 1975. بعدها أكمل دراسته في أكاديمية الفنون الجميلة ببغداد. لكنه لم يستطع أن يكمل دراسته إذ راودته فكرة الهروب وهذه المرة إلى هنغاريا، عام 1978 عاد إلى بغداد ليكمل دراسته الأكاديمية، حصل على شهادتي الماجستير والدكتوراه عاد إلى رحلة البحث وراء كل ما هو جديد ليرحل إلى ألمانيا ومن هناك تنقل بين الدول الأوروبية. ثم عمل في مجال التدريس لسنوات طويلة كما عمل في صحف عربية وأجنبية لأكثر من 15 عاماً، ونشر العديد من البحوث والدراسات في مجال تصميم الـ (كرافيك ديزاين). ويعد الفنان العراقي بلاسم محمد من منظري الفن وناقديه ولديه مجموعة من الكتب والمؤلفات التي تعد من أهم مصادر الفن لدى الدارسين .

حاورته (المدى) للوقوف على تجربته التشكيلية التي امتدت لأكثر من أربعين عاماً.

*كيف كانت بداياتك مع الفن التشكيلي، ومتى أبصرت أول لوحة لك النور؟ 

كنت في مدرسة ابن حيان الابتدائية في مدينة الكوفة، البيئة العامة لم يكن للرسم فيها وجود، ولذلك مارست الخط العربي والرسم لوحدي، ارسم بالطباشير على أبواب الخانات ..ولم يكن مقبولاً آنذاك هذا النوع من الرسم، وقد سبب لي الكثير من المشاكل داخل المدينة، بعد ذلك انتقلت الى الدراسة المتوسطة وكان الاستاذ المرحوم محمد حسين جودي قد دفعني بالتشجيع ولأول مرة الى إقامة سلسلة من الرسوم البيئية للبيوت والشناشيل والمناظر الطبيعية وعرفت فيما بعد أن البيئة علقت في ذاكرتي الى الآن، مع كل خصائصها وأشكالها، درسني أساتذة الفن العراقي المعروفين والأكثر حضوراً في المشهد التشكيلي، وقد تبلورت رؤيتي للفن، وهنا كان التنوع التشكيلي يأخذ مداه، في التصميم الصحفي والخط العربي والرسم معاً، وهنا بدأت مشاركاتي في المعارض الفنية في العراق وخارجه، وهكذا صار الفن الجزء الرئيس في حياتي وتفكيري عندما كتبت في الفنون الإسلامية رسالة الماجستير ومن ثم دراستي للدكتوراه في النقد الفني ..هذه الرحلة لابد إنها أثرت في تكويني الفني ..فقد شاركت في عديد المعارض الدولية وحصدت جوائز كثيرة وأقمت سلسلة من المعارض خارج العراق .. إنها سيرة طويلة أحببت فيها هذا العالم الذي اسمه الفن، كانت أول لوحة بمفهوم الرسم صورة شخصية كلّفني برسمها أحد وجهاء المدينة رسمت فيها يوم عاشوراء لتعلق في أحد مواكب العزاء وأصبحت يشار لي بأني فنان، كان عمري آنذاك اثنا عشر عاماً وقد نفذتها بالألوان الزيتية، وحصلت عليها من معلمي في الابتدائية حسن كريم الكوفي، هدية لتشجيعي على الاستمرار في الفن.

*وأي الفنانين كان له تأثير في اتجاهك للرسم، والى أي مدرسة فنية تنتمي؟

تأثرت بأساتذتي في بداية المشوار، أوّلهم الفنان الكبير محمد مهر الدين ثم رافع الناصري، بعدها بالأستاذ فائق حسن، وكل له اتجاهاته في الفن، لكن تبلورت طريقتي بعد رحلة من البحث في الفن العالمي ولما سمي باتجاهات ما بعد الحداثة، كنت معجباً بالفنان الاسباني تأبيس والاميركي روشنبيرغ. ومن خلال التصنيف المدرسي لا انتمي الى مدرسة بعينها، لكن يمكن القول بأني في خط التعبيرية، تلك المدرسة التي تحاور منابع الروح الانسانية وإشكالاتها، لذلك فان التعبيرية الخيالية جزء من تفكيري وإنتاجي رغم خصوصية أسلوبي الفني.

