رواية فوق جسر الجمهورية عندما يتجاوز الواقع مخيلة الراوي

Monday 4th of January 2021 07:00:22 PM ,
العدد : 4845
الصفحة : عام ,

د. غادة العاملي

بوسع القارئ أن يتلقى الرواية وفقاً لقراءته وتبنيه للأحداث بدءاً من عتبة النص، شخوص الرواية، الأسلوب السردي للأحداث وما يطرحه النص من مشاهد وأحداث حقيقية على لسان أبطاله بلغة متناوبة بين الواقع والخيال.

من يقرأ رواية "فوق جسر الجمهورية" يدرك أن الكاتبة "شهد الراوي" عبّرت عن نفسها بما كتبت ...

النص سلس، انسيابي، شفاف وفي نفس الوقت قوي، متين ومتماسك، يشعر القارئ بمتعة الأحداث وتشويقها دون إثارة مفتعلة.

تأويل اللحظة وقراءتها من زاوية خارج الأبعاد المتوقعة هو ما يستحق أن نضع تحته أكثر من خط، أو بالأحرى أن نخزنه في ذاكرتنا لنستعيد الإحساس نفسه كلما تكرر المشهد معنا..

بعض اللقطات تمر بحياتنا برمشة عين ولا نتوقف عندها. جهلاً أو استخفافاً، إلا أني تتبعّتها وعشتها ملياً عبر وصف الكاتبة الدقيق والمميز والمشبع بالعاطفة...

الرواية اشتغلت على عدة محاور قد أذكر منها ما علِق جيداً بذاكرتي، محور الطفولة، حياة المدرسة والتنوع الاجتماعي، حياة الأسرة العراقية التقليدية، بيوتاتنا الأنيقة في الثمانينيات، الحرب في ذاكرة الأجيال، الخيال، العلاقات بين البشر، الهجرة، الاغتراب، الخوف، الآمال، الموت الحتمي ولكن بصيغته العراقية المأساوية، المعقدة والاستثنائية المتجاوزة للمنطق بتنوع نكهة الموت ورائحته وتعدّد صوره ونوع بقاياه، حتى ضمن العائلة الواحدة الصغيرة، في زمن واحد محدود.

لا يمكن لقارئ الرواية إلا أن يتعاطف مع كل الشخوص، حتى الخالة المسكينة المُهجرة، الجميع له ظرف نفسي خاص به، عدا الجد والجدة اعتقد أن فرزهم بهذه الطريقة يحيلنا إلى كونهم خُلِقوا ونشأوا في الزمن الجميل وما أفرزه من شخصيات مستقرة، متكاملة تتمتع بثبات المواقف وسويّة السلوك وفهم واضح للحياة.

الرواية استعادة لأحاسيس جيل الثمانينيات والتسعينيات وسنوات بعد الـ٢٠٠٣ .

الرواية وثائقية، خيالية، وهي سيرة ذاتية تتشابك في كثير من الأحيان مع أحداث حياة الكاتبة ووقائع حقيقية عاشتها خلال مراحلها العمرية، فصوت البطلة كان يطابق تماماً في بعض المشاهد صوت الكاتبة بل ويعبر عنها بوضوح وخصوصاً في الثلث الأول من الرواية.

التخيل العرضي، والخيال الوهمي كان حاضراً في معظم مشاهد الرواية وترتكز عليه الأحداث في بعض الأحيان بشكل أساس، والواقع مع الخيال متداخل بلا حدود فاصلة بينهما، وبما أني واقعية تماماً كنت أبحث عن تأويل للأحداث الخيالية وربطها بمجريات الرواية. ولكن تجاوزت المؤلفة حالة التوقع واجبرت القارئ على الانضمام لحالة التخييل مع أنها خارج المعقول.

تمنيت "لداليا" أن تعيش، تمنيت أن أكون قد غفوت أثناء قراءتي لصفحات زيارتها لباريس، أو أنها زارت باريس في لحظة من لحظات غيابتها دون علم الكاتبة وحققت حلمها الصغير! شعرت بأحلام كل الشابات الشهيدات المغدورات في الانفجارات اللئيمة وهن يودعن خيالاتهن على جسور بغداد وفي شوارعه، داليا تحولت إلى دخان أسود ولم يحويها وأحلامها قبر صغير ...!

النهاية مأسوية وزخم لحظة الانفجار مؤلم جداً ولكنه ببساطة يعكس واقع لا يمكن تجميله أو ترتيشه بعبارات حالمة وغير صادقة.

شكراً لأنني استمتعت بهذه الرحلة بدءاً من أرض جسر الجمهورية إلى دخان سمائه.