*بدأت كفنان بداية السبعينيات، *هل أسهم ذلك في إغناء ميولك تجاه التشكيل، وبرأيك ما الذي تشكله هذه الفترة (فترة السبعينيات) في التشكيل العراقي؟

في أوائل السبعينيات كان معهد الفنون الجميلة المحطة الأولى لكل الفنانين العراقيين سواء طلبته وكادره التدريسي، نقل أساتذته خبراتهم من مؤسسات عالمية رصينة في حقل الفن منهجاً وتطبيقاً. هذا المناخ كان البداية الأولى لدخولي الحقيقي في عالم الفن وسياقه العام الذي لابد أن تأخذ حيزاً فيه، ولذلك فان البيئة الثقافية هي من تحدد توجهك إضافة الى الرغبة الذاتية ،هنا اتحدث عن النشأة المدرسية والتعلم والخبرة ، حين توفرت لي فرصة للعمل وأنا طالب ، ففي المرحلة الثانية من دراستي علم 1972 كانت صدرت مجلة مجلتي والمزمار للأطفال وتم اختياري كأحد العاملين فيها في القسم الفني ، حينها التقيت بكبار الرسامين العراقيين – صلاح جياد ، فيصل لعيبي، طالب مكي، وعبد الرحيم ياسر، وحسام عبد المحسن والقائمة تطول ليس هنا مجال لذكرها، تعلمت من هذه النخبة الكثير وبدأ مشواري في البحث في عالم لم استطع بعد فك أسراره فأخذت أقلد كل ما يقع في يدي من رسوم عالمية ومحلية في محاولة مني للتدريب الأولي على مقاربة أسلوب بدأت تتبلور خصائصه وأشكاله .

وبعد خمس سنوات انتقلت الى كلية الفنون الجميلة وفيها بدأت ملامح أسلوبي في الكرافيك والرسم والتصميم الطباعي وفتحت الصحافة لي مجالاً أوسع .

عملت في الصحافة كمصمم، وكذلك في مطبوعات الأطفال، والإعلانات التجارية، فترة طويلة، ما الذي أضاف إليك ذلك، وما الذي أضفته أنت في هذا المجال.

كانت "مجلتي والمزمار" الخطوة الأولى في عالم التصميم الصحفي ، تعلمت فيه بعض أسرار الإخراج الصحفي ، ولأني كنت أجيد الخط العربي الذي درسته على يد الاستاذ الكبير (هاشم البغدادي) والذي أضاف الى التصميم خبرة أخرى في معرفة شفراته وتكويناته الإخراجية وتوفرت حينها فرصة العمل في الصحافة لوضع خرائط تصميمية لبعض الصحف - جريدة التآخي والعراق والجمهورية والتراث الشعبي ومن ثم مجلة ألف باء- وغيرها الكثير وتبلورت رؤى وأفكار بتأثير أستاذي (ناظم رمزي) الذي دلّني على مجاورات فنية اخرى في حقل الطباعة وهو المجال المكمل لمعرفة أسرار التصميم وأحد أهم أدواته .وهنا بدأ النزوع الى التجديد حين عملت على وضع بعض الحروف الطباعية لأول مرة في الصحافة العراقية التي سبقني في بداياتها الكبير ( محمد سعيد الكار ).وبعد تراكم خبرات الرسم والتصميم والطباعة والخط العربي لأكثر من عشر سنوات من العمل بدأت افكر في دخول عالم صياغة الإعلان ، وحينها لم يكن هذا النوع من الفن قد أخذ حيزاً مهماً في الإخراج وهو قائم على حرفية بسيطة ..كانت البداية في الدار الوطنية للنشر والإعلان الذي عملت فيها مع مجموعة من الفنانين ، و كانت الحافز في الاطلاع على تجارب فن الإعلان وإخراجه ، وفي ذاكرتي أول إعلان صممته ونفذته في ملعب الشعب وهو نوع من الإعلان المتحرك الذي يرفعه الجمهور، ثم تلاه بعض الإعلانات التي تنشر في الصحف وإعلانات الأفلام السينمائية لدور العرض. وفي هذه الفترة أيضاً افتتح معمل للإعلان الضوئي ( الميناء ) الذي وفّر لي الفرصة للعمل في حقل جديد للإعلان الضوئي ، وهنا استثمرت طاقتي الفنية وخبرتي في أسرار الفن بفروعه وأجناسه، ثم قررنا أن نعمل في مجال التصميم والطباعة والبوستر والعلامات التجارية للمؤسسات وصناعة علب التغليف والتعبئة لسد حاجات سوق العمل الصناعية والتجارية وكانت تجربة إنشاء مكتب ( ادد ) للتصميم والرسم مع أربعة فنانين ( علي المندلاوي رسام الأطفال المعروف وعبد الرحيم ياسر فنان الكاريكاتير والتشكيلي ثم المنفذ والفنان سهام كوركيس ) المكتب هو الأول لتأسيس فن لم يولد بعد في العراق ثم أخذ في التوسع عندما عملت فيه على صياغة شعارات المصارف والشركات المهمة والمنتوجات التي كانت متداولة في الصناعة العراقية والعربية ،ثم أصبح هذا المكان منتدىً ثقافياً للفنانين والأدباء لعمل أغلفة الكتب والبوسترات الخاصة بالمعارض التشكيلية والعروض المسرحية وغيرها وفي منصف الثمانينيات تحول مكتب (ادد) الى مطبعة وقسم للتصميم والرسم ( ايكال ) التي تبنت عمل المطبوعات الجارية والفنية ، وبمراجعة لتاريخ الإنتاج العراقي في مفاصل التصميم فان لهذه المؤسسة حضوراً في تطور التصميم الطباعي وفي 2003 بدأت كل مفاصل الانتاج بالتوقف ومنها ايكال ، لكن مسيرتي في التصميم استمرت لا نجز أعمال ذات حضور في مفاصل المجتمع منها الثقافي في إخراج الكتب لمؤسسات النشر العراقية والعربية والأجنبية وعمل تصميم البطاقة الوطنية الموحدة ثم عكف لتصميم جواز السفر العراقي بطريقة أكثر حداثة وأخراج مئات الشعارات للجامعات والمؤسسات العراقية والعربية .

*أنت فنان تجيد الخط العربي وجماليته .. هل برأيك ما مدى الترابط بين الحَرف والرسم ؟ 

نحن نعيش اليوم في عالم تتقابل فيه لحقول الفنية وتتراسل ..ليكمل أحدهما الآخر ، وإذا كان الخط والحَرف نوعاً من الجرافيك ، فان الرسم ذاته يقارب فن الجرافيك . ..لكن المشكلة أن الفنانين العرب، اسقطوا نوعاً من القداسة على الحرف العربي ..فكان أن تحوّل من وجوده اللغوي الى وجود آخر بإزاحة ما يعلق به من رسم عادي لصورة صوتية وحشره في اللوحة بالرغم من أن الحرف ذاته لا يقبل بمغادرة نسقه فيفرض علينا القراءة بأي صورة، نحن نقلنا الحَرف من تصيره من الحبر الى الزيت، هو تحول في الوسائل لا في الجوهر .ولذلك فان ظاهرة الحروفية في بمعناها السائد أصبح تياراً جمّد اللوحة في مكانها حتى الملل لأكثر من ستين عاماً،وهذا أحد أسباب التوقف عن الهزّات التي تحدث في العالم.أما الخط العربي بمعناه العام في شكله وتركيباته فاني أجيده وأشعر معه بالمتعة لكني لم أعمل مطلقاً على تشابك الحقلين معاً .

*ما يميز أعمالك هو هذا الاحتفاء باللون، هل تجد فيه إشارة ما؟

عندما أبدأ في الرسم أجد أمامي علباً لونية هي ذاتها يستخدمها الرسامون، لكن في التركيب اللوني تظهر قدرتك فب الاختيار ، حينها أفكر بالطابع العام للوحة ( اللون الغالب ) وأبدأ بصياغتها وفقاً للفكرة،اشعر أن البهجة اللونية يمكن أن تؤثر بشكل كبير في النفس الإنسانية لأن الغرابة سمة للإثارة ،ومن الطبيعي أن اضع كل خبرتي اللونية في اللوحة، وللون فاعلية عملية وتواصل بين أعمال الفنان وبين المتذوق.و هناك تواصل في اتجاه عكسي نتيجة لرد فعل الجمهور على الألوان فهي عملية تبادل وجداني وفكري ونفسي لها وهي من أهم وظائف الفن ودورة في توحيد أفكار ومشاعر وأحاسيس الناس .لذلك التأمل اللوني، لهذا كتب الكثير من النقاد عن بهجة اللون في أعمالي وأشعر إنها جزء من شخصيتي .

*انشغلت بالسيميائية (السيميولوجيا) كحقل نقدي ..هل كان لذلك تأثير ملموس في أعمالك الإبداعية، أم إنك ترى صناعة الفن غير وقراءته غير، كما قلت مرّة.؟

إن أي بعد معرفي، هو فعل لابد أن يكون له آثار في طرائق تفكير البشر، ولكن هناك فرق بيّن ..صناعة الفن وقراءة الفن، حقلان مختلفان رغم أنهما يعملان في جنس واحد وهو الإبداع، السيميولوجيا أو علم العلامات كما يسمونه ، جعلني أعي العلامة المعينة والمضمنة، وإن العلامة ذاتها هي جزء من الحقل الرمزي للإنسان، وبالتالي فان البحث في شكل العلامة ومدلولها يعطيني مساحة أوسع في التأمل لاكتشاف تحولاتها الشكلية، ومن ثم استعارتها في اللوحة، هذا هو السبب في ايجاد رسوم مهمة وأخرى ساذجة، إن الدراسة السيميائية تجعلك تفهم أي نمط من العلامات يمكن أن يشكل أسلوبك في اختيارها، أسلوباً خاصاً بك؛ الفنان الفطري على سبيل المثال له حساسية خاصة وإمكانات فنية كبيرة في صناعة اللوحة، لكنه لا يستطيع أن ينتج هزّات عميقة في حقل الفن عامة والرسم خاصة، وكما للثقافة والمعرفة وجود في حضور الإنسان وطريقة سلوكه اجتماعياً فان للثقافة والمعرفة وجود آخر في المجال الجمالي والفني، حضور يجعل من تضاعيف المعارف العلامية ركاماً مرجعياً لذاته وفنه، وعليه فن الدراسة في الحقل السيميائي افدتني كثيراً لاكتشاف الأسرار الرمزية والإشارية في عملي.

*ماهي أهم مشاركاتك في المعارض الفنية؟

شاركت في أغلب معارض الفن العراقي في الداخل والخارج ..في تركيا والهند وباريس ولندن ونيويورك ودبي وألمانيا والأردن وبيروت والمغرب وغيرها ..كما أقمت سلسلة من المعارض الشخصية في داخل البلد وخارجه، وتحت مسميات مختلفة ..الهجرة الى الواقع والصمت الأحمر والعبق المهجور .

*الفن التشكيلي غموض وجمال، كيف يمكن فهم وقراءة اللوحات من دون أن يشرحها الفنان؟

الفن التشكيلي من التسمية معني بالأشكال، أي معني بالبصر كما الموسيقى أدواتها السمع، لا يمكن لأي إنسان أن يفسر المعاني الموسيقية إنما تلامس الروح الإنسانية؛ الأشياء الجميلة ليست قابلة للتفسير وكلما زاد غموض المعنى ونسميه في النقد الشكل المُضمن ، ازداد جماله، الوضوح في المعنى يعطي أجوبة وهي مهمة الصحافة أما الفن فانه يثير أسئلة، وإن أي شخص يذهب لشراء ملابس فانه لا يقتنينها لمعانيها بل لأ شكالها، لذلك ظهرت تيارات التجريد الشكلي في الفن والاتجاهات التي تثير استفهاماً وهو جزء من متعة المشاهدة.

*هل استطعت خلال مسيرتك الفنية أن تضع أعمالاً لها بصمة خاصة؟

أستطيع القول إن أعمالي لاتشبه أي أعمال اخرى وهو جزم نقدي، هناك أساليب متعددة للفنان وكلها جميلة لكني اخترت طريقي بعد عناء من التجربة والتجريب المستمر حتى صار المتلقي يعرف أعمالي دون النظر لاسمي. أسلوبي أصبح متفرداً داخل فضاء الفن العراقي والعربي، وهذا جزء من بحثي المستمر.

*مازال الجمهور والنخب الثقافية ، يحجمان عن زيارة المعارض، ومازالت ثقافة من هذا النوع مفقودة عندنا؟ ماالسبب في رأيك؟

هذه مشكلة ترتبط بالوعي الثقافي للمجتمع وقد كتبت كتاباً اسمه عزلة الفن في الثقافة العراقية، أن تاريخنا هو تاريخ لغة لا بصر، ومنذ الاحتلال العثماني كان هناك صمت ثقافي استمر 800 عام لم ننتج فيه لوحة واحدة، والى الآن تترسب هذه الثقافة في مفاصل المجتمع، المعارض فكرة تقوم على احتفاء الفنانين بأنفسهم، لا يوجد تلقٍ ولا حتى اقتناء للأعمال الفنية إلا نزراً يسيراً وعلى مستوى الأفراد، سياسة المؤسسات خارج الزمن غير معنية بنشر الوعي البصري، لذلك نرى أن المعارض الفنية خارج هموم الناس وهم على حق، لأننا لم نستطع بناء وعي جمالي داخل المجتمع، والسبب هو ما مر بتاريخنا من مآسٍ، الفن هو نوع من الترف الإنساني بحاجة الى فضاء آخر لم يتوفر بعد .

لا يُمكن لنا أن نُصنف أعمال بلاسم على أنها من تمثيلات الحداثة ، لأن رسوماته تنزع نحو كسر نمطية التلقي وتجاوز أفق التشكيل الحداثي القائم، بهذا المعنى قال عنك أحد النقاد: ما تعليقك عن ذلك؟

هذا الناقد على حق، أقول لم اعد أؤمن بالمدرسية التي جاءت بها الحداثة، لقد تغير الزمن والتذوق واهتزت القناعات ولم يعد الشكل الواقعي أو مقارباته لها قيمة في رأيي لأن الصور تأتينا بالملايين في الفضاء السبراني لذلك يسعى الفن اليوم الى ايجاد موقع في ضوضاء لم تكن مسبوقة وعلى الفنان أن يخرج من التاريخ الذي كان له ثقافته في الزمان والمكان لذلك اشعر أنني اسعى بكل جهد الى بلورة اتجاه آخر يعتمد التغريب وكسر التوقع وإزاحة المألوف واليومي. لقد تبدل الفنّ في مفاهيمه ومخرجاته، وصار من الصعوبة بمكان تحديد تعريف الجميل والقبيح، مع تغيير كلي للذوق الجمالي بأجمعه من مقولة: إن كل اتجاه جديد يؤشر إلى اهتزاز في القيم والأعراف السائدة، وهي اللازمة الحياتية لمعنى التحوّل البنيوي في الوعي الإنساني .

تحمسك لمبادرة بعض الفنانين الشباب بالمعرض الذي يحمل عنوان (تركيب) والذي اعتبرته حالة من الاختراق للركود الحاصل.. هل ترى في مسيرة التشكيل العراقي ركوداً.

نعم لقد عمل جيل الشباب على فعل فالصدمة والتشظي والانفتاح وهي بداية التحرر الذي ساعد على تقويض الأفكار وإحداث الإزاحة وما رافقها من استبدال جذري للأنظمة الشكلية والتكنولوجية والمواد المستخدمة قديماً وقبول بعض هذه المفاهيم على المستوى الاجتماعي ومثلت مشاريعهم لتحقيق الحلم بالمعاصرة وتنمية ذوق آخر في الفن ، لذلك توجب ظهور فنّ آخر قادر على التواصل مع كل دول العالم، يعمل على صناعة ثقافة جديدة .

*كيف ترى المشهد التشكيلي العراقي الآن، وهل هناك سببا يجعلنا ننظر بشكل آخر للتجربة التشكيلية العراقية في بلدان الشتات خاصة وإن تجارب بعض قنانينا هناك قد استقطبت اهتماماً كبيراً ؟ كيف تعلق على ذلك؟

ربما أُغالي إذا قلت إن الفن العراقي اليوم مؤثر على المستوى العالمي ، الفنانون العراقيون لهم حضور في معارض عالمية مهمة، اعتقد أن المُثاقفة والاتصال ومرارة الهجرات جعلت من هؤلاء يعيشون عالماً قلقاً في اتجاهين، وجودهم في بلاد لها قوانينها ولا تفسح طريقاً معبداً لهم والآخر هو المقاربة بين ذاكرتهم الرمزية عن بلدهم وتلاقحها مع رمز العالم الآخر، لهذا يحضر الفن العراقي في المزادات العالمية ليس فقط على مستوى الرواد بل الأجيال الأخرى .

*هل أسهم عملك الأكاديمي في التأثير على انشغالك في الرسم، بشكل إيجابي، أم ترى أنه مسؤولية قبل أن يكون عملاً وظيفياً.؟

عملي في المجال الأكاديمي اشعر معه باني أسهم في بناء جيل له أدواته ..ولست مهتماً كثيراً بإعادة منهجية قديمة لذلك كان لي تأثير ثقافي عندما افتح الباب أمام الطلبة لإ خراج مواهبهم أكثر من فكرة التعليم التقليدية .ولأعتقد أن العمل الاكاديمي قد أثر على عملي لأني في ذات الفضاء المعني بالفن بكل أبعاده وأجناسه .وقد فسح لي المجال أيضاً لمواصلة التأليف في الفن والنقد